الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الضرير قصة فصبرة

مفيد دويكات

2008 / 1 / 15
الادب والفن



خرجت عصرا من البيت وكنت حائرا لا أدري إلى أين أذهب00 لا يوجد في الخربة ناد ولا ملعب
ولا شيء سوى الجيران، وأحاديث أغلبها مكرور0 رأيت سقيفته التي يطل بابها على الشارع0
بنيت خصيصا له كي يسهل على أقدام أصحابه الوصول0 شعرت بشيء يناديني إليه00 أذهب0
لا يوجد في الدنيا مجلس أقرب إلى النفس من مجلسه الغريب0فرغم كونه ضرير ويكبرني بثلاثين سنة إلا أنني أجد روحا خفيفة وحكايات مؤثرة0أنه يحب زيارتي0 فأثناء وجدودي معه لا ينعس ولا يتظاهر بتعب، كما يفعل أحيانا مع الآخرين0 بل يبقى جالسا على السرير يحكي ويسال0 ولكم كان يحب أخبار السياسة، هي الحكاية المقدسة لديه، تليها أخبار النساء،والتي يفضل أن تكون عن الجميلات0 ولا يكترث أكانت كذبا أم صدقا أبد لا يكترث0وصلت باب الغرفة لكنني لم أدخل 0تريثت وأرسلت بعيني إلى الداخل شبه المعتم0 رأيته مضجعا على السرير، ولحيته البيضاء تغطي نصف صدره، وقد غطى جبهته وحاجبيه بطاقيته الملونة0خلته نائما فأرهفت السمع، سقطت في أذني نبرات صوته الخشنة0 كان سارح الذهن يدندن لحن غان قديمة00 أغاني الحصادين00 والحراثين00 والرعيان00 تلك التي كانت تثير شجونه 0شدني جذر الدعابة الذي نبت في نتيجة لعشرته0 فقلت لنفسي لماذا لا أزعجه؟؟0 لماذا لا أداعبه حتى يثور؟؟
وهذه من ألأمور التي كنت أمارسها فيغضب مني للحظات ثم يهدأ 0 يهدأ بعد أن أدس سيجارة بين أصابعه المشرعة0 وأقول ما أقبح الأخبار هذا اليوم0 أنها مفجعة0هنالك ينفتح فمه ويتساءل 0فمرة دخلت وكانت هي البداية0 دخلت وقبل ان أرد السلام أحس بي، تحسست يده جوار السرير وتناول العكاز0 بدأ يضرب الهواء0 ظن أنني حمار سائب0 فراح يشتم أصحابه0 وكنت في ركن الغرفة فلما اقتربت عصاه مني أمسكت بها وجعلت أضحك0 هو أيضا بادلني الضحك0 وقال عرفتك0 بعد أشهر أتيت في لحظة مشابهة0 طفت حول الغرفة، وأمام الباب0 وكنت أرطن بكلمات عبرية وحين دخلت تعمدت دق ألأرض وكأن حذائي ثقيل، فرأيته متحفزا وراح يزمجر " أخرج نجست الغرفة لا عندي سلاح ولا مطلوبين فماذا تريد؟ فقأتم عيني ماذا تريدون أكثر؟" قلت له بعد لحظات :" عمي أنا حسن" هتف وهو يرتاح" لا أحسن الله إليك حسبتك عسكري"
وكانت يده تبحث عن العكاز، يوشك ان يستخدمه00 ولما ناولته السيجارة هدأ0 وحلفني ألا أعود إلى الدعابات السمجة0
لكن بعد مرور الوقت كنت أنسى وأعود00 ويوما ظن أني إحدى الجارات0 دخلت ورحت أتحسس ساقيه00 ارتخى قليلا00 وكان يبتسم ويدمدم "اخرجي لا ارغب" 0 بالنسبة لي أعرفه0هو أبو خليل قعيد الزاوية0 لم أره يوما بصيرا، ولكن عرفت أنه فقد بصره في معركة الدفاع عن نابلس0 كان يومها شابا متحمسا للوطن0 حمل بندقية قديمة وهب مع أمثاله للدفاع، فجرح وكان أن فقد
بصره0 وهو يتذكر تلك الحادثة ويحكي عنها قليلا، وكم قال لوأن لي عينين مثل الناس ما قعدت كالأرنب 0
تريثت حتى هدأ غناءه فدخلت وليس في نيتي اللعب لكنه أشعلها في نفسي00 أشعل تلك البذرة اللعينة0ففور دخولي سمعته يهمس" إ غلقي الباب" أغلقت الباب بصمت وتوجهت إلى ركن الغرفة عبثت بصحن وملاعق موجودة على الطاولة، فقال لا أريد ألأكل ولا الشرب أريدك00 تعالي حك لي ظهري00 ظهري يرعاني00 أريد حماما" اقتربت من ظهره العريض0 أرسلت أصابعي فوق الملابس0 بدأت أعمل0 ورأيت يده تحاول الوصول إلى ساقي0 ابتعدت وفجأة انتتر وراحت يسراه تبحث عن العكاز0 فتحاشيت الوقوع في مرمى ضرباته القوية0 وكان يهتف بغل هذه المرة:" سأقتلك يا حسن"
هربت إلى ركن الغرفة فنهض وهو يهتف" أين ذهبت؟ يا قرد" ثم عاد إلى مجلسه وكان يقول:" ياربي لم بلوتني؟ لكي أكون لعبة لهؤلاء المناحيس؟ ياربي خذني عندك 00عندك أرحم؟!" وفقدت عقلي حين رأيت الدموع تسري على خديه فهجمت عليه اقبل لحيته البيضاء واعتذر ولم يهدأ بالسرعة المألوفة0 بل لم ترتخ عضلات وجهه إلا بعد أن قلت له" اليوم صارت عملية فدائية راح فيها سبعة جنود" هنالك اتقدت عيناه وتساءل "أين وكيف" ولاحظت أصابعه مشرعة تبحث
عن سيجارة 0








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا