الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللعبة (قصة قصيرة)

إبراهيم الحسيني

2008 / 1 / 9
الادب والفن



- قتلتها .. قتلتها .
عاريا يصيح " السماك " من فوق سور البلكونة, وسكين كبيرفي يده يقطر دما.
وقفت " بهتيم " على شعر رأسها , حين تردد الخبر.
- الزفر تزوج عزيزة.
وركضت على ألسنتها, إلى دكان" السماك" تسأل أم "محمد" زوجته القديمة صحة الخبر, وزحفت"بهتيم" على عيونها إلى ما وراء الشرفة والنوافذ والجدران, وقد أطلقت أخيلتها, تعرى "عزيزة" و السماك غارق في التقبيل والمضاجعة .
- الزفر صاد حورية البلد؟!
- هل تطيق رائحته ؟
- جنية و مخاوية .
عندما عثر أهالي "بهتيم" على جثة " محمود الحداد " طافية فوق مياه المصرف ونفايات البشر, استقبلت "عزيزة" النبأ بهدوء وبرود شديدين , وقامت , ارتدت ثياب الحداد , وقالت :
- خلف الوعـد .
أطلقت الشرطة المخبرين وراءها, بضعة أيام, ثم جاءت بالكلب" هول" يهز ذيله, و يتشمم الرجال والنساء, الذين اصطفوا أمام مقهى" حسن سلامه", وفجأة توقف الكلب, وشب على " عزيزة" يجرها من ثيابها وهو ينبح . وفى المحكمة أشار وكيا النيابة بسباته, وقال:
- لن تفلت هذه المرة من القصاص.
ردت"عزيزة" من داخل القفص:
- خل الكلب يحلف اليمين يا حضرة القاضي.
هجر"السماك" البحر والشبكة والقارب, وأحالت زوجته القديمة محل السمك إلى محل لبيع الفول و الفلافل .
مر يوم وراء يوم, تسعون يوما والنوافذ مغلقة, والشرفة مغلقة, وباب الشقة لا يفتح, بل يوارب, ويتلقى"السماك" من " أم محمد" الطعام والدخان والفاكهة وزجاجات البيرة وفص الأفيون, ويستدير, يدير مؤشر الراديو , تغنى كوكب الشرق, ويقبل على"عزيزة" التي تطول وتقصر وتسمن وتنحف وتخشن وتنعم وتتلون سمراء وبيضاء وشقراء, إلى أن هل عصر اليوم الواحد والتسعين, بجلباب أبيض نظيف, وذقن ناعمة وشعر حليق , يتجشأ ويتمطى ويسير بخطوات ثابتة تجاه الدكان المواجه للبيت.
خرجت "أم محمد " من وراء طاسة الطعمية , وقالت:
- آن الأوان تزور بيتنا يا زفـر.
هوى" السماك بكفه على وجهها , وقال: هكذا حالك إن أردت أبق, وإن أردت خذي أولادك وارحلي, فأرض الله واسعة.
لم يكن يمر أسبوع إلا و تستلقي "بهتيم" على قفاها من الضحك, حين ترمى"السماك" بأي شيء يقع في يدها: شبشب, حذاء, وابور جاز, وهى تطارده, وتسب وتلعن حظها الأسود, وهو يجرى أمامها, ويختبئ كفأر مذعور.
- قتلتها .. قتلتها .
عاريا لا يزال"السماك" يصيح من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده, يقطر دما, والنهار يشقشق, و"بهتيم" تتجمع , الشيوخ والشباب,الرجال والنساء, الصبيان والبنات,يتدافعون بالدراجات والسيارات والعربات الكارو وعلى الأقدام.
- هو يقدر عليها ؟
- كان غيره أشطر .
- الولية لحست مخه .
- كل من تزوجوها قتلوا.
- يجعل سره في أضعف خلقه.
هنا لا يعلم أحد كم مرة تزوجت ؟ ومن أين أتت" عزيزة" ؟ صعيدية أم بحراوية ؟ من القرى أم من بنات البندر , ساحلية أو صحراوية ؟ وعبد الواحد نفسه أكبر شيوخ" بهتيم" لا يعرف لها أبا ولا أما, لكنه يحلف , حين تأتيه نوبة اليقظة , برب السماء والعرش :
" لما فتحت عيني على الدنيا , كانت"عزيزة" شابة , كما هي الآن , تقيم "بهتيم" وتقعدها بحلاوتها التي تزيد يوما بعـد يوم, وجدي الكبير قال لي : أن أباه أحد ضحاياها , وصمت . منذ بضعة شهور, والدنيا في عز الليل , اندفع " حسن سلامه " زوجها الأخير – الذي يضرب الحائط برأسه فيثقبها – من باب بيته , والنار تشتعل في جسده, يجرى ويتلوى ويقفز , ويصرخ ويتمرغ في التراب.
وفى الصباح استيقظت "عزيزة " من النوم براحتها, ارتدت ثياب الحداد ,وقالت :
- لكل أجل كتاب .
- قتلتها.. قتلتها..
عاريا لا يزال "السماك" يصيح من فوق سور البلكونة, وسكين كبير في يده يقطر دما , و"بهتيم" لا تزال , في الضوء الرمادي, تتجمع , حتى المرضى والعميان والعرجان والمشلولون والبلهاء ومقطوعو الأطراف , و عبد الواحد نفسه كان قادما إلى هنا محمولا على كرسيه .
- عزيزة ماتت.
- قتلت يا حاج.
- يمهل ولا يهمل.
- من قتل يقتل .
- على يد الزفـر.
- أقل عيل في بهتيم كان يضربه على قفاه.
- السماك طيب وليس ضعيفا.
على الشط , في ساعة فجرية, والدنيا برد , خلع"السماك" جلبابه, وظل بالسروال والصد يرى المفتوح الصدر , وقال لنفسه :
" رزق العباد على الخلاق "
ثم ركب القارب, وقبض على المجدافين , يشق طريقه بين الموج, إلى أن غاب بعيدا عن الشط , سمع نداءا خافتا, لم يستطع تحديد مصدره, نهض.. يتلفت حواليه, وطرح الشبكة بكل عزمه.
من عند الأشجار والنخيل جاءت ؟ من الأعالي في السماوات هبطت ؟ من قاع البحر و اللؤلؤ والمرجان صعدت ؟ لا يدرى "السماك" إلا أن "عزيزة" ترقص الآن فوق الماء عارية,تتمايل مع الموجات بدرا مضيئا , وهى قادمة إليه , تفك ضفائرها, التي غطت البحر, وسارت به من بحر لبحر, ومن سماء لسماء,ومن أرض لأرض.
ظهر ذلك اليوم , عاد" السماك" رأسا إلى بيت"عزيزة" وألقى بصيده : البوري والبلطي والبياض تحت أقدامها.
- أنا عذراء لم يمسسني بشر.
- هذه هي الجنة.
- لكنى حامل وعليك أن تفسح الطريق للقادم .
- لن أخلف ليلة.
- وعـد الحر دين عليه.
- رقبتي سدادة.
- قتلتها.. قتلتها..
وسقط " السماك " من فوق سور البلكونة , فأطلت "عزيزة " من النافذة ترمق القادم هناك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة


.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها




.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-


.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق




.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا