الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المستعصم المقامر الذي خسر بغداد أيضا/القسم الأول

محيي هادي

2003 / 11 / 30
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


عندما نتكلم على الخلافة العباسية يتبادر الى أذهاننا سريعا كتاب ألف ليلة و ليلة، وقصصه التي سمعنا بها عندما كنا صغارا. فعلاء الدين و مصباحه السحري و السندباد البحري و علي بابا و قصص كثيرة أخرى قد ترسخت في أذهاننا و بنينا عليها مخيلاتنا و أحلام طفولتنا.
و الآن، و بعد أن تقدم بنا العمر، فحينما نسمع عن العباسيين شيئا، يشتعل ضوء أحمر ساطع ليذكرنا بما قرأناه عن مجالس طربهم و غنائهم و رقصهم، و سباحتهم بالشهوات، شهوات الشراب و شهوات الجواري. جواري الدنيا و الأرض اللواتي كان الخلفاء العباسيون يفضلوهن على جواري السماء و الجنة. إنهن بالنسبة لهم: _فختاية_  في اليد  خير من عشرة على الشجرة، و جارية تداعبهم في الحياة الدنيا أعذب و أرق من أخريات يداعبنهم في الحياة الآخرة.
و قد أعطانا الخليفة العباسي المتوكل على  الله، و الذي يسمونه، ذوي الدشاديش القصيرة و المجرمون بالإسلام، بمحيِ السُّنة و مبطل البدعة،  مثلا يصلح أن يصبح موضوع دراسة عن النهم و الشبق الجنسي الحيواني العنيف، و مثلا  لنعده صاحب رقم قياسي في الإنعاظ،  إذ كانت لديه، و كما يذكر المسعودي، أربعة آلاف حظية وطئهن جميعهن.
و لم يكتف الخلفاء بالحواري فقط بل حوَّلوا أنظارهم الى الولدان المخلدين،  فتطن برأسي أبيات شعر قالها إبن أبي النعيم:
أميـرنا  يرتشـي ، و حاكـمنا ………يلوط، و الرأس شر ما راس
قاض يرى الحدَّ في الزناء، ولا…..……يرى على من يلوط من باس
ما أحسب الجور ينقضي وعلى الـ…...أمـةِ والٍ مـن آل عبـاسِ

و تتبادر الى الأذهان أيضا ما قرأناه عن المكائد و المؤامرات، فهذا ينافق في حضرة الخليفة ضد ذلك، فتتحرك عجلة المؤامرات لتسحق هذا في السجن أو تغدر به بذلك بالسم أو تغتاله طعنا بالسيوف، و يُـقتل الخليفة  ليحل الآخر مكانه. ثم يأتي ولي عهد ليقتل الخليفة و يجلس على عرش الخلافة، و هكذا.
و باسم الإسلام كان يحدث كل شئ، و كانت المساجد تصرخ بأعلى اصوات وعاظ سلاطينها بالدعاء للخليفة، ثم تعود لتستبدل الخليفة بآخر كان قد قتل الأول غدرا، بطعن أو بتسميم.
 و ينام الناس على اسم خليفة ليصبحوا على اسم خليفة آخر. فمات الخليفة و عاش الخليفة، و مات الملك و عاش الملك، و نفق جحا و ولد إبن عمه.
و تأتي الى الذاكرة  أيضا الغزوات و الحروب التي تستعبد هذا الشعب و ذاك، و ما دام الاستعباد و القهر واقعا على شعب آخر فهذا شئ يعظِّمَه المدافعون عن الحروب و نهب الشعوب و يمجدونه و يتحول خليفة ذلك الوقت و قائد جيشه قديسا تصعد قدسيته الى السماء بدعاء وعاظ السلاطين و بركات القضاة.

