الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية على حقوق الإنسان1

سامر أبوالقاسم

2008 / 1 / 13
حقوق الانسان


في أحد التصريحات التي أدلى بها الملك محمد السادس في حديث لصحيفة "إيل باييس" الإسبانية، المنشور يوم الأحد 16 يناير 2005، أكد على «...أن مقاصد هيأة الإنصاف والمصالحة يتقاسمها المغاربة قاطبة، كما أنها ستساعد على تهيئ مستقبل أبنائهم»، وتهييء المستقبل للأبناء لا يمكن أن يكون إلا على ضوء الحقيقة المرتبطة بالنتائج والخلاصات المتمخضة عن النقاش على الصعيد المجتمعي، المرتبط بوضعية حقوق الإنسان، وهو نقاش كان مفتوحا «مع الضحايا ومع النخب والمثقفين والمواطنين حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي عرفها المغرب في فترة معينة من تاريخه، وحول آثارها النفسية والجسدية على ضحايا هذه الانتهاكات، أفرادا وجماعات، وكذلك آثارها على الجهات والمناطق من حيث التأثيرات السياسية المباشرة أو غير المباشرة» حسب تصريح للراحل إدريس بنزكري، منشور بجريدة الصحراء المغربية يوم 30 ماي 2005.

فبالإضافة إلى جلسات الاستماع، والبرامج المتعلقة بالبحث عن الحقيقة؛ من زيارات ميدانية مباشرة إلى مختلف المناطق بالمغرب وجمع شهادات حول السياقات والقيام باستجوابات والتوجه نحو مناطق معينة للقيام بدراسات والاستماع إلى شهود أساسيين، وجمع الكتابات المتعلقة بتاريخ المغرب الحديث، والبحث عن سبل جبر الضرر وطرق المصالحة والإنصاف، كان الاشتغال قائما على المحور المرتبط بتقييم التوصيات لإصلاح الدولة أو تقديم الضمانات لعدم تكرار ما وقع من ناحية، وعلى تقديم اقتراحات في المجال التربوي وحول آثار الانتهاكات بالارتباط مع التعريف بالبرامج المتعلقة بإدماج ثقافة حقوق الإنسان والتربية على المواطنة من ناحية أخرى.

وهو ما يعني بالضرورة، أن الأفق المغربي بقدر ما أصبح مفتوحا على نقاش سياسي حول تصورات وفلسفات الوضع السياسي والمؤسساتي المستقبلي، بقدر ما أصبح ملحا فيما يخص العمل الجدي والمسؤول على مستوى تأهيل المؤسسات التربوية للعب الأدوار المنوطة بها فيما يتعلق بالتربية على حقوق الإنسان والمواطنة.

فقد تتنوع المواقع والمواقف، وقد تتعدد المنطلقات والخلفيات، وقد تختلف الرؤى والتصورات، وبناء عليه قد تكثر التحديدات المساهمة في الإمساك بمفهوم حقوق الإنسان، لكن المهم في هذا المفهوم هو أن تتوفر مقومات الحياة للإنسان في العيش والكرامة والحرية والمساواة، دون تعرضه لأي شكل من أشكال العنف والظلم أو التمييز، في إطار نظام قانوني؛ يحفظ للفرد والجماعة تلك الحقوق، ويعمل على تحقيق الأمن للجميع، وهو ما يعني بالنسبة لأي مواطن الحق في العيش والتصرف داخل الجماعة دون المس بحقوقه وحرياته، وفي احترام تام للتعاقدات والقوانين.

لذلك، كان ولا يزال، الاشتغال على واجهة حقوق الإنسان، سواء في مناحيها السياسية والاجتماعية أو في أبعادها الثقافية والتربوية، هو حصيلة نضالات متراكمة للإنسان عبر التاريخ، بغض النظر وصرفه عن نوع أو جنس أو عرق الحضارات المساهمة في هذا المسار الطويل من التشكل والتطور، لكن ومع ذلك، يظل الخرق في الواقع سافرا والانتهاك قائما، والتآمر على حقوق الإنسان معيشا.

