الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جولة بوش في الشرق الأوسط و الخليج: مزيد من الأخطاء و الدماء

عبد الرحيم الوالي

2008 / 1 / 12
الارهاب, الحرب والسلام


مع انطلاق جولة الرئيس جورج بوش في الشرق الأوسط و الخليج أصبح في حكم المؤكد أن الرئيس الأميركي يحشد دعماً إقليمياً لضرب إيران. و ما يؤكد ذلك بالملموس هو أن جولة بوش في المنطقة جاءت في ظل ادعاء أميركي ب"استفزاز" عسكري إيراني في مضيق هرمز، و ادعاء آخر إسرائيلي بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل. و هو ما يعطي الانطباع بوجود اتفاق أميركي ـ إسرائيلي مسبق على السيناريوهات التقديمية لحرب الخليج الثالثة و التي لا تختلف كثيرا عن مقدمات حرب غزو العراق في عام 2003.
مرة أخرى ـ و رغم إقرار المخابرات المركزية الأميركية بعدم وجود أي برنامج عسكري نووي لدى إيران في الوقت الحالي ـ تختلق الإدارة الأميركية ذرائع لشن الحرب على إيران و تقدم أفلاماً و صُوَراً و تستمر في تهويل "الخطر الإيراني" كما فعلت من قبل مع الرئيس صدام حسين و نظامه.
طبعا، و من الناحية العسكرية الصرفة، فالولايات المتحدة الأميركية تتوفر على العدة و العدد اللازمين لخوض الحرب. و هي في الغالب لن تكون حرباً طويلة الأمد مثل حرب العراق لأن الأميركيين ليسوا أغبياء إلى الحد الذي لا يستفيدون معه من أخطائهم القاتلة في العراق. فليس من المنتظر خوض مغامرة قاتلة أخرى بغزو إيران على غرار ما حصل في العراق. و بالتالي فالأقرب إلى الواقع هو أن تكون الحرب عبارة عن ضربات جوية قوية و مدمرة ينتظر أن تشمل في المرحلة الأولى أزيد من 6000 هدف لتعطيل البرنامج النووي الإيراني، أضف إلى ذلك الأهداف التي ستشكلها مواقع "الحرس الثوري الإيراني" الذي سبق أن أدرجه الأميركيون على قائمة المنظمات "الإرهابية"، و غيرها من الأهداف العسكرية الأخرى، دون أن ننسى المنشآت المدنية و البنيات التحتية و أماكن العبادة كما هي عادة الجيش الأميركي.
غير أن كل هذا لا يمنع من التفكير في طبيعة الرد الإيراني على الهجوم الأميركي. فمهما كانت الضربات الجوية الأميركية مركزة فهي لن تكون قادرة على القضاء على الترسانة الصاروخية الإيرانية بشكل نهائي و دفعة واحدة. و بالتالي فالرد الإيراني يحتمل أن يكون على شكل ضربات صاروخية للقواعد العسكرية الأميركية في العراق و أفغانستان المجاورتين، و القطع البحرية الأميركية في الخليج، ثم لاحقاً إسرائيل مع احتمال دخول حزب الله على خط المواجهة انطلاقا من جنوب لبنان، و تطوير أداء بعض الفصائل الفلسطينية انطلاقاً من قطاع غزة على وجه الخصوص. و بالنتيجة ستصبح رقعة القتال ممتدة من فلسطين إلى أفغانستان و باكستان مرورا بالعراق و إيران. و هي رقعة يصعب على أي جيش في العالم أن يتحكم بشكل كلي في كل المفاجآت التي ستنتجها. و هنا، بالضبط، ينبغي أن نعود إلى الأحداث السابقة في المنطقة لاستخراج الخلاصات اللازمة.
في عام 2003 أذكر أنني كنت أكتب مقالات عن حرب غزو العراق ركزت فيها بشكل أساسي على أن الحرب لن تنتهي بدخول بغداد و أن الأميركيين سيواجهون وضعا معاكساً تماماً لافتراضاتهم التي راهنت على أن العراقيين سيستقبلونهم بالزهور. و في ذلك الوقت لم تثر هذه المقالات غير السخرية من طرف بعض المتشدقين ب"المهنية" و جلبت علي متاعب مع الجريدة التي كنت أعمل بها آنذاك لأن الجميع كان منبهرا بآلة الحرب الأميركية و هي تقتلع تمثال صدام من ساحة الفردوس. و ما كادت شهور قليلة تمر على احتلال بغداد حتى توالت أنباء الخسائر الأميركية و أصبح الناس يتناقلون عبر "البلوتوث" صور الجنود الأميركيين في العراق قتلى و معطوبين و متباكين مثل الأطفال، و كان كل ما كان من انتكاسات أميركية في العراق حتى الآن.
