الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فاصل للحلم - قصة قصيرة

صفوت فوزي

2008 / 1 / 16
الادب والفن



هبت النـــار ... حملوهـــا إلي المستشفـــي ... رائحــة شـــواء لحـم بشري
تفــوح مــن جسدهــا الغــض ، وقــد تحولــت أجزاءه إلي كتــل مـن عجين محتــــرق ... من بين أنات مكتومـــــة ناضحــــة بألـــم لا ينطـــق بــــه ...
زحـفـــت يـــدان صغيرتـــان تتلمســـان موضــــع الحلــــق فــي الأذنين ...
تطمئـن عـلـــي وجـــوده في مكانـه ... كان لم يزل هناك ... آهة ارتياح ... ابتسامـــة رضــــا شاحبــــة راودت وجهـــاً مكدوداً ينـــز مـنـــه الألـــم ...
تغـــوص فـــي كـــري أملـــس كالزيـــت .

**********

الفرحــــــــة البكــــــــــــر ...
يااااااااه ... أخيـــراً امتلكـــت الدنيا ... امتلكـــت حلقــــاً ... الدنيــا الضنينة
بنت الإيــــه ... ما أجملها حين تفتح يدها وتعطي الواحد منا سـؤل قلبه ... تهز الرأس الصغيــــــر يمنة ويسري ... يهتز الحلق المدلي من الأذنين ... يهتز معه القلب وتعلو نبضاته وتتســارع ... تدور ... وتدور ... وتدور ... تستجمــــع حــواسهـــــا فــــي كفيهـــا ... تلمــــس الـحـلــــق بـهـمـــــا ...
تـتـوقـــــف عــــن الـــــدوران ... تتوقـــف الدنيــــــــا عــــــن الـدوران ...
تتشـــرب لحظـــات الفرحــــة ... آه لـــو يتوقف الزمن عند هذه اللحظة ...
تحــركـــت ببـــطء ... تغـــادر اللحظـــة التـــي عاشت فيهــا عمرها كله ...

**********

عالــم جديــد وغريـب تطأه قدمــاي الصغيرتـان اللتان حشروهما في حذاء ضيق قديم ... بعيدة عن أبي ... بعيدة عن داري ... شيء ما انتــزع منـــي وكأنه إحــدي أسناني ... وهــذا الرجــــل الذي يواجهنــــي بعينين صلبتين كالرخــــام المصقـــول ... تتراكم أسفل ذقنه الحاضر الدماء تجعدات وكأنه كيس نقود ذو طيـــات ... صوته أجش كلحية غير حليقة ... تتساقط كلماته الباردة فــوق رأســـي ... وهـــذه المرأة التــي تملك لساناً كالسكين المنثلم
لا تكــف عــن تقريعــي وإلقــاء الأوامــــر ... يا الله ... كـــل هذا البـــــراح
مــــــن أجل طفلين فقط ... كل هذه اللعب والأشياء التي لا أعرف لها إسماً

مــــن أجلهمــــا ... والأهـــــم ... هذه الطفلــة الصغيرة تمتلك حلقاً يضوي
فـي أذنيهـــا ... يجتاحنــي الحلـــم القديـــم المراوغ ... الحلـم الذي لم أكن
قد نسيته أبداً ... كان يتواري مع همــود جســـدي ورأســــي بعد يوم عمل شاق ... لكنه أبداً لا يهـــداً ولا يخبو ... واحــــدة طلبت مــن الدنيا وإياهــا ألتمس ... أن يكون عندي حلق ... حين جاء بــي أبـــي إلي هذا المنزل ... وعدني أن يشتريه لي من أجرتــي ... الساعة ذات الوجه المستدير كالقمر تراقبنـــي ... عقاربها حراس لا يكفــون عـــن الدوران ... الساعة تدق ... يغادر الأبـــوان المنـــزل ... مصافحــــــة الأب ... الأم تسترسل في التلويح للطفليـــن ولا تكـــف عـــن ضمهمــــا ... أحــــن إلـــي صـــــدر أمــــي ...
أقـــوم إلـــي المطبـــخ ... عبر النافذة ... عصافير تطير في الفضاء وكأنها ذرات من أعـــــواد القش ، وطائر يترنم وحيداً بجوار نافذة غرفة النوم ... الشمس تلقي أشعة عريضة فوق المنــــــزل ... مـــس الضوء شيئــــاً فـي داخلي ... فأيقظ الحلـــم ، وحاك أغطية الموائد البيضاء بأسلاك من ذهب .

**********

عندمـــا جـــــاء المحقق ... جاهــــدت فـــي تذكــــر ما لقنـه إياها أبوها ...
تخرج الكلمات شائهة مبتورة ... قالت – وعيناها لاتكفان عن النظر لأسفل – إن وابور الجاز هب فيهــا ... أمسكت النــــار بملابسهـــا حين كانت تعد العشاء لإخوتها الصغار فــي غرفتهم الضيقة ... وانها لم تذهب لعملها في ذلك اليوم ... إحســاس عـــارم بالهـــوان وصغــــر النفــــس يعتريهـــا ...
خوف يلجمها ... نوبــــات مـــن بكـــاء حــــارق ترج الجســـد الواهــن ...
تســــــوخ الروح ... تـــــذوب ... تهـــــــوي إلــــــي قـــــــاع بـلا قــــرار .

**********

فـــي غبشــــة الصبــح قامت ... ارتكزت علي مرفقيها ... نظرت من خلال النافذة إلي البراح البعيد ... مدت عنقها للأمام ... زفرت بأنفاس ساخنة ... طلبـت شربــة مـــاء ... همســت في أذن أبيها مستعطفة : والنبـــي يابا ...
لو مـــت سيبوا الحلــــق فـــي ودانـــي ... تمـــددت فــوق سرير أبيض ...
وراحــــت فــــي إغـمـــــــــاءة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكويت.. فيلم -شهر زي العسل- يتسبب بجدل واسع • فرانس 24


.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً




.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05