استمرار الخروقات والانتهاكات، على أكثر من صعيد، وبأشكال متعددة ومتفاوتة، هو الذي أدى بالإنسان إلى التفكير في واقع ومآل مجموع حركات الدفاع المباشر عن حقوق الإنسان، بل أفرز الوعي بأهمية الأدوار التي يمكن للتنشئة الاجتماعية أن تلعبها بخصوص النهوض بثقافة حقوق الإنسان والتقليص من ظواهر الخرق والانتهاك في أفق الحد منها.

فالتربية على حقوق الإنسان هي نتاج مسار طويل وعريض من الدفاع على الحقوق والحريات من جهة، وهي - إن شئنا القول – فعل استباقي وقائي يمكن من توفير شروط وظروف التعايش في بيئة مفعمة بالمقاييس والمعايير الحقوقية الضابطة لكل أشكال التصرف والسلوك في ظل العلاقات الاجتماعية القائمة داخل أي بلد من جهة أخرى.

لذلك يمكن القول، إن المشكلة في حالتنا الوطنية، بالنظر إلى مسار الدفاع عن حقوق الإنسان في سنوات ما سمي بالجمر والرصاص، تكمن في مدى استعداد جميع الأطراف المعنية بملف حقوق الإنسان للعمل والاشتغال بعمق، في سبيل تعميم ثقافة تقوم بالأساس على بناء فعلي وحقيقي لمجتمع مدني من جهة، وعلى تعميق الديمقراطية فكرا وممارسة من جهة أخرى.

إن الغاية، في نهاية المطاف، سواء من الدفاع المباشر عن حقوق الإنسان أو من التربية على حقوق الإنسان، تكمن في العمل على تحقيق الضمانات السياسية والاجتماعية والثقافية والتربوية والقانونية لحماية الإنسان من كل التجاوزات الممكنة والمحتملة في ظل الأحداث الجارية في الحاضر والمستقبل والتفاعلات الناتجة؛ سواء عن تصرفات الدولة ومؤسساتها، أو عن ممارسات الجماعات السياسية والاجتماعية والثقافية وهياكلها، أو عن اتجاهات ومواقف الأفراد؛ مواطنات ومواطنين وسلوكاتهم.

وبما أن موضوع الدفاع عن حقوق الإنسان والتربية عليها يتمثل أساسا في ضمان عدم السقوط في التجاوزات (الخروقات والانتهاكات)، فهو يتطلب بدون شك نظاما سياسيا ديمقراطيا يقر حقوق الإنسان ويعمل على ضمانها وإعمالها، لأن حقوق الإنسان بجميع أبعادها - في نهاية المطاف - مرتبطة ارتباطا وثيقا بحقوق المواطن، الذي يساهم في تنظيم مجتمعه طبقا لما تقتضيه حقوقه ومصالحه.

التربية على حقوق الإنسان بهذا المعنى، هي الوسيلة الناجعة لتوعية المواطنات والمواطنين، وغرس روح الوطنية والاستقلالية واحترام الذات والآخر فيهم، للمساهمة في بناء وطن حديث ومتقدم، وإرساء نظام ديمقراطي يضمن حقوق الإنسان والمواطن، لأن الرهان على التربية هو رهان على أسس الثروة والقوة والحضارة والتوعية والديمقراطية لتغيير الواقع تغييرا شاملا، حتى يكون ضامنا ومُفعِّلا لحقوق الإنسان والمواطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم بدء تشغيل الرصيف العائم.. الوضع الإنساني في قطاع غزة إلى


.. تغطية خاصة | تعرّض مروحية رئيسي لهبوط صعب في أذربيجان الشرقي




.. إحباط محاولة انقلاب في الكونغو.. مقتل واعتقال عدد من المدبري


.. شاهد: -نعيش في ذل وتعب-.. معاناة دائمة للفلسطينيين النازحين




.. عمليات البحث والإغاثة ما زالت مستمرة في منطقة وقوع الحادثة ل