الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجثمان : قصة قصيرة

صبيحة شبر

2008 / 1 / 12
الادب والفن


الجثمان

انتظر ان يأتيه الأحبة فاتحي الأذرع لمعانقته بحنان ، كان معصوب العينين ، ممزق الأسمال ، مرتعش الفم ، يابس اللسان ، لم يضعف منه القلب ، ولم يشعر يوما بالخذلان ، تلقى الضربات الموجعة على أنحاء عديدة من جسده الضعيف ، وسمع آلاف الاتهامات بأصوات مهددة تارة ، متوعدة أو واعدة أحيانا ، فرض عليه الصوم أياما حتى أصابته الدوخة ، ولم تعد العينان قادرتين على إتقان الرؤية ، منعت عنه الزيارات ، وحبس في غرفة منفردة
- لاأعرف ماذا تريدون ؟
تأتيه اللطمات متضاعفة ، وتحل على جسده المهدود ، وتتوالى الصفعات ، تنطلق الأصوات شاتمة إياه ، ومهددة بالويل والثبور وعظائم الأمور ، يصب عليه الماء مغليا ثم باردا ، حاولوا ان يسمعوا منه التضرع ، وان يجثو على ركبتيه طالبا الغفران
- لم أفعل ما تقولون
تنهال عليه اللكمات والضربات ، مصحوبة بصراخ يصم الاذان ، تقلع منه الأظافر ، وتطفأ السكائر في أنحاء من جسده المقرور
- لم اسمع بمن تتهمون
- انك حيوان ، لتتحمل هذا العذاب
يعلق من قدميه على المروحة السقفية ، ويجعلونها تدور بأعلى سرعة
- ماذا تريدون
- يا ابن ........ ألا تدري ؟
- نصحوه ان يبعد أفراد العائلة ،الى مكان لايعرف به هؤلاء ، وهو ينتظر في هذا المكان المظلم ، علهم يأتون إليه ليعانقوه ، ويطفئوا بحنانهم سعيرا بالالتياع ، ينفجر في داخل قلبه المحروم من لمسات الدفء ، يسمع أصوات حفر في المكان ، هل يكونون هم ؟ يلبون حاجته بعد فراق ؟
- قل كلمة واحدة
يطول به الانتظار ، ولا إشارة تدل انهم حاضرون ، ليبددوا عنه وعورة الطريق التي سارها وحده ، وهو يحلم ان الملتقى قريب ، وأنهم حتما سيحققون له ما يريد ، ويهرعون الى لقياه ، كم هو مؤلم ان تتعرض للحرمان وحدك ، نأيا بالعذاب عمن تحبهم مثرا اياهم على نفسك ، وإبعادا لهم عن الأجواء التي لاترضي احدا ، ولا تجلب للنفس الا الأذى ، تمنى ان يسرعوا إليه ، لقد تحمل كل ألوان التعذيب لوحده ، وأبعد الأحبة عنها ، آل على نفسه ان يحميهم ، مع أنهم قاموا بتلك الحملة ، وألّبوا الرأي العام ، هم أعزاؤه في هذه الحياة ، وسوف يأتون إليه مودعين على الأقل
تتوالى أصوات الحرث في الأرض ، هل هم أحبته أتوا لوداعه ، بعد ان علموا انه مغادر ارض الخراب المشتعلة ، التي لايحظى فيها الإنسان الا بالعذاب ، الا سحقا ، أين ذهبوا ؟ ولماذا تأخروا في المجيء ؟ الم يعلموا إنها لحظات ، وتنهال الأتربة عليه إيذانا بالرحيل من هذا العالم ، لقد أحبهم ، ودافع عنهم ، وذاق من التعذيب صنوفا لم تخطر على بال ، تفننوا في إيذائه ، ليدفعوه على النطق بما يريدون ، ردد لنفسه مرارا
- اربأ بنفسي أن أسيء الى أصدقائي وأحبابي
ولكنهم تأخروا طويلا ، وله لحظات قليلة ، وسوف يغادر غير آسف ، لم يجد ما يسره ، سنين عمره قضاها كمدا وهما ، وحين ابتسمت له الحياة ، قام أصحابه بتلك العملية ، التي زعزعت أركان النظام ، هربوا هم آملين بايجاد مأوى امن ، يقيهم من الوقوع في براثن الأعداء , وبقي هو في مكانه ، لم يشأ المغادرة ، فوقع في أسرهم ، هل زاره أصحابه وهو في غرف التعذيب الضيقة ، يتعرض الى ألوان مختلفة من العذاب ؟ وكيف يمكن لهم ان يزوروه وهو بعيد ، لايدري في أي بقعة من العالم ؟ وقد منعت عنه الزيارات ؟ ولكن الآن بعد ان ضاقت به المسافة بين الحياة واللحد ، اخذ يتوقع أنهم سيهبون الى لقياه ، وانهم سيخبرونه انهم سألوا عنها مرارا ، ولكن الأعداء لم يمنحوهم فرصة اللقاء به ، هذه الحقيقة ، لاشك أنهم حاضرون ،
- انك عنيد ، يابس ، ولا أمل فيك ، سوف نضع حدا لهذه الجيفة
ما زالت أصوات حفر الأرض ، تأتيه بلا انقطاع ، أيمكن ان يكون القادمون أحبته الذين ضحى من أجلهم ، وجعلهم يمسكون به ، لينجوا
وهو وحيد ، يحلم ان يحنوا عليه ، وان يريحوا نفسه المتعبة من العناء ، وجسده المثخن بالجراح ، أين يمكن ان يذهبوا وقد انتظر مجيئهم العمر كله ؟
يرتفع صوت حفر الأرض عاليا ، يرى صندوقا كبيرا يسقط عليه ، يطل الرأس هامسا:
- لاتحلم ، كلانا سيمضي وحيدا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاعلكم | الغناء في الأفراح.. حلال على الحوثيين.. حرام على ا


.. الفنان عبدالله رشاد: الحياة أصبحت سهلة بالنسبة للفنانين الشب




.. الفنان عبدالله رشاد يتحدث لصباح العربية عن دور السعودية وهيئ


.. أسباب نجاح أغنية -كان ودي نلتقي-.. الفنان الدكتور عبدالله رش




.. جزء من أغنية -أستاذ عشق وفلسفة-.. للفنان الدكتور عبدالله رشا