الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سطحية السياسة المغربية في الصحراء وفي السياحة سواء

أحمد الخمسي

2008 / 1 / 13
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


عندما تنزل في أي مقهى من مقاهي المغرب، تطلب الفطور، وتعتقد، بالنظر الى الموقع والديكور والطاقم المميز والمنتقى بدقة من طرف المسير، أن انتقاء مواد التغذية سيكون بنفس المستوى. وعندما تتخيل الصورة السياحية للمغرب، تشتهي أن تتناول رحيق المائدة المغربية، فتكون من الشمال، وتجنح بمخيلتك فوق مناطق بلدك البهي، لتشتهي "أتاي" السمارة أو"زويتة بلدية" من تازة أو "أملو" من سوس أو "جبن عربي" من ماعز شفشاون. ومن سوء حظك، لا تجد المرغوب المغربي القريب. تجد طبعة منقوصة ومبرهشة، وليست أبدا لا مزيدة ولا منقحة، من "بوتي بان" أو "بان اوشوكولا" مزيت و"كيوقف الشهية"، مع ما يسمى قهوة بالحليب، حامية جارية. مع زبد مكشكش فوق ذلك المشروب المهيأ بحذق زائد وهاجس فوق القياس من الهم الاقتصادي. أما وقد طلبت ذات يوم "أتاي صحراوي"، فقد أحسست وقد ارتبك المخاطب وكأنني تكلمت في "السياسة" "أيـــــام المجرجر من ورا".

وحتى لا نقفز إلى السياسة السياسية، نبقى فقط في السياسة السياحية، لنستخلص أن العمال والولاة، توقفوا في ما جلبوه من توجيهات من اجتماعاتهم المركزية في وزارة الداخلية عند ضرورة تنظيف المراحض، أما إضفاء النكهة المميزة المحلية للتغذية مع رفع مستوى الجودة، فلم ينتبهوا إلى كون "السيلف سربيس" في الفنادق المصنفة لا يوفر الكم المطلوب للحصيلة المرتقبة، ولا يستطيع تعميم الحدث السياحي بين المغاربة، دون قدرة السياسة السياحية على تقريب مشتهياتهم اليومية إليهم في محلاتهم الاستجمامية وهم في وطنهم. مما يدل على كون التشبه الفرنكوفوني أو الاسبانوفوني في المعيش اليومي لمحور الدار البيضاء والرباط وطنجة تطوان، لا يفيد قط في ضخ الدفء في شرايين البنيات التحيتية السياحية.

إن النخب المدبرة للإدارة اليومية لا تملك من "الكبدة" ما يكفي، على ما يصطلح عليه في السياحة بالمنتوج المحلي. وهي تخلط المعايير الدولية للنظافة والبيئة والذوق والمعاملة العقلانية والإنصات والإنصاف والتوازن، حتى درجة القبول العالمي، بلا شوفينية ولا انغلاق، مع الانسلاخ والتجوف البئيس من المحلي. وفي المقابل، نجد الفنانين والمفكرين وحتى عالم المال، يغرف من المعيش المحلي في نمط العيش، بما يكفي من "الشهيوات". لكنهم، ضمن الذوق العام للنمودج السياحي المتداول، يعيشون ضمن نوستالجيا مهمشة، رغم أنهم يغترفون من "قاع الخابية" ما أنتجته الحضارة المحلية من مادي مفيد وحي منافس حتى النخاع العالمي.

فكأنما البرمجة السياسية في السياحة مجرد طبق إشهاري، يعده التقنوقراطي لتلبية لحظة مزاجية عند صاحب القرار السياسي في الدولة لا غير. يتغير الطبق بتغير الجالس على مقعد المسؤولية في المكتب التقنوقراطي، كلما أراد له المقرر السياسي أن يتغير.

ولأن الاحتقار متمكن من القلب التقنوقراطي لكل سياسي، باستثناء أعلى هرم الدولة، فالمكيف الهوائي في ردهات ادارات الدولة كلها مركبة، لتقديس الثابت المقدس، مقابل سياسة تدبير الوقت وقتله ريثما يزاح صاحب الماركة السياسية عن الموقع السلطوي الاسمي. ليمارس التقنوقراط سلطته الفعلية "المندمجة" و"المستدامة" حقيقة وعنوة.

إن هذا النقص المستديم من حصة الذوق المحلي بلا ملح ولا تمر ولا حليب، في التغذية المخصصة للسياحة المغربية، لا تنفي الجزر الباهضة الثمن، التي تزرع نفسية اغتراب الناس في عقر بلدهم، لا تقدم حجة غير تلك التي تؤكد غربة السياسة السياحية ضمن التربة الديمغرافية المغربية.

* * *

كان لا بد أن أبحث لغربة "أتاي الصحراوي" عن صورة تقرب حقيقة ذلك حد السريالية اليومية المعيشة والتي تتردد بلغة شعبوية مطنبة "إذا كنت في المغرب فلا تستغرب". وغربته بنت التغريب الممارس من طرف النخب التقنوقراطية الفاقدة للذة الذات حد "الستريس". وما دامت غفلة النخب التقنوقراطية من إفراط ثقتها بنفسها، ومادامت تلقيحا مباشرا عن النموذج الكولونيالي المتروك عن حقبة الحماية. فالزواج غير الشرعي لتلك النخب التقنوقراطية مع فطاحلة الأمية ملاك المال المبيض والعقار المضارب فيه وبه، ناتج عن فقر في الدم السياسي والثقافي في الجسد النخبوي كحصيلة للسياسة الرسمية التجهيلية والتطويعية طيلة أربعة عقود (1960-1999).

