الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية على حقوق الإنسان (4)

سامر أبوالقاسم

2008 / 1 / 12
حقوق الانسان


على هذا الأساس، يمكننا كفاعلين ومهتمين ومتتبعين للعمل الحقوقي والتربوي معا، أن نفهم ونؤطر عمليات التدرج والانتقال في مجال التربية والتعليم من مرحلة تخصيص مادة بعينها لـ"التربية على المواطنة" إلى مرحلة إدماج التربية على حقوق الإنسان والمواطنة في مجموعة من "المواد الحاملة" داخل المنظومة التربوية المغربية، وذلك بغاية الوصول في نهاية المطاف إلى مرحلة التربية المندمجة على حقوق الإنسان، وليصبح مجال التربية الوطنية مستوعبا لثقافة حقوق الإنسان في مناهجه وبرامجه وكتبه ودلائله وحياته المدرسية وعلاقات مكوناته الإدارية والتربوية، بشكل عادي وسلس.

وبهذا المعنى، لابد أن نعترف بأن الإشكال الأساسي في هذا الموضوع الحيوي، حسب حالتنا الوطنية، يكمن في السؤال التالي: هل يمكن اعتبار قضية التربية على حقوق الإنسان في المنظومة التربوية بشكل عام هي نتاج تراكم وتطور عادي وملحوظ للتجربة التربوية والنقاش الدائر حول مضامينها ومحتوياتها وطرق تصريفها البيداغوجي والديداكتيكي وحول الفكر النقدي التربوي المرتبط بالتجربة الوطنية، أم اعتبارها تدخلا واعيا من قبل النخبة المثقفة ومراكز القرار السياسي، من أجل إحداث تطوير وتجويد للأداء التربوي للمنظومة ذاتها، بمنظور ينطلق من أن مسار الدمقرطة والتحديث والتنمية بالبلاد لا يمكنه أن يتم إلا من خلال الارتقاء بمهام المنظومة التربوية العامة بالبلاد كرافعة أساسية للغايات المجتمعية الثلاث الآنفة الذكر.

هذا الإشكال، في رأينا، هو الذي يعمل على إجلاء الغموض بالنسبة لكل فاعل أو مهتم أو متتبع لمسار التربية على حقوق الإنسان بالمنظومة التربوية المغربية. لأنه إن كان الأمر متعلقا بالتطور العادي والملحوظ للمنظومة، فإن قدرات المنظومة واستعداداتها تجعل من عملية تمثل القيم والمبادئ والمفاهيم المرتبطة بثقافة حقوق الإنسان أمرا في غاية اليسر، ولا تعترض سبيله سوى بعض العوائق المرتبطة بالجوانب الإجرائية والعملية داخل مجال التربية الوطنية بشكل خاص وداخل مؤسسات التنشئة بشكل عام، وهو ما يذهب إليه بعض المهتمين بالمجال، لكن المؤكد – في اعتقادنا - هو أن هذا الاحتمال مستبعد في حالة منظومتنا التربوية والتعليمية المغربية، لأن طبيعة وشكل المعيقات والمشاكل والصعوبات المرتبطة ميدانيا بموضوع التربية على حقوق الإنسان لا يمكن تصنيفها في هذا الباب.

أما حينما يكون الأمر مرتبطا بالتدخل الواعي للنخبة المثقفة، ومعها مراكز القرار السياسي، من أجل إحداث ما يسمى عادة بالنقلة النوعية في الأداء التربوي والتعليمي لمنظومتنا، فإن الإشكال الأساسي يتمحور حول إمكانية توفير الشروط والظروف المساعدة على جعل الحياة المدرسية، بكل مكوناتها الإدارية والتربوية وأعداد المتعلمات والمتعلمين على استعداد للتموقف الإيجابي حيال ثقافة حقوق الإنسان من جهة، وللمشاركة في حل المشكلات المرتبطة بالانتقال من مرحلة إلى مرحلة أرقى، بالمنظور الذي يجعلها مندمجة في كل المواد الدراسية وكل الأنشطة خارج الصفية وكل العلاقات المتفاعلة فيما بينها داخل الحياة المدرسية، وهو ما يمكن أن يكون أكثر ارتباطا بالطموح المجتمعي والوطني، بعد العديد من العقود التي ضاعت من عمر التغيير الذي كانت تتطلع إليه القوى والإطارات والفعاليات الديمقراطية والتقدمية، من مختلف مواقع فعلها، إن على مستوى التأهيل التربوي بشكل خاص أو على مستوى التأهيل المجتمعي بشكل عام.

وعلى هذا الأساس، فإن التربية على حقوق الإنسان بشكل مخصوص ومتخصص لا معنى لها، ولا ضرورة ملحة إليها، إلا في مراحل التدرج الأولى من إصلاح المنظومات التربوية التي كانت "متجاهلة" أو "متحاملة" على ثقافة حقوق الإنسان، أو على الأقل التي لم تكن في السابق تأخذها كبعد أو دعامة من أبعاد ودعامات التربية، أو كمحدد أساسي للتربية وللارتقاء السلوكي والعلمي والمعرفي والتقني والمهني بشكل عام.

وضمن هذه الانشغالات الأساسية والمركزية للتربية على حقوق الإنسان في المغرب، يمكن الحديث عن طبيعة وشكل التصريف البيداغوجي والديداكتيكي لثقافة حقوق الإنسان، سواء داخل المنظومة التربوية والتعليمية بشكل خاص، أو داخل كافة مؤسسات التنشئة بشكل أعم، لكن الأولوية الآن لمعالجة مختلف المشاكل المرتبطة بالإرادة في السير قدما وبشكل جدي نحو التنفيذ الفعلي لبرامج التربية على حقوق الإنسان دون إفراغها من مضمونها ومحتواها الأصلي المتعاقد عليه.

لذلك، فإن أي توجه نحو تكوين شخصية الفرد وتنميتها لا يمكن أن يكون محسوبا سوى للاختيارات والتوجهات الكبرى المتعاقد عليها من طرف مكونات المجتمع برمته؛ السياسية والاجتماعية والثقافية، وضمن هذه المكونات تندرج حركة حقوق الإنسان التي تعتبر بحق مساهمة ومشاركة في هذا البناء العام.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى


.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي




.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل