الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللامنتمي هو الوطن : والإنتماء للكرامة !!

محمود الزهيري

2008 / 1 / 15
حقوق الانسان


الحياة مملة والأيام متشابهة , أشعر بالملل , وبالأكيد أشعر بفقدان الأمل , وبفقدان الكرامة الإنسانية , لقد أصبحت الحياة تمثل عبئاً ثقيلاً من الصعب تحملها بصياغاتها اليومية اللآدمية التي تحول الإنسان إلي مجرد كائن في سلوكياته قد يقترب من الحيوان أو قد يكون في بعض الأحيان هو ذاته , وفي أحيان أخري يتمني أن يكون هو الحيوان ذاته , لأنه يكون قد إقترب من الوحش الناظر لذاته علي أنها حقيق بها أن تلتهم الفرائس , وكأنه يعيش في غابة مكتظة بالوحوش , ولكن الغابة هي غابة حقيقية بناؤها من الأسمنت الكالح والأعمدة الخرسانية الكالحة والمتراصة في مدن فقدت عقلها قبل أن تفقد روحها , ومن ثم إكتمل الفقدان للروح والعقل , فلاروح مع غياب الإنسان , ولا إنسان مع غياب الكرامة , ولاعقل مع الوحش ولا إنسان , حينما يحضر الوحش بداخله محطماً كرامة الإنسان ومهدراً ذاتيته الإنسانية من أجل بقاء الوحش الآدمي فلابد من قتل وتدمير وتسفيه من هو ليس بوحش , وهو الإنسان !!
ومن هو ذا الذي يؤدي دور هذا الوحش أحسن وأفضل أداء في التوحش والأنانية من ذاك الفساد وذاك الإستبداد !!
إنه الوحش الذي يتلذذ بإفقار الفقراء أكثر , وإعدام حرية بني آدم بكل الأسلحة الدينية أو السياسية وروافدهما الإجتماعية والثقافية كلٌ حسب توجه مصالحه !!
إن الوطن صار كقطار بضاعة والذي صاحب المصلحة فيه هو من كبر حجم حمولته علي هذا القطار من بضائع ومنتوجات , والذي يخاف علي حمولة القطار فقط , هو صاحب البضاعة , اما القطار فليذهب إلي الجحيم بعد وصول البضاعة والمنتوجات لصاحبها في المحطة التي رسمها وحدد لها مكان الوصول والإستلام , والذي لايمتلك بضاعة , وليس لديه منتوجات , فماذا عساه مايلحق بالقطار من أذي , وماعلي القطار كذلك من بضاعة ومنتوجات لاتخصه , وليست ملكه , وليس له فيها قدر من الملكية , أو قدر من ملكية القطار !!
إن القطار والبضاعة أصبحا ليسا مملوكين للمواطنين , وإنما لملاك القطار وملاك البضاعة والمنتوجات من أهل الوصاية السياسية والفساد والإستبداد وقتل الحريات العامة والخاصة , وإنتهاك كرامة المواطنين , وقتل الأمل لديهم في التغيير أو حتي علي أقل تقدير فيما تسميه التيارات الدينية الممالئة لسلطة الفساد والظلم والإستبداد , بالإصلاح !!
فمتي يمكن أن نتفق علي معني الإنتماء , ومترادفات هذه الكلمة التي كان لها معني في الماضي , ويريد المخلصين أن يفعلوا دورها في الحاضر , عبوراً إلي آفاق المستقبل الرحب الوسيع , وهل من الممكن أن يكون لكلمة الإنتماء صدي في واقعنا الذاتي / النفسي , وواقعنا الإجتماعي / السياسي / الوطني , أو واقعنا الفكري / الثقافي / الحضاري / الإنساني ؟
إن مجرد التفكر في صياغة الإنتماء بصيغة مرتبطة بتلك الوقائع أصبحت في عالمنا العربي من شبيه المستحيلات مع تزايد معدلات الظلم والفساد وسرقة الأوطان ونهب خيراتها وثرواتها , وإذدياد معدلات الفقر والمرض والبطالة والجريمة , وحتي إنعدام هامش الحريات وحقوق الإنسان , وإعلاء القيم الدينية علي قيم المواطنة , وحقوق الإنسان بوجه عام , مما يؤدي إلي تنامي تيارات التعصب الديني المحاولة للهروب من الواقع المأزوم إلي واقع آخروي / ديني , محتوم لديها في إيجاد صياغات أخروية / دينية يكون الإنسان المأزوم أحد أطراف معادلاتها , والتي تساوي في نتيجة محصلتها التشبع اللانهائي من كافة أنواع الحرمانات المباحة والمحرمات الدينية والإجتماعية التي عجز عن إشباعها في دنياه المأزومة .
ومع تصاعد حدة التأزمات تتزايد حدة الفقر والمرض والجهل , ومن ثم الجريمة بكل أنواعها , وبكل أشكالها الخطيرة , وأشدها خطورة , جريمة تكفير المجتمع والدولة والنظام , ومحاولة الخروج من/ أو علي المجتمع والدولة والنظام , مما يشكل خطورة تكون محصلتها النهائية زيادات من العذابات والإنتهاكات للمأزومين علي خلفية الفارق التعادلي بين قوة النظام وقوة المواطنين في إستخدام طرق وأساليب القهر والتعذيب والهزائم النفسية , ومن ثم تكون حتمية البحث عن بدائل أخري للخروج من شرنقة العذابات الخانقة , التي تموت معها معاني الإنتماء للذات / النفس , أو الإنتماء للوطن , ومن ثم ينعدم الإنتماء للإنسان بصفة عامة ويبرز دور الوحش الكاره للذات وللوطن وللإنسان !!
إن فقدان الإنتماء للضمير والإحساس بالذات هو المولد لتلك المآسي , فحينما يطردنا الوطن , ويكرهنا , ويذدرينا ويلعننا , وحينما يهرسنا الوطن بين تروس الفقر والمرض والبطالة , والجوع والعري والحرمان والضياع .
إن الوطن هو الذي خاصمنا وأجري معنا سلسلة من العداءت والكراهيات , وكان حتمياً أن نفتقد الشعور بالإنتماء للضمير والحياة , ومازال الوطن يخصخص في مشاعرنا وأحاسيسنا ومقدرات حياتنا الإنسانية الغريزية البسيطة كالطعام والشراب والملبس وفرصة العمل والعلاج والسكن وحتمية الزواج , فتغيرت المبادئ , وتبدلت القيم , وتم بيع الضمير علي أولي عتبات الفقر والحاجة الإنسانية .
كنا نريد من الوطن أن ينتمي إلينا , ويحضُننا ويضُمنا ويحتوينا , ونجد لديه الملاذ الآمن ونشعر في وجوده بالدف والحب والأمان , لا أن يطالبنا الوطن بالإنتماء إليه , وهو كارهنا ورافضنا ومبغضنا , ومن ثم فقد تغيرت وتبدلت كذلك القيم الإنسانية , والتي رفضت إنتمائها إلينا , لأننا قد تفشت في أوطاننا معالم الإنحطاط والفساد والإستبداد بجميع طرائقه ومناهجه وأساليبه الكارهة للمواطن , والباغضة للإنسان , وأصبح المَعلَم الواضح فقط , هو أن المواطن / الإنسان , صاحب راية القيم والمبادئ والمُثُل , هو الغائب عن الحياة , والمتغيب عن الواقع , والعائش في زمن الغيبوبة , ولايدري متي سيخرج منها , ففاقد الوعي , ليست لديه القدرة علي إدراكه !!
إن مانحتاج إليه ويعتبر ضرورة حياتية / إنسانية في المقام الأول , هو أن ننتمي لذواتنا البشرية / الإنسانية من خلال العمل الذي يكون لنا في صناعته قدر من الشرف والكرامة الإنسانية , من خلال تنمية قدراتنا التي من الممكن وبالرغم من ظلال السواد الحالكة في الواقع والمشرف عليها مستقبلنا , أن نطور من أنفسنا ومن عقولنا بمناهج جديدة تؤهلنا لإستشراق واستشراف مستقبل مختلف وتطوير لإمكاناتنا التي ترفع من شأننا في جميع مناحي الحياة !!