مواقع بعثية دموية و طائفية  إجرامية تكتب عن سقوط بغداد
لقد قرأتُ في مواقع طائفية وهابية عن  "سقوط بغداد عاصمة الخلافة العباسية" ، فكتب أحدهم، من ذوي الدشاديش القصيرة و اللحى المتعفنة، يذكر أنه "كان لقضاء المغول على الطائفة الإسماعيلية وقع حسن عمَّ العالم الإسلامي على الرغم مما عانوه من وحشية المغول و تدميرهم". ثم يستمر ليقول : " نجح هولاكو في تحقيق هدفه الأول بالقضاء على الطائفة الإسماعيلية و تدمير قلاعها و إبادة أهلها".
لم يهم الكاتب شيئا ما دام الخراب قد حلَّ بآخرين سودا كانوا أم بيضا أم صفرا، بل يفرح لأن المصيبة وقعت على الغير، و لم تتحرك في نفسه شعرة شفقة أو رحمة تاريخية.
و لكن هولاكو استمر في طريقة الى بغداد ليواصل تحقيق هدفه الثاني في التوسع، وعـمَّ العالم  الإسلامي حزن و بكاء بدل ذلك  الوقعٌ الحسن و الفرحٌ الذي عـمَّ أولئك الذين افتخروا و فرحوا لوحشية المغول و هي تطبق على الطائفة الإسماعيلية أو غيرها من الطوائف و الشعوب.
و على الرغم من مرور قرون عديدة و طويلة،  تذكرنا همجية البعثيين و رفاقهم من ذوي الدشاديش القصيرة بهمجية المغول، و يذكرنا صدام الدموي بجنكيزخان و هولاكو. بل  إن وحشية المغول و همجيتهم لم تصل الى الدناءة و الوحشية التي قام بها البعثيون و الوهابيون في اغتيال الأبرياء من الرجال و النساء و الأطفال العراقيين.

بعد القضاء على حكم الدم و الغدر الذي طغى في العراق على مدى الأربعين عاما الماضية، حاول العفالقة البعثيون، و مرتزقوهم من الأعراب و آخرون، ربط إنهيار هذا الحكم الارهابي و مقارنته بانهيار حكم المستعصم، و نهاية الخلافة العباسية في بغداد، على أيدي التتار. إن المجرمين البعثيين و الإرهابيين من الوهابيين الـ -بن لادنيين-  و من لف لفهم يدقون على نفس الآلات و يرقصون في المرقص نفسه.
الممجدون للإرهابيين  يفرحون لما يقع في العراق من إجرام و قتل، على أيدي الدمويين البعثيين و على ايدي الوهابيين، و لكن عندما دخل الإرهاب  أراضي السعودية بدأ المجرمون يمضمضون بأفواههم، لأن الإرهاب قد مسّـهم.

و حاول الإرهابيون تعليق سبب سقوط العباسيين و قتل المستعصم على أكتاف وزيره إبن العلقمي، ليتركوا الخليفة وقائد الجيش و الآخرين من المخصِّـين من حائكي المؤامرات و الإغتيالات بعيدا عن أسباب السقوط، و يبرئون ساحتهم بل و ينزهون موقفهم.
يتهمون إبن العلقمي المثقف و معروف الأهل و النسب و الحسب ليبرئوا قائد الجيش المملوك المخصي، الذي اختطفه الجيش العباسي في إحدى الحروب، أو أسره، أو من الذين بيعوا في سوق النخاسة.
إن البعثيين و الوهابيين صفقوا لمنكَـر الأصل و النسب، المجرم صدام، مثلما دافع سلفهم الطالح عن المماليك المخصيين. لقد صحب اللئام  لئام الأصل.
و كما يقول الشاعر الغرناطي الخضر بن أحمد بن الخضر بن أبي العافية:
و أصحب كريم الأصل ذا فضل فمن ……. يصحب لئيم الأصل عُـدَّ لئيما.
لقد كتب الدكتور علي الوردي في (تاريخ العراق الحديث) إن المماليك لم يكن لهم آباء يراقبونهم و يحرصون على سلامة أخلاقهم، و لهذا كانوا ينجرفون في طريق الانحراف دون رادع أو حياء. فالمماليك حين كان يُؤتى بهم و هم صبيان الى بغداد، قد يتعاطون اللواط فيما بينهم أو يتعاطاه معهم المعلمون. فهل يريد علي الوردي أن يذكرنا  بما حل بصدام الدموي المنكر الأب و فاقده؟

