الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدلية الواقع والنظرية

عروة حمدالله

2008 / 1 / 12
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


في البداية وقبل الخوض في صلب الحديث فأني وأثناء كتابتي لهذا المقال فأني شردت قليلا عن نفسي وذهبت لقرأة دراسة عن حياة الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس الذي يعد من ابرز الكتّاب والشعراء والفلاسفة في القرن العشرين وأثناء مروري سريعا على سيرته شد انتباهي أحدى الجمل المنقولة عن الكاتب فارتأيت إن تكون في مستهل مقالتي لأنها تلخص بشكل أو بأخر ما أريد قوله دون الحاجة للتمادي في الشرح ولكن رغبتي في إعادة تركيب الفكرة من جديد وإبراز أهميتها دفعتني إلى المتابعة في الكتابة ,يقول نيكوس (سعيدٌ هو الإنسان الذي يسمع صرخة عصره. فلكلِّ حقبة صرختُها الخاصة بها، وعليه أن يعمل بالتعاون معها ليجد الخلاص... إن على كلِّ شعب وكلِّ فرد مسؤوليةً جسيمةً في عصرنا هذا غير المبتوت في أمره وغير المتبلور... وإن واجبنا هو أن نميِّز بدقة اللحظةَ التاريخية التي نعيشها وأن نزجَّ بقدراتنا الصغيرة في معركة محددة. وكلما كنَّا على هيئة التيار الذي يدل على الطريق استطعنا أن نُعين الإنسان في ارتقائه العسير، غير المؤكد والمحفوف بالأخطار، نحو الخلاص.)

ورغم إن نيكوس طرح الفكرة بصورة عامة وبلغة تصب تقريبا في كل الساحات التي تشكل المجتمع من سياسية واجتماعية واقتصادية أيضا ,فأنا وبقدر ما حاولت إن اخصص مقالي للبحث حول النظرية والواقع وعلاقتهم بالسياسة العامة التي يجب إن تخرج من الإطار النصي الكلاسيكي أو المقياس الواحد للأمور إلى الإطار البراغمتي المرتبط مع الواقع حيث تصبح السياسة أو النظرية هي نتاج حالة فكرية متشابكة مع الواقع أو المرحلة مع الأخذ بعين الاعتبار شكل التجربة التاريخية ومضمونها .

وكوني أنا قريب من الحالة الماركسية في الوطن العربي بشكل عام وإيماني العميق بتفوقها الفكري والفلسفي في تفسير الظواهر الاجتماعية والسياسية وفق قوانين الدياليكتيك التي طرحت بصيغة عامة كنظرية تناسبت بشكل أو بأخر مع الواقع التي كانت تنتمي إليه في ذاك الوقت ورغم صعوبات التطبيق فقد حصلت الماركسية كنظرية على فرصتها التاريخية لفرض واقع جديد وأثبتت قدرتها على أن تكون جزءا من الإرث الثقافي والفكري لبعض بلدان أوروبا وللعالم ككل .

ولكن وبنفس الوقت فإن إيماننا بالنظرية الماركسية لا يعني إن نكون دوغمائيين في التعامل معها فالفكر الماركسي وهو امتداد واقعي لحقبة زمنية ما نتجت ضمن واقع وزمن محصورين لا يعني أنها صالحة بنفس الصورة في مكان أخر أو ضمن مرحلة زمنية أخرى ولكن بنفس الوقت تبقى مدلولات التجربة العملية هي مدار البحث والنقاش ومن عليها يصبح دراسة الحالة من خارج الإطار نفسه أفضل بكثير من الحكم عليها وأنت في صلب النظرية ذاتها .
فالاتجاه نحو الواقعية ليست تعني بالضرورة إن تكون أنت جزء من الحالة العامة المسيطرة على النمط التفكيري داخل مجتمع ما بل محاولة دراسة الواقع المتزامن مع التغيرات المتسارعة ضمن حالة مرنة يعطي للنظرية أبعاد تكاد تكون هي ذاتها الواقع في مرحلة ما.

