الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذهنية السنجاب المحاصر

حمزة الحسن

2003 / 12 / 2
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


كثيرون يحلمون على أبواب راس السنة وعيد ميلاد المسيح  ببدايات جديدة وهذا حق، فلا حدود للحلم البشري ومن حق أي إنسان أن يحلم حلما شخصيا في أن يكون ما يشاء: هناك من يحلم بتغيير العالم، وهناك من يحلم بتغيير منزله، أو تغيير قميصه، بل هناك من يحلم بتغيير حزبه أو زوجته وحتى لون عينيه، أو حقه في مواصلة الحياة أو في التوقف عن العمل أو الكتابة .

مقياس آدمية الآخر في احترامه للحلم الشخصي والفردي للآخرين، أما إذا وصلت مساحات الفضول إلى أحلام الآخرين الفردية فهذا يعني أعلى درجات الانحطاط البشري التي لا تنفع معها كل مقالات الأرض وكل حروبها وكل فلسفاتها بل كل حرائقها. والحل الوحيد والأوحد لهذا النوع من  الموت( موت الحساسية) هو أن تستدير كما في محطة قطار وتعطي ظهرك.

من حق أي إنسان أن يبدأ من  النقطة التي يحب ويريد ويرغب ويشتهي دون تصريح أو تدخل أو اعتراض من احد وعلينا أن نحترم أحلام الآخر، غير الشبيه، المختلف، الفردية، أو في الأقل أحلامه البدائية( وليست السياسية لأن هذا صعب جدا على بعض النماذج!) وهذه الأحلام تشمل الحق في السكن وفي الزواج وفي الإنجاب وفي العقيدة وفي الرأي وفي الكتابة وفي التوقف وفي نوع الطعام ونوع الصديق ونوع المكان الذي يسكن ونوع الدواء الذي يعالج به ونوع الطبيب ونوع المقبرة واسم  الدفان وأسم المجلة أو الجريدة التي يكتب أو لا يكتب، يعمل أو لا يعمل، يحب أو لا يحب....الخ... كما يفعل باقي خلق الله في هذا العالم المتمدن والمتوحش معا.

وهناك حقوق كثيرة شرعتها الدساتير والأديان منها حق التفكير، وحق الحياة، وحق المعتقد، والحقوق الاقتصادية والسياسية والدينية والحماية من التعذيب وحق الفرد في حماية سمعته وعرضه من منتهكي أعراض الناس على وسائل الأعلام وفي غيرها( كما حددها البيان الإسلامي العالمي لحقوق الإنسان،  في مقر اليونسكو بباريس سنة 81) والحق في العدل والمحاكمة وفي الصمت وفي الكلام وفي النوم وفي الشخير وفي البراز وفي السفر  وحماية الملكية والحق في حماية خصوصياته.. الخ  الحقوق الطبيعية والمكتسبة.

لكن ماذا نفعل إذا كان هناك من لا يزال حتى في هذه الحرائق والموت والحروب والتجارب من يعتبر حتى الخصوصيات الفردية هي في مستوى الجرائم مع أن شعوب العالم المتحضر أوغلت في الحقوق الفردية حتى وصل الأمر إلى الحق الشخصي في سلب الحياة الخاصة أو الحق في الانتحار وفي تأسيس مطبوعات من داخل المنزل وحتى محطات إذاعية أو تلفزيونية تصدر من مؤسسات وصيدليات محلية أو من كنائس أو حتى من أسواق شخصية.

إن كثيرا من كتاب النرويج، مثلا، يسكنون في جزر خلابة ومشعة على حافات البحيرات التي تلمع من داخلها تلك الصخور المشعة بالماء والضوء والسر أو في غابات منعزلة متوحدة مدهشة مع الغزلان والايائل والطيور المدهشة.

 ومن بين هؤلاء الشاعر الغنائي النرويجي الأشهر هوفارد ريم وله مجموعة( بلاد المشنقة) مترجمة إلى اللغة العربية والذي قضى عاما كاملا منعزلا في إحدى جزر البحر الأبيض المتوسط، ثم  قضى عامين في  غابة أو حقل منعزل، وكذلك الروائي الصديق  بيورن يانسون( واسمه المستعار بيتر بريست!) الذي عاش إلى جوار بيتي مع أسرته أكثر من 6 سنوات ثم رحل نحو مزيد من العزلة( رغم كل هذا الصمت المدهش يقول أنه منزعج من ضوضاء الشارع الذي تمر به كل ساعة سيارة على مهل!) وكثيرون غيرهم يعيشون في غابات وعلى سفوح جبال وعلى حافة خلجان ساحرة مثيرة مفعمة بالنور والحب والأمل والوضوح ولكن لا يخطر ببال أي مواطن هنا أن يشير إلى هذه الخصوصية المقدسة بحكم القانون وبحكم العرف الأخلاقي.

وحين كنت اعرض بعض المقالات بقلم أنصاف كتبة وأنصاف بشر وأنصاف ثعالب حول( قضية) سكني في هذه المنطقة المثيرة والجميلة، كان بيورن يانسون يرفع عينيه الجاحظتين بفزع ودهشة: هل هؤلاء كتاب؟! إذن كيف يفكر مواطنكم العادي؟!  
أرد عليه في منتهى الصدق: مواطننا العادي لا يكترث لذلك وهو أكثر تهذيبا!

إن القارئ العراقي لم يعد قارئ الخمسينات أو الثمانينات أو حتى التسعينات: هو اليوم في الداخل أو في الخارج يتعامل مع آلاف الصحف عبر شبكة الانترنت، وعنده مئات البدائل الإعلامية وآلاف المواقع في كل الحقول والفنون والآداب والعلوم. ولم تعد الصحيفة(المركزية)للحزب أو للسلطة تتحكم به، كما لم يعد أسير معلومات المنشور الحزبي السري، أو الافتتاحية التي كانت مصدر المعرفة( الحزبية) الوحيد.

طبعا لا يزال هناك  هنا وهناك من لا يزال يتعامل مع الجمهور بنفس ذهنية أيام زمان ويواصل بيع الماء في حارة (السقايين) على الجمهور بذات العقلية وذات الأسلوب، على الرغم من صنع واجهة متقنة للصحيفة أو المحطة أو الموقع كوضع صور لرجال  شرفاء محترمين أو نساء محترمات في الواجهة الأمامية وخلف الواجهة يجري انتهاك علني مفتوح يشبه حفلة تعرية عفنة لأعراض الناس في احتفال وحشي، وتلذذ مرضي، بحجة حرية التعبير.

ومرة سئلت لماذا تصر بعض هذه المