الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجاحد العزيز

ناديه كاظم شبيل

2008 / 1 / 11
الادب والفن


كانت لحظة وداع لا تنسى ،تشبّث الصغير برقبتها بشده ،احست بيديه وقد اصبحتا طوقا حديديا لا يمكنها الخلاص منه ، اجهش بالبكاء ،صراخه يصم اذنيها ويدمي مشاعرها الرقيقه : لا تسافري وتتركيني هنا وحيدا ياعمتي .ردت عليه بحنان وتوسل وكأنها تغريه : سأشتري لك هدايا ، ولعب ،وحلوى لذيذة .اجابها بأصرار : لا اريد شيئا اريد ان تبقي بقربي هنا . قالها وهو يشير بأبهامه الى الارض ويدق بقدميه الصغيرتين . مرّغت وجهها بوجهه الجميل ،قبلته قبلات سريعه وهي تحاول التخلص من قبضته ،هرولت مسرعة الى سيارة الاجره التي تقف بانتظارها ،التفتت اليه لتلقي عليه نظرة الوداع ،ولكن ما شاهدته جعلها تعود جزعة ملهوفة ،اذ كان الطفل الحبيب يضرب على رأسه بكلتا يديه وهو يصرخ ويتلفت هنا وهناك باحثا عن معجزة تحدث لتعرقل سفر العمة الغاليه .عادت اليه ثانية :ناغته وتوسلت اليه ان يكف عن البكاء ،وعندما عجزت عن اقناعه احتضنته وبكت بكاء شديدا ،ثم سرعان ما تركته ودلفت الى داخل السياره . انطلقت بهم السياره بعيدا ، بينما صوت صراخه لا يزال يصم اذنيها ، دموعها تغسل وجهها وتمتد نازلة الى رقبتها .: نشيجها لا ينقطع : ليتني ما ودعته ،قالت ذلك في سرها . لقد احبّها هذا الطفل وتعلق بها من اعماق قلبه ، كان يتحفها بالهدايا كلما زارتهم ،حيث يدخل الى غرفة امه ليحضر لها اصابع احمر الشفاه او اطواق الشعر ويتوسل اليها ان تتقبلها منه ،كان يحرجها بتصرفاته البريئه تلك و كلما اصرت هي على الرفض اصر هو عليها بقبولها ،كان بموقفه هذا يحرج والدته ايضا ، فتتوسل الى العمه ان لا ترد الصغير . حبه لها جعله يستأثر بها لنفسه ،اذ كان يقذف بطفلتها الصغيرة بعيدا عنها كلما حاولت ارضاعها ،ليحتل هو الحضن الدافئ الحنون ثم يحدج طفلتها نظرة الفائز المنتصر .تعوّد هذا الصغير ان يشي للعمة بكل اسراره ويوم انتشر القمل في رؤوس معظم العراقيين بعد الضربة الأمريكية في حرب الخليج ،زف اليها البشرى الغير متوقعه على الاطلاق : عمتي ،لقد أصطادت والدتي من رأسي تسع قملات ليلة امس . خجلت الأم من هذا التصريح الخطير ،ولكن العمة قالت متباهية ،انه عدد قليل بالنسبة لما اصطدته انا من رأس ابنتي ،ضحك الجميع ،وهم يهرشون رؤوسهم بقوه. ان شهامته وكرمه لا تتناسب وعمره ،فكم من مرّة احضر لعمته العزيزه طعاما شهيا ، كانت امه قد اخفته عن عيون الضيوف ،ولكن ما ان يطرق احدهم الباب حتى يسرع ليحضر له ما لذ وطاب ، فهو لا يتعظ من الزجرالعقاب الذي يتلقاهما من والديه ،وكان يشي بوالدته عندما تمعن في عقابه له بأنها تمنعه من استضافتهم حرصا منها لتقديم ذلك لاشقائها .
عندما استشرى الجوع في العراق بسبب الحصار الاقتصادي الظالم ،وعندما تفشّت الجريمه في مدينة السلام ،اتفق والده وزوج عمته هذه على السفر الى بلد عربي مجاور ، ثم محاولة الهجرة الى السويد بعد ذلك ،خاصة وأن عمه الكبير يسكن السويد منذ امد بعيد ، اقسم الاثنان بأنهما سيسافران معا وانه لن يتخلى احدهما عن الاخر مهما كلف الامر . انجزا كل صغيرة وكبيرة واستلما جوازات السفر وحددا يوما معينا لذلك ،ولكن عندما حضر زوج العمه في الموعد المحدد ،استقبله الصغير ليتحفه بالمفاجأة الشريره : لقد ذهب والدي الى المستشفى لاجراء الفحص لأنه سافر الى الاردن وعاد ليلة امس من السفر . لم يستوعب الرجل ما قاله الصغير بالضبط ،فاستفسر من امه ،ولكنها نهرت صغيرها وهي تقول متلعثمه :انه يؤلف كلاما من خياله .ولكن الصغير اصر بأن والده قد سافر وحيدا الى الاردن وعاد بعد ان تلقّى مبلغا ماليا ضخما من عمه الذي تخلى عنه في اخر لحظه .ان خيبة الامل التي احست بها العمه وهي تستمع الى المفاجأة من زوجها كانت شديدة الوقع ،ولكنها ابتلعتها بسهولة ، فالوقت العصيب الذي تمر به يجعلها تتقبل مثل هذه الامور بتسامح رغم شدة مرارته .
سافر زوج العمه وحيدا ، وتعرض للجوع والحرمان ،وتمت المعجزه بسهولة ويسر ، لقد سافر الى السويد وحصل على الاقامه هناك ، ورغم موقف شقيقها المخيّب لامالها ،الا انها حين علمت بأن زوجها على وشك الخروج الى السويد، نصحت شقيقها هذا باللحاق به ،واخبرته انه على وشك الوصول ،ولكنه رفض السفر واكتفى بالملغ الذي ارسله اليه شقيقهما .عانت العمه الكثير من المرارة في فترة غياب الزوج ، حيث اصيبت واطفالها بامراض كادت ان تودي بحياتهم ،فالحشرات المنتشرة فوق كل شئ والذباب و البعوض وماء الشرب الغير مصفى وانقطاع التيار الكهربائي اجتمعت كلها لتخلق بيئة مرضية تثير الرعب . لم يقدم لها شقيقها هذا اية مساعده تذكر،وكان ينظر الى كل ما مرت به من مصائب نظرة المتفرج فقط ،رغم انها طالما ساندته وقت شدته ،فعندما انتخب في بعثة الى خارج العراق ،اقرضته مبلغا من المال ورفضت استلامه منه بعد ان تم منعه من السفر ،وكانت تؤيه في بيتها الى ان تم زواجه من صديقتها ،واهداه زوجها هدية قيمه وهي رحلة الى الحبانيهلقضاء شهر العسل هناك ، ،ولكنه وزوجته نسيا كل هذا .في يوم السفر ، قدمت لها زوجته ملابسا جديدة حسبتها العمه هدية بسيطة ردا للجميل الذي طالما قدمته لهما ولكنها قالت لها مازحه اريد سعرها، فقد كلفتني مبلغا كبيرا ،ثم استلمت المبلغ المحدد .
في الاردن ،كان هم العمه هو الايفاء بوعودها للصغير الحبيب ،كانت تستلم منهم رسائل محملة بالشوق والشكوى من ضيق ذات اليد لتردا صناديق مملؤة بالحلوى الشهيه ،وعندما توسّل اليها صغيرها ان يتذوق واحدة منها ،اقسمت له بانه سيحظي بكل شئ في السويد . وعندما وصلت السويد ،كان جل همها ان تدخل الفرحة الى قلبه البعيد الحزين ، اهدته ملابسا من ارقى الماركات العالميه في الوقت الذي كانت فيه ملابس اطفالها من السكوندهاند ، الرسائل لا تنقطع محملة بالطلبات التعجيزيه ، والتلبية تتم من قبلها بلا تردد .وعندما طالبها شقيقها بمد يد العون له كي يلتحق بهم الى السويد ،اهدته مبلغا ماليا ضخما طالبة منه ان يكون رأس مال يبدا به مشروعا ناجحا في العراق ،قال لها وصوته يرقص فرحا عندما وصله الملغ : سيكون هذا دينا بذمتى اليكم ،وسيكون الربح مناصفه ،شعرت بالرضا وهي تعيد الكلمات على زوجها ،مشيدة بوفاء شقيقها ورجولته ،ولكن ما هي الا اشهر قليله ،حتى ارسلوا في طلب امداد اخر ،لان المشروع تعرض لخسارة فادحه ،وعند وصول المبلغ كرر الشقيق طلبه القديم بالهجرة الى السويد ،اعتذرت الشقيقه بشده ،وحذرّه زوجها من السفر لأن هذا فوق امكانياته ، ولكن شقيقها سافر رغم كل هذه التحذيرات ووضعهم امام الامر الواقع .لم يتلق شيئا بطبيعة الحال وعاد الى العراق بحفي حنين .
بعد سنوات قليلة تمكن شقيقها من الوصول الى السويد ،ونسي كل الخدمات والمساعدات التي منحوها له ،وانكرها تماما ، وتذكر شيئا واحدا فقط انهم لم يساعدوه بالهجرة الى السويد ، حذّر الجميع من ان يخبروهم برقم هاتفه او عنوانه ،وكذلك فعلت زوجته ولم يشف كل هذا غليله ، واخذ ينتقم منهم بصورة مبتذله ،ففي ايام الصفا وعندما كانوا يمطرونه بالخيرات ،كان يكتب اليهم كل صغيرة وكبيرة تحدث عند الاهل والاصدقاء في العراق،ويهوّل لهم الامور بشكل يثيرقلقهم وسخطهم ، تاثرت شقيقته بأحدى الرسائل تأثرا بالغا ،لانه يحدثهم فيها عن جريمة مقترفة في وضح النهاربحق ابرياء لا حول لهم ولا قوه ،استوحت شقيقته من هذه الجريمة قصة تسرد فيها احداث مريرة مؤلمة تتنافي وكل ما يمت الى الانسانية بصفه ، كتبتها ولم تذكر اسم معين او تشير الى مكان الجريمه الحقيقي ، نشرتها لا للتشهير وانما لتوقظ ضمائر البشر التي راحت في سبات من شدة هول ما تعرضوا له من قسوة الحروب والجوع والخوف والالم .لم يكن بحسبانها ابدا ان تتلقى عتابا رقيقا من صاحبة الشأن الذي استوحت صاحبتنا القصة من فعلتها الشنيعه ،تعلمتها فيها ان ابن شقيقها المدلل الذي كانت تتحفه بالهدايا الثمينة والدولارات التي لا تعد ولا تحصى هو الذي اهداها هذه القصة للوشاية بها لا اكثر !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بصوتها العذب.. الفنانة اللبنانية كارلا شمعون تبدع في الأغنية


.. خالد النبوى: المعارك قوية جدا فى فيلم أهل الكهف والفيلم استغ




.. من هي الفنانة مها عطية التي تصدرت الترند بعد وفاتها؟


.. طارق العريان يكشف كواليس فيلم أولاد رزق .. كان مجرد فكرة




.. سائقات المشاهد الخطيرة يطالبن بالتمثيل العادل بين الجنسين