وكوني ماركسيا أيضا فأني لا استطيع الآن أن أقدم التجربة الماركسية على أنها الحل الأمثل في هذا الزمن فهنا أصبح خارج السرب تماما أو بعيد تماما عن التشكيلات الجديدة في هذا العالم, بل أني في مرحلة ما ألجأ إلى الماركسية كمنهج تفكير خاص داخلي انتقل منها أو من خلالها إلى الواقع الديناميكي من حولنا حيث تصبح الصورة مختلفة تماما ويصبح الحاجة إلى التقاء مع الأخر هو الهدف وليس الوسيلة طبعا اقصد هنا بالأخر الذي ليس ضدي بالتصور العام للدولة التي نبحث عنها جميعا أو الحلم الذي ننتمي أليه جميعا وأنا أقول هنا من ليس ضدي فهو معي في نفس الصراع نحو تحقيق الذات وليس حسب الطرح الديمقرامريكية الجديد " من ليس معي فهو ضدي" .

مثلا أنا أؤمن بالديمقراطية الاشتراكية وقناعتي بها لا تعني بأي شكل أن ارفض باقي الديمقراطيات الأخرى لأننا وبصورة عامة فأننا نطرح نفس التصور للحالة التي نريد الوصول إليها جميعا أي إلى مجتمع علماني يؤمن بالتعددية الفكرية والسياسية ضمن منظومة دستورية تحمي الجميع وتوفر له البيئة المناسبة للبحث والتطوير على كافة الأصعدة ,حيث يصبح السياسي والمثقف والمفكر هو أداة للتغيير والتحسين ليحافظ على دوره في إعادة قولبة الواقع بما يناسب الجميع أو على اقل تقدير محاولة الخروج من واقع التجاذبات السياسية والفكرية الفارغة التي لا تقدم شيء للمجتمع سوى إظهاره بصورة مريضة ومشتتة وبحيث يصبح مكان ملائم لتصدير التطرف بكافة أشكاله , فتضيع البوصلة من جديد وتفقد الدولة بمؤسساتها وأشخاصها قدرتها على الإنتاج السليم المعافى.


إن حديثي عن التزام السياسي والمفكر( صاحب النظرية التاريخية) بالواقع لا ينقص أبدا من أهمية تلك النظرية في صياغة حالة سياسية ناضجة ذات وعي اجتماعي و فكري مبدع تنم عن دراسة دقيقة للظروف المكانية والزمنية التي صاحبت نشأة هذه النظرية لكن وفي ذات الوقت إن الأيمان بشمولية الفكرة يضعف من مرونة المفكر نفسه أو السياسي فيتحول تدريجيا من حالة إبداعية مستمرة تتناغم مع متغيرات الحاضر إلى حالة كلاسيكية متهرئة ذات بعد واحد ..

وأخيرا...لا بد من طرح السؤال التالي كيف ممكن للفكرة إن تخرج من قالبها النظري بحيث تلامس تدريجيا الواقع ومتغيراته؟

إن الإجابة على هذا السؤال تبدأ من القاعدة الأساسية للبناء الفكري للمجتمع أي المثقف أو المفكر الذي يسعى إلى التغيير وممارسة دوره الحقيقي كأداة حيث يتجاوز ذاتيته المفرطة إلى إعادة تشكيل واقعه على أساس كونه أداة لا أكثر للتغيير. فإذا كانت هذه القاعدة الأساسية (المثقف أو المفكر) تتوفر فيها إرادة التغيير وأسس التفكير السليم و قدرتها على استيعاب المتغيرات بعيدا عن أي أجندة خاصة فهنا يمكن القول بأن القاعدة الأساسية المهمة قد تحققت ويجب البدء بالخطوة التالية وهي دراسة الظروف المحيطة والمكونة للمجتمع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضفة الغربية: مقتل 7 فلسطينيين بنيران القوات الإسرائيلية في


.. زيلينسكي يطمئن الأوكرانيين ويعيد التأكيد على الحاجة الماسة ل




.. الأطفال في لبنان يدفعون غاليا ثمن التصعيد في الجنوب بين -حزب


.. ردود فعل غاضبة في إسرائيل على طلب إصدار مذكرات توقيف بحق نتن




.. جيل شباب أكثر تشدداً قد يكون لهم دور في المرحلة المقبلة في إ