و الآن، هناك جيش أميركي في العراق أنهكته خمس سنوات من حرب العصابات المنظمة. فهل يمكن أن يدخل هذا الجيش نفسُه ـ من موقعه داخل العراق ـ حرباً ضد إيران في ظل عدم الوصول إلى هدنة مع المقاومة العراقية؟
أبسط قواعد العقل تقضي بأن جيشا تتعرض قواعده في العراق لقصف شبه يومي، و يموت أفراده هناك بشكل شبه يومي أيضا، لن يكون قادرا على استعمال الأراضي العراقية منطلقا آمناً لعمليات عسكرية فعالة ضد إيران.
ففي العراق ظل نظام الرئيس صدام حسين يستعد للحرب طيلة مدة الحصار و وضع لها عدتها و عددها قبل غزو العراق عام 2003، و ظل الجميع يردد وراء بوش أن القاعدة هي المسؤول عن الهجمات ضد الأميركيين في العراق إلى أن أعلن الجنرال جون أبي زيد أن "القاعدة ليست هي العدو الرئيسي في العراق"، ثم بلغ الأمر أخيرا أن 23 فصيلاً مسلحا في العراق أعلنت وحدتها تحت قيادة نائب صدام، عزت إبراهيم الدوري، و ظهر جلياً أن شبكات النظام السابق تتولى إدارة الجزء الأكبر من المقاومة.
نفس الشيء مع إيران التي تعرف منذ عقود العداء الأميركي لها. و من المؤكد أن شبكات إيرانية قد تغلغلت منذ خمس سنوات داخل العراق و كونت خلايا تابعة لها و زودتها بالأسلحة و المعدات اللازمة لمهاجمة الأهداف الأميركية في العراق. كما أن إيران تحظى بدعم فصائل مهمة من الشيعة في العراق. و في ظل الانسحاب البريطاني من الجنوب و تعاطف الشيعة في هذه المنطقة مع إيران فالشبكات الإيرانية ستجد الطريق ممهدا أمامها لاستهداف خطوط الإمداد للجيش الأميركي و سائر القوات متعددة الجنسيات (أو ما تبقى منها بالأحرى!) داخل العراق.
أما في لبنان، حيث حزب الله الموالي لإيران، فالأحداث القريبة تذكر الجميع بمعارك مارون الراس و بنت جبيل، و ضرب القطع البحرية الإسرائيلية، و أمطار الصواريخ التي سقطت على إسرائيل، و مجازر الميركافا و غيرها. و إذا اعتبرنا الرواية الإسرائيلية القائلة بإطلاق صواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل مقدمة لإعلان مواجهة جديدة مع حزب الله، فعلى الجميع أن ينتظر أفدح مما حصل في صيف 2006 سواء داخل لبنان أو داخل إسرائيل. و من الراجح أن أسلحة أكثر تطورا سيتم تسريبها إلى قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس و ستصبح إسرائيل أمام جبهتين، ناهيك عن احتمال دخول سوريا إلى الحرب بحكم تحالفها مع إيران و حزب الله، و عن احتمال استفادة القاعدة أيضا من هذا الانفلات للقيام بعمليات على امتداد هذه المنطقة من فلسطين إلى أفغانستان و باكستان.
كل هذا سيخلق وضعا من المستحيل التحكم مسبقاً في نتائجه بالنظر إلى كل السوابق التي راكمتها إدارة الرئيس بوش في مجال سوء التقدير. فحرب كهذه لن تزيد إلا من رقعة الحرب و لن تؤدي سوى إلى مزيد من عدم الاستقرار و انتشار التطرف و الإرهاب و الفوضى و موجات اللاجئين. و سيترك بوش لخلفه و للأميركيين إرثاً أسود من الضحايا و الدماء بما فيها دماء الأميركيين و حلفائهم التي تسفك يوميا في العراق و أفغانستان، و قد تنضاف إليها دماء الإسرائيليين أيضا.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتلال يمتد لعام.. تسرب أبرز ملامح الخطة الإسرائيلية لإدارة


.. «يخطط للعودة».. مقتدى الصدر يربك المشهد السياسي العراقي




.. رغم الدعوات والتحذيرات الدولية.. إسرائيل توسع نطاق هجماتها ف


.. لماذا تصر تل أبيب على تصعيد عملياتها العسكرية في قطاع غزة رغ




.. عاجل | القسام: ننفذ عملية مركبة قرب موقع المبحوح شرق جباليا