إن السياسة السياحية المتبعة ليست من الجودة الاستراتيجية في شيء. فالساسة المنصبون لا هم لهم سوى متابعة نمط العيش التقنوقراطي المتوقف عندهم على الارتباط العضوي مع الوصاية الفرنسية على ملفاتنا. بما فيه ملف تربية المناصب والمنافع والارتباطات المصلحية الفئوية.

وإذا كانت سياستنا السياحية عاجزة عن إنتاج اندماج واستمرارية بين المنتوجات المحلية في التنقية والتغذية والتنقل والاقامة والنوم والتفقد والتوقف والسير والتذكر والتأمل، فهذا التفكك الذي تعيد إنتاجه، تجلي، مجرد تجلي لتفكك في الكينونة، تجلي لتفكك في الارتباط بين الأزمنة الثلاثة (المستقبل والحاضر والماضي).

والسياسة السياحية في شموليتها تجل للتفكك في الرؤية السياسية الاستراتيجية. في السياحة وباقي القطاعات الاقتصادية. في مجموع الاقتصاد وباقي المديات السياسية (البعيد والمتوسط والقصير). والتفكك في الرؤية السياسية الاستراتيجية يصبح أقسى وأخطر عندما يباشر معالجة القضايا التي أصبح التفكك العضوي على رأس جدول أعمال المعالجة: سواء التفكك الترابي، أو القطيعة لجزء من التفكيرين الديني والعلماني نهائيا مع المجتمع والدولة. حد قبول الموت على البقاء في ارتباط مع الوطن. وعلى صعيد تدبير الوعي الشقي ليعوض الوعي النقدي ضمن المصير الوجودي والحق في الحياة الذي يستبدل بالحق في الموت.

إن التفكير بإمكانية إفشال سعي البوليساريو نحو استعادة البرنامج العسكري نحو الواجهة، إمكانية موجودة أو معدومة في ثني الشباب المقيم عن استبدال الحق في الحياة بالحق في الموت. فمجرد التفكير في اعتبار الحق في الموت بديلا وحيدا ممكنا عن الحق في الحياة، يصبح خميرة أولى لإفراز دينامية توالد مركبات خلوية قائمة على الحق في الموت بديلا وحيدا، وسبيلا موصلا لما وراء الأمد المنظور.

والتنسيق الدولي تجاه الهجرة والأصولية الجذرية لا يعوض الدواء الأصلي والأصيل لحالة شرعية الحق في الموت. والحال أن أحد أوجه المسؤولية الشخصية المباشرة عن المصير الفردي، يترك الباب موصدا وغير منغلق أمام تفعيل هذا الحق الاستثنائي الغريب. وهذا الاهمال الرسمي من طرف الدولة للأشخاص الذين تتحول كآبتهم إلى يأس نهائي بلا رجعة، بدء في "جريمة المشاركة" في تحويل الحق في الحياة إلى حق في الموت بل إلى حق في القتل. ومن حق المجتمع أن يشير بأصابع الاتهام

إن المغرب معني بخلق فسحة بل فسح من التجارب الاقتصادية والاجتماعية والوجدانية الثقافية متعددة. كطريق لخلق تنافسية عضوية جاذبة بدل الحالة النفسية الطاردة الملموسة، سواء نحو الانعزال أو الموت بحرا أو الموت فكرا.

وبدل تعداد هراوات الوصاية القبلية والمصاحبة والبعدية على مشاريع وأحلام المجموعات في المجتمع المغربي. فالاقبال على التعدد المنظم عبر الجهوية الهوياتية السياسية أفضل للوحدة المغربية من سياسة النعامة.

أما ما سوف تنتجه سياستنا من التفاوض مع وفود البوليساريو، فرهين بما يفعله الكبار منا لتقليص امتيازاتهم وفرعونية نمط عيشهم مقابل توسع حالات الفقر والتشرد والتلاشي والتفكك الاجتماعي....حتى يتقبل المجتمع الدولي امكانية تحول القول بانفصالية جزء من السكان الى وعي زائف من طرف مواطن مغربي خائف.

أما والحالة تجمعنا بما يشبهنا في التسلط والتمييز والعنصرية المقيتة في الشرق العربي، فلننتظر المزيد من أشكال التفكك، إلى حين يتشقق السقف ويسقط البناء المترهل فوق رؤوسنا جميعا. فسوف نظل ننتظر العون من الدول الأجنبية، في حين لم ينفع المغرب سنة 1969، أي صبر أو طول وقت ما بين 1956 و1960، عندما قرر الرئيس الفرنسي ديغول أن يربح في شنقيط ما خسره مع الثورة الجزائرية سنة 1958. ولسوف يأتي الوقت الذي يظهر فيه أن المغاربة خسروا محمد بن يوسف في نفس التوقيت. فانقسمت النخبة على نفسها، أو أن الملك الراحل كان من الصديقين، لأنه تعرف عن قرب عن نبل ثوار تلك الفترة، جمال عبد الناصر وعبد الكريم الخطابي الذي رفض أن يصبح لعبة في يد الاستعمار سنة (1947-1963). فاليقظة يجب أن تتخذها الدولة تجاه الأوساط الرأسمالية ذات المصالح الكبرى الفائقة للتوحد المغاربي. وليس من الغريب أن يستنكف المغاربة أن يخوضوا تجربة اختيار ثوري (1962) حتى يئسوا من امكانية تصحيح الانحراف اليميني الذي سيطر على الدولة سنة 1961.

لذلك وصلت الحالة إلى التفكك والتردي في الوعي السياسي نحو درك الانفصال، عندما أصبح الحفاظ على الوحدة مقايضة بالمصالح السريالية التي لا تحد ولا تحصى، بل لا تناقش ولا تعصى؟؟؟!!!!من طرف جزء من النخبة العليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-