الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرأة العراقية وجحيم التقاليد

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2008 / 1 / 12
ملف مفتوح: مناهضة ومنع قتل النساء بذريعة جرائم الشرف


للمرأة في أكثر بقاع العالم مشاكلها، و معاناتها، من أنواع معينة من التمييز والإجحاف ، رغم التقدم الحاصل في العالم البرجوازي، و تحقيقها لدرجات عالية من التقدم والمساواة مع الرجل، وذلك بفضل كفاح الطبقة العاملة و طلائعها الثورية في سبيل مجتمع اشتراكي ومدني وإنساني حديث. لكن قضايا المرأة و مشاكلها في العراق كثيرة ، ولا عد لها، ولا يمكن بحثها في عدة مقالات ، أو أحاديث،إذ أن المشكلة الأساسية التي تواجه النساء في هذه الفترة العصيبة التي يمر بها المجتمع العراقي ، في ظل الاحتلال و سلطات المحاصصة القومية الطائفية ، والمليشيات الرجعية والعشائرية والمذهبية المتخلفة هي هيمنة القيم الرجعية المتخلفة على ثقافة المجتمع، إلى حد أنها أمست تطبق الخناق على المرأة في كل مناحي الحياة ، وفي شؤونها الشخصية. فالمرأة في العراق تتعرض إلى اضطهاد رهيب ، فهي إضافة إلى معاناتها من التمييز و الحرمان من الحقوق و الحريات الأساسية للإنسان ، ترتكب بحقها جرائم بشعة من قبيل أعمال القتل و الذبح ، ورش الأسيد عليهن ، يندر أن نسمع أن يجري لها مثيل حتى في البلدان التي تحكمها أكثر الحكومات رجعية.
وفي هذا العصر، ونحن نعيش في الألفية الثالثة بعد ميلاد المسيح، تتعرض النساء
إلى أنواع مختلفة من التحقير و الاهانة والاضطهاد ، كلها مبررة دينيا ، و تماشيا مع الطقوس والتقاليد القومية والطائفية و الدينية.
فرض الحجاب على الطفلات في بلد مثل السويد ، وبلدان أوروبية أخرى و تلقين الصغار بالخرافات و احترام طقوس لا إنسانية، والتفنن في قتل الفتيات في أوروبا ، أو استدراجهن إلى البلدان الأصلية بأساليب الخداع والتضليل لأجل تصفيتهن جسديا أو عقليا بتزويجهن برجال بالضد من رغباتهن ، أمثلة دامغة على الاستعباد والاضطهاد البشع ، التي يمارسها فحول العائلات والعشائر المتجمعة في بلدان الغرب.
ولكن يلمس المرء أن الجيل الراهن من نساء العراق يعشن حالة من التصارع بين التقليد والحداثة، ويعبرن بمختلف الأساليب عن رفضهن للتقليد البالي وتمردهن عليه ما استطعن إليه سبيلا. وقد باتت ، ولسوء القدر، التقاليد والعادات البالية التي أخذت تسود منذ أواسط ونهاية ثمانينات القرن الماضي، تطغى على ثقافة المجتمع، والحياة المدنية ، و دفعت ولا تزال ، بكل القيم الإنسانية والتقدمية إلى الوراء ، بل قامت بوأدها قبل أن تتجذر في المجتمع العراقي . فإن هذا الجيل من النساء ، و بعد الانفتاح على مظاهر العصر ، عبر وسائل الإعلام الحديثة من انترنت وفضائيات وغيرها ، لم يعدن يقتنعن بمبررات إتباع التقاليد والتراث وتقديسها واحترامها. وأصبحت وسائل الكفاح ضد الظلامية والتخلف محدودة لأسباب استناد سلطات الاحتلال و السلطات الطائفية والمليشيات على العشائرية و القوى الرجعية، ودعم قوى خارجية مختلفة لهذه القوى.
و العالم يأخذ بالصغر يوميا منذ عقود عديدة ، وتطلع الفتاة على مظاهر الحياة الحديثة التي تحرم منها، ما أدى بالنساء العراقيات أيضا أن يحلمن بالتمتع بأجواء الحد الأدنى الحرية وحقوق الإنسان كسائر النساء في العالم ، و بات واضحا للجميع أن الفتاة لا تقتنع بمبررات وجود القيود على مأكلها و ملبسها و علاقاتها و اختيارها لشريكة الحياة ولا تقبل بقيمومة من الأخ والأب و العشيرة والطائفة ، بل هي تتطلع إلى فضاء الاحترام المتبادل و العلاقات الإنسانية.

إن الشرف القومي والثقافة القومية العصبية و تقديس التقاليد عادت تسود لتشكل عائقا كبيرا أمام تحرر المرأة، و لا تختلف التقاليد والعادات القومية والطائفية عن التعاليم الدينية الصارمة فيما يتعلق بالمرأة ، بل باتت أخطر حين تكون مفردات مثل "فحول العشيرة" وزين القبيلة و الغيرة و الشرف مفردات مقدسة ، وخطوطا حمراء يحرّم مسها.
ولم يكن تحرر المرأة يوما ما فكرة تشغل بال الحركات و التيارات القومية والطائفية. و إن أدعت هذه الحركات عكس ذلك و شكلت منظماتها النسوية، فهي قامت وتقوم بذلك اضطرارا و في سبيل ركوب موجة الاحتجاج النسائية المتصاعدة. فحركة تحرر المرأة واقع موجود بقيادة اليسار الطبقي ، ولا بد للحركات القومية من ركوب الموجة، وعدم تفويت أية فرصة للاستفادة والاستغلال و التحريف لصالح عصاباتها التي تعيث نهبا وسلبا و استبدادا في المجتمع العراقي.
لقد كان الشغل الشاغل لكوادر التيارات القومية واليسار التقليدي هو التشهير بالمناضلات التحرريات، وبأية حركة تقدمية اشتراكية ، وتشويه أهدافها وأفكارها . وإن هذه الحركات القومية والوطنية البرجوازية كأية نزعة عشائرية أخرى تعتبر المرأة شرف الرجل والقبيلة و الأمة ، و تُعِدّها ضعيفة تحتاج إلى حماية الفحول الذين يتقدمون الصفوف في الدفاع عن حياض القبيلة و القوم . فهذه الحركات الوطنية والقومية تحرض العوائل على إبعاد بناتها عن عقد صلات من أي نوع بالتيارات التقدمية الداعية لتحرير المرأة . و كثرتما نسمع ممن يسمي نفسه يساريا عبارات الاستهانة بالمرأة، و إهانة كرامتها، وأنني كثرتما أسمع عبارات " تكرم مرا"، أو " كأنه امرأة ” و شتائم مقذعة، لا أريد ذكرها احتراما للإنسانية.
إن الحركات القومية والبرجوازية في مجتمعاتنا الشرقية ليست عائقا عصيا في طريق تحرير المرأة فحسب ، بل أمست حركات رجعية لإرجاع المجتمع إلى الوراء ،كما أنها تشكل عائقا أمام نضال التيارات التقدمية في كفاحها المرير لخلق مجتمع إنساني .

من شاهد أحد أفلام الفيديو التي نشرت في مواقع الكترونية عديدة عن مهرجان رجم الفتاة المغدورة دعاء في بعشيقة لأنها خالفت تقاليد الطائفة الأيزيدية بعقدها صلات حب مع شاب خارج الطائفة ، رأى أيضا أن المشاركين في الجريمة ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة، قد نسوا كل الأفكار التي يدعون بتبنيها و الإيمان بها . وهذه الظاهرة بعينها كانت برأيي أفظع من الجريمة ذاتها ، بل أنها كشفت للدنيا مدى المعاناة التي تعانيها المرأة في العراق ، وتبين للجميع الصورة الجهنمية لوضع المرأة في العراق.


فهذه الصورة تبين أن مصيبة العراقيات لا تشيه مصائب النساء الأخريات في بقية العالم . النظام البعثي السابق ، وبشخص نجل الدكتاتور أقام مجازر بشعة للنشاء بتهمة تطهير العراق من الدعارة، لكن المجازر لا تنتهي ، وهي مستمرة بحق النساء في البصرة و العمارة و بقية العراق.

المجتمع العراقي مجتمع متمدن و يتفهم مع المرأة ومظلوميتها ، و تسود العلاقات الاجتماعية الإنسانية و روح التفاهم والتسامح سواء داخل الأسرة ، أو بين الأسر . و إن العلاقات اللاإنسانية هي الطارئة ، والمفروضة عليهم في هذا العصر. فكل الشواهد والدلائل تشير إلى أن الجماهير الكادحة غاضبة على الثقافة الظلامية ،المعادية للمرأة.

التأمين الاقتصادي للنساء له أهميته ، ومن البديهي أن الاستقلال الاقتصادي للمرأة عن اقتصاد الرجل يمنحها الحرية أكثر مما لو كانت مرتبطة اقتصاديا بزوجها أو بأخيها ،
النساء في العراق يرغبن في العيش بحرية و أن يتمتعن بحقوق الاختيار في الملبس والمأكل و الزواج والعلاقات الاجتماعية.
إن الظروف القاسية جعلت من مهمات اليسار والقوى التقدمية والاشتراكية أصعب بكثير ، فمكافحة أسباب الظلم الفظيع بحق النساء مهمة إضافية تثقل كاهل القوى الإنسانية والتقدمية ، لكن هذه القوى لها إستراتيجيتها الأبعد في تحرير الإنسان في العراق من كل مظاهر الاستغلال والاضطهاد .
و من هذا المنطلق يمكن التفكير في صياغة مشروع الكفاح التحرري للنساء، في مرحلة يمر بها المجتمع العراقي ،حيث التيارات البرجوازية السائدة في الحركات النسوية ليست في جعبتها حلول جذرية لقضية المرأة في العراق ، و لا تبتغي في نشاطاتها السياسية ، أو المدنية سوى تلطيف المأساة التي تعانيها المرأة ، وذلك بالسعي لانتزاع إصلاحات ما على القوانين و التقاليد الظالمة بحق المرأة.
‏11‏/01‏/2008












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ‏لوحة -لبياتريتشا-


.. من خلال رسوماتهن فنانات تشكيليات تدون التاريخ




.. المغرب قرويات تواجهن تحديات تحول دون انخراطهن في التنمية


.. ظل أعرج قصة تجسد واقع نساء تعشن داخل مجتمع ذكوري




.. منها الوصم المجتمعي معاناة النساء بعد الطلاق