من المسؤول عن سقوط الدولة العباسية؟
ترى هل كان إبن العلقمي هو المسؤول عن سقوط  الدولة العباسية ؟ و في حالة كونه مسؤولا فهل كان هو الوحيد، أم أن هناك أشخاصا آخرين و أسبابا أخرى أدت الى سقوط العباسيين  و إنهاء دورهم في حكم العراق، هذا الحكم الذي كان لا يستند الا على القسوة و العرصنة و هز بطون الجاريات؟
قبل الدخول في صلب الموضوع يجب أن نعرف:
*أن إبن العلقمي هو شيعي المذهب، و إن الذين كتبوا ضده هم من معادي الشيعة الى حد بعيد لا يمكن تصوره، الى النخاع، و إذا عرف السبب بطل العجب. و يأتي الأحفاد الإرهابيون ليستعملوا نفس الاسطوانة المشروخة، لتبرير المجازر التي قاموا بها ضد الشيعة في أفغانستان و مثلهم مثل سلفهم الطالح الذي قام بمذابح قبل قرون في أيام الدولة الأموية و الدولة العباسية و الإمبراطورية  العثمانية .. الخ، ويستمرون بأعمالهم الإجرامية حاليا  في باكستان و في العراق أيضا. و لا أعني بهذا أن إجرام الإرهابيين لم ينل الناس من غير الشيعة، بل على العكس فإنه بالنسبة للمجرمين لا فرق بين هذا الإنسان و ذلك، و لا فرق بين عربي و أعجمي بالقتل و الإرهاب.
 و تؤكد انفجارات الأول من رمضان لهذا العام أن الإرهابيين لا يريدون القتل إلا لأجل القتل  لتأكيد طبيعتهم الإجرامية الدموية و المعادية لكل إنسان عراقي و سلامته. و هكذا فلم يسلم من اغتيالاتهم لا الطفل و لا المرأة و لا الرجل و لا العجوز، مهما كان لون جلدة الضحايا أو عقيدتهم. و لم تسلم كذلك المساجد من تفجيرات قنابلهم.
و لا يمكننا أن نفرق المجرمين من البعثيين و الوهابيين عن أقرانهم من المغول.
* استخدم معادو الشيعة اسم إبن العلقمي و جعلوه شماعة يعلقون عليها أسباب فشلهم في الحياة،  و عند تعليق التهمة برقبة الوزير، الشيعي، فلماذا لا تعلق كل تهمة و كل فشل برقاب الشيعة. هؤلاء الشيعة الذين لم تستطع أقوى قوة اضطهاد في التاريخ أن تمحيهم من على وجه البسيطة.
*إن الكتاب المؤرخين الذين ينضحون بالعداء للشيعة و لابن العلقمي من الذين كتبوا عن سقوط العباسيين  قد ألفوا كتبهم في هذا الموضوع بعد سنوات عديدة من انتهاء حكم العباسيين في بغداد، فملئوا كتبهم بالشتائم و التزوير و الكذب. فلم يكن الصحاف هو الكذّاب الأول، و لم يكن قرينه النازي غوبلز هو الذي ابتدع نظرية: اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس، بل أن قبلهم بقرون كثيرة قام بالكذب و التزوير المدافعون عن الإضطهاد و الوحشية الأموية و العباسية….الذين أرَّخوا  و كتبوا يمجِّـدون سلاطين القهر و العهر.
* و إن قسما من هؤلاء المؤرخين قد أظهر في كتاباته تشنجه و حقده الكبير فاستعمل كلمات سوقية ، ككلب و خنزير مثلا، عندما وصف إبن العلقمي.

يتبع

محيي هادي - أسبانيا
تشرين الثاني/20003








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ممر رملي قد يدهشك وجوده.. شاهد كيف عبَر إماراتي من جزيرة إلى


.. حزب الله يعلن استهداف موقع السماقة الإسرائيلي في تلال كفر شو




.. لماذا تضخ الشركات مليارات على الذكاء الاصطناعي؟! | #الصباح


.. حكومة نتنياهو تستعد لتطبيق فكرة حكم العشائر خاصة في شمال غزة




.. هل يمكن للأجداد تربية الأحفاد؟ | #الصباح