الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بيضة الصباح و المساء - قصة قصيرة -

إبراهيم الحسيني

2008 / 1 / 12
الادب والفن


عندما يدخل شعاع الشمس من النافذة , يغمر الحجرة ضوء النهار , يطن في أذني الولد سمير لغط وهمهمات وصياح الباعة في الحارة , يتقلب في فراشه بالطول والعرض ,مستمتعا بالدفء والخدر والسرير خال من أخته أمه وأبيه , الذين ينهضون مع آذان الفجر وتكبيرة الصلاة , ويكون سمير في انتظار أمه تأتي ويدها مبللة بالماء , لتدفع الغطاء عن وجهه , تهزه وتقبل جبينه ,
وتقول : قوم يا سمير , الشمس طلعت من بدري .
يظل يئن يتلوى يراوغ يتملص , إلي أن يشعر بنبراتها , وقد فاض منها الكيل , تحتد وتقوي متوعدة ومنذرة , يكف والبكاء يخنقه , ويجثم علي أنفاسه , يقاوم رغبته في النوم والكسل , يستجمع قواه لمواجهة لسعة البرد ووخز الهواء , يشب بجذعه متعلقا برقبتها , لتمنحه بعض الدفء وابتسامة تزيل التجهم والصرامة آثار الغضب علي وجهها , يقبلها ويتوسل إليها :
" أن تدعه ينام اليوم .. واليوم فقط "
تداهمه السبورة والحصيرة وأحذية وشبا شب الأولاد وعصاة الشيخ مسعود , الذي يراه – كما يرى الجان والعفاريت في حواديت وحكايات أمه التي تملأه بالرعب والخوف في أنصاف الليالي – بقرون وحوافر وأنياب حادة طويلة ومدببة .
تحمله بين ذراعيها , تسير به إلي الحوش الترابي , تضع رأسه تحت حنفية المياه , وهو يرفس الهواء بقدميه , ينشج ويصرخ ويضربها بيديه علي صدرها , يحاول التملص والانفلات من إحكام ذراعيها حول جسمه .
الولد سمير تظل البيضة , طوال أيام الأسبوع , تداعبه , تراوده , تأتي إليه في الأحلام : علي هيئة ثمار كثيفة تتدلي من فروع الشجر , أو تلال كبيرة لا تنضب , ويظل هو , في خيالاته , ينزع القشر عن البيضة , يتحسس الملمس الناعم من الداخل , يديرها ويضغط عليها في كفه , بينما لعابه يسيل , وريقه يجري , يعد يحسب :
" السبت الأحد الاثنين ... "
بدءا من ليلة الجمعة إلي صباح الخميس , ينتظر مرور الأيام وتتابعها بفارغ الصبر ,وطعم البيضة الحلو الشهي اللذيذ , يتعلق بذاكرته , يلازم شفتيه , ولا يفارق لسانه .
لهذا يكون الولد سمير , يوم الخميس بالذات , في انتظار أمه , قلقا متوجسا , يتحرق شوقا إلي سماع صوتها , وابتسامة مريرة تشق شفتيها , عندما تقول :
" خليك نايم أنت يا خويا وأنا رايحة ألم البيض "
ينتفض وينفض اللحاف بعيدا عن جسمه , دون خوف من لسعة البرد ووخز الهواء ومياه الحنفية و خيزرانة الشيخ مسعود , يهبط السرير شاكيا باكيا , بملابسه الداخلية المتسخة , يجري يصعد السلم بساقيه المقوستين محاذرا , يستند بكفه الصغيرة علي الجدار .
وعند عشة الفراخ : يكور جسده الصغير , وينفذ من الفتحة الضيقة – وقلبه يرجف – يبحث في التراب والريش والغبار عن البيضة التي يخبئها في عبه , إلي أن يغيب عند الجدار وطلمبة المياه , في الحارة عن عيون أمه التي تودعه بقبلة علي جبينه , والحزن يرقد في قلبها بلادا وبلادا .
ذات ليلة , والقمر هلال , وكانوا يجلسون في حوش الدار , قال : ........................
فتلقى صفعة قوية من أمه , التي ظلت تبكي طول الليل , لكنه ظهيرة اليوم التالي وجد بيضة مسلوقة ترقد بين طيات الرغيف ,عندما هم يتناول طعام الغداء في الكتاب .

عندما تغيب شمس الخميس , وتسقط خلف النقطة القديمة , يعود الولد سمير , رغم كثافة الشوق , علي قدميه من الكتاب .
وفي الكتاب ينسي الولد سمير- في هذا اليوم بالذات – الدنيا وما عليها , يغيب تماما عن المكان , لا يري الشيخ أو السبورة أو الأولاد , يسرح ببصره , يركز بعقله وأفكاره , هناك عند الجدار , حيث دفن البيضة بجواره في الصباح , يتأمل شكلها ,حجمها , ملمسها , مذاقها , إلي أن يأذن لهم الشيخ بالانصراف , فينطلق مسرعا , ويكون الشيخ قد ضربه , في هذا اليوم بالذات , علي كفيه أو إليته مرات ومرات .
وفي الحارة , يلقي نظرة علي الجدار , ملؤها الحنين والرغبة واللذة ثم يقترب منه بحذر وتردد شديدين , يتلفت حواليه , يختلس البصر يمينا ويسارا , ويعبث بأصابع قدميه في التراب .
لكن الولد سمير لم يكن بمقدوره أن يرى أمه , كل يوم خميس , وهي تستبدل البيضة التي يدفنها في التراب كي تنضج علي نار الشمس الحامية .
ولم يكن بمقدوره أيضا , أن يرى أمه المختفية الآن وراء الباب , تتأمله بفرحة ومرارة , وهو ينبش في التراب , باحثا عن البيضة التي تكون قد نضجت واستوت , فيأخذها في عبه – هنا بجوار القلب – ويجري يأكلها ويرمي قشرها بعيدا عن أنظار الآخرين .
ثم يرفع الترباس , ويتسلل داخلا من فتحة الباب الموارب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق


.. لطلاب الثانوية العامة.. المراجعة النهائية لمادة اللغة الإسبا




.. أين ظهر نجم الفنانة الألبانية الأصول -دوا ليبا-؟