إننا أشد مانحتاج إليه بجانب ذلك هو إستعادة الرغبة في الحياة وانتزاع الأمل المسروق والمخبأ في سراديب الفساد والظلم والإستبداد , وبعث الروح الإنسانية للنماذج الضائعة والفاقدة للأمل والرغبة في الحياة , والنزوع منها برغبة سلطات الفساد ,الإنتماء لذواتهم مما سبب لهم الضياع وجعلهم قنابل موقوتة أو أحزمة ناسفة , مؤهلة للإنفجار في وجه المجتمع والدولة والنظام , لما لها من مخزون كبت وكراهية جعل لديها الرغبة في الحياة متساوية مع الرغبة في الموت أو فقدان الحياة , حيث إنتهاك الكرامة الإنسانية في الحرمان من أبسط الضرورات الحياتية / الغريزية / المعيشية .
وهذا يعود في أس الأمر إلي فقدان الأمل , ومن ثم فقدان الإنتماء للذات , حيث يكون إذدراء الذات وتعذيبها وكراهيتها , هي مقدمات لكراهية المجتمع وإذراؤه والبحث عن سبل وطرائق تعذيبه وإيلامه .
إن من يحترم ذاته ويحترم الإنتماء لتلك الذات البشرية / الإنسانية , فإنه يقدرها ويصنع من أجلها كل غالي ونفيس من أجل الحفاظ عليها وجعلها في مكانة السمو ودرجة الرفعة والعزة والكرامة .
ولكن من تنتهك ذاته فإنه يسعي لتدمير تلك الذات وتتخلق لديه المشاعر العدائية ضد تلك الذات وضد المجتمع , وضد الحياة بوجه عام , وإما أن يلجأ للبلطجة والعنف ضد المجتمع بخلفيات إجتماعية مأزومة , أو بخلفيات دينية مقدسة تبرر إستخدام العنف المسمي بالمقدس في مواجهة المجتمع وترعيبه وإرهابه والخروج عليه , وذلك في تبرير ديني رافض للمجتمع لأن المجتمع رفضه وأشعل ناراً مسعورة بداخله في ترجمات حياتية / معيشية / غرائزية , تم إضفاء الطابع الديني المقدس عليها , لإجراء الشرعية الدينية عليها , إستبدالاً للمشروعية الدستورية والقانونية الغائبة عن المعادلة الحياتية / الإجتماعية , والتي أحد أطرافها الإنسان / المواطن , وطرفها الآخر هو منظومة الحقوق والواجبات المفترض أنها متعادلة ومتساوية بين كل المواطنين دون تفرقة بأي سبب من الأسباب الممقوتة وطناً , كالتفرقة بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو النوع , أو اللون , وفي حالة مغيبة لمعاني الإنتماء للوطن الذي هو أرض , وشعب , ونظام سياسي حاكم , ولكن في ظل غياب منظومة الإنتماء يغيب المواطن , وتبقي الأرض وسلطات الفساد متمثلة في أنظمة حكم الفساد !!
فكيف يمكن ترجمة مصطلح الإنتماء في ظل منظومات الفساد , حيث غياب الكرامة الإنسانية ؟!!
ولعل ماقالته الكاتبة الصحفية اللامعة فيولا فهمي في تعليقها علي معالجة فاشلة من معالجات الحكومة الفاشلة مايؤكد علي أن الأنظمة والحكومات قاتلة للمواطنين , من أنه :
تستحق حكومتنا النظيفة بعد أن عجزت عن توفير الاعتمادات المالية لمواجهة أنفلونزا الطيور ، أن تحمل لقب "الحكومة المفترسة" وتحصل على درع " دراكولا " نظراً لجهودها المضنية في البحث عن الطرق والأساليب المبتكرة للقضاء على الشعب .

إن وطن بلاكرامة هو الغُربة , وكرامة بغُربة , هي الوطن !!
فالإنتماء هو الكرامة والحرية والعدالة والمساواة , وهذه المبادئ لاتعترف بها أنظمة الفساد والظلم والإستبداد التي إختزلت الوطن في الأرض والنظام الحاكم , وأخرجت الشعب من معادلة الوطن !!
محمود الزهيري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا.. صعود أقصى اليمين بالجولة الأولى من الانتخابات يثير ق


.. مصير المعارضة والأكراد واللاجئين على كفيّ الأسد وأردوغان؟ |




.. الأمم المتحدة تكشف -رقما- يعكس حجم مأساة النزوح في غزة | #ال


.. الأمم المتحدة: 9 من كل 10 أشخاص أجبروا على النزوح في غزة منذ




.. فاتورة أعمال العنف ضد اللاجئين والسياح يدفعها اقتصاد تركيا