الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية على حقوق الإنسان (3)

سامر أبوالقاسم

2008 / 1 / 15
حقوق الانسان


إذا كانت التربية على حقوق الإنسان تعد اليوم بالنسبة لكل المجتمعات «بمثابة مقدمة منطقية واقعية لكل عمل هادف إلى تربية الفكر ونهضة المجتمع..(و) موضوع يتجه إلى ترسيخ ثقافة تدافع عن الإنسان.. (و) استجابة لأحد مقتضيات التربية الحديثة»، (كتاب التربية على حقوق الإنسان، عبد المجيد الانتصار، الطبعة الثالثة، ص 12 و13)، فإن المسارات السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب منذ 1956 إلى الآن تفيد بأن هذا النوع من التربية كفيل بالإجابة عن مجموع الإشكالات المتولدة عن منطق الصراع الذي دام زهاء أربعة عقود من ناحية، وجدير بترسيخ وتثبيت دعائم التأسيس لمرحلة ما سمي بالانتقال الديمقراطي، إن تعاملت مختلف الأطراف الفاعلة في الساحة السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية مع الموضوع بجدية ومسؤولية، مترجمة لطبيعة وشكل الإرادة المعبر عنها طيلة العشر سنوات الأخيرة.
ومن هذا المنطلق، يمكن التأكيد على أن التطورات التي عرفها موضوع التربية على حقوق الإنسان، خاصة داخل المنظومة التربوية، منذ انطلاق البرنامج الوطني المشترك على إثر اتفاقية تعاون بين وزارة التربية الوطنية والوزارة المكلفة بحقوق الإنسان، تفيد بأن الاقتصار على إدماج ثقافة حقوق الإنسان في البرامج التعليمية وحده غير كاف لترسيخ هذه الثقافة والوصول بها إلى مرحلة الانعكاس والتجلي الإيجابي في اتجاهات ومواقف وسلوكات الفاعلين التربويين والإداريين وكافة المهنيين، فبالأحرى الناشئة من متعلمات ومتعلمين.
والوقوف عند حدود التعريف بالتربية على حقوق الإنسان، أو عند حد تدارس الإشكالات والتساؤلات التي تثيرها التربية على حقوق الإنسان، دون الانخراط الفعلي والعملي، الذي بإمكانه ترجمة الاشتغال الواعي للفاعلين التربويين والإداريين في جسم قطاع التربية الوطنية، لا يمكنه تيسير عملية التربية على حقوق الإنسان لتبلغ مداها في تحقيق الغايات والمقاصد والأهداف المرجوة منها، والمتمثلة في انعكاس هذه القيم والمبادئ والمفاهيم على اتجاهات ومواقف وسلوكات المهنيين والمتعلمات والمتعلمين.
فالمدرسة، بغض النظر عن سياق الأحداث والتطورات الآنية، هي المسؤولة بقدر كبير على عملية التنشئة الاجتماعية التي مورست في السابق وتمارس الآن وفي المستقبل، وهو ما تأكد من خلال منطوق "أرضية عمل مواطنة للنهوض بثقافة حقوق الإنسان" حين أشارت إلى «كون الصيرورة التربوية تستهدف الأطفال واليافعات واليافعين، في طور التنشئة وبناء الذات والشخصية وتنمية الكفايات المعرفية والتواصلية والحياتية، (لذلك) فهي مؤهلة لاستيعاب واستبطان وتمثل قيم ومبادئ ثقافة حقوق الإنسان، مما يشكل ضمانة أساسية للنهوض بأوضاع حقوق الإنسان ببلادنا وتحصينها ضد الخروقات الماسة بحقوق الأفراد والجماعات، وتيسير التسامح والتضامن والحرية والمساواة واحترام القانون والحقوق».

مهمة المدرسة اليوم، إلى جانب باقي المهام الأخرى، أصبحت معنية أكثر بإحداث التغيير الفعلي في اتجاهات الناشئة، بالنظر إلى حجم الكوارث السلوكية التي طفت على سطح مجتمعنا في الآونة الأخيرة، ومهمة المدرسة اليوم، وما يتفرع عنها من وظائف ملزمة لكافة الأطراف المعنية، تكمن أساسا في إعداد الأجيال للمساهمة والمشاركة في قلب عملية بناء المجتمع العصري المنشود؛ مجتمع التنمية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

"مهمة المدرسة إذن هي التأثير في سلوك الأفراد تأثيرا منظما، يرسمه لها المجتمع كما يتمثل في سلطاته التعليمية العليا، والمدرسة من حيث هي كذلك تنصب وظيفتها الرئيسية على سلوك الناشئة ويقاس مدى تحقيقها لوظيفتها، بمدى التغير الذي تنجح في تحقيقه في سلوك أبنائها"، الدكتور أحمد زكي صالح، علم النفس التربوي، الطبعة السادسة عشر، 1992، دار المعارف.

في غياب تواجد بذور التجاوز الممكنة وإمكانيات التطور الذاتي المحتمل، للمنظومات التربوية والتعليمية وكذا مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بفعل العديد من الأسباب والدواعي التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية - ليس هذا موضع التفصيل فيها – كما هو الشأن بالنسبة لحالتنا الوطنية، فإن برامج التربية على حقوق الإنسان أو المواطنة أو الديمقراطية، بشكل عام، لا يمكنها أن تدخل إلا في سياق إنجاز المهام والوظائف الأساسية الواجبة على النخبة المثقفة، كما على المؤسسات ذات الصلة بكل أنواع التنشئة السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية، وهذه المهام والوظائف تعتبر تدخلا إيجابيا لا محيد عنه من أجل المساهمة والمشاركة في تقييم وتقويم مسار التقدم المنشود على مستوى منظومات التربية والتنشئة، المتعاقد عليه من طرف قوى وفعاليات المجتمع الذي تنتمي إليه.

ومثل هذه البرامج بالنسبة للبلدان المتطلعة إلى تجويد أدائها التربوي والرفع من مستوى عمليات التنشئة - كما يتم التعبير عنه اليوم في بلادنا سواء من طرف القطاعات الحكومية أو إطارات المجتمع المدني - باعتبارها رافعة أساسية من روافع الدمقرطة والتحديث والتنمية بالنسبة للمجتمع برمته، لا يمكنها أن تتوفر على عنصر النجاعة في بلوغ الغايات والمقاصد والأهداف، إلا إذا كانت التربية على حقوق الإنسان مندمجة في المنظومة التربوية بشكل عام، بحيث تطال كل مناهج وبرامج ووحدات ومفردات كل المواد الدراسية من ناحية، وتلامس كل ما يتعلق بالحياة المدرسية داخل المؤسسات التربوية والتعليمية، وتخترق كل العلاقات التفاعلية بين كل مكونات الحقل التربوي والتعليمي، إن أفقيا أو عموديا من ناحية أخرى، وقس على ذلك في باقي مؤسسات التنشئة الأخرى، كل حسب خصوصياتها.

وعمل من هذا النوع، يقتضي بالضرورة أن يكون منطلِقا أساسا من السياسة العامة لعمليات التربية والتنشئة المراد تطبيقها وأجرأتها مع الأجيال الناشئة، بموازاة مع ما يتطلبه حتما من حزم وصرامة على مستوى اتخاذ الآليات والوسائل والإمكانيات والصلاحيات التدبيرية على أرض الواقع، أي ينبغي أن يكون مسنودا بالاختيارات والتوجهات الكبرى المتعاقد بشأنها على مستوى المنظومة التربوية والتعليمية، كما على مستوى جميع مؤسسات التنشئة داخل مجتمعنا، ويلزم أن يكون منبنيا على رؤية وآلية تنفيذية قطاعية ووسائل وإمكانيات واضحة وشفافة، لأن التعبير عن ذلك بصراحة ووضوح تامين في الاختيارات والتوجهات الكبرى من ناحية، وترجمة ذلك على مستوى الهياكل الإدارية واللوجيستيكية والمالية من ناحية أخرى، يعد عاملا أساسيا، إلى جانب الشروع في عمليات التطبيق والإنجاز، في حسم النقاش المرتبط بمدى حصول الإرادة السياسية أو عدم حصولها بشأن اعتبار التربية على حقوق الإنسان رافعة أساسية من الروافع التي يمكن أن تقوم عليها الجودة في منظومة التربية والتعليم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى


.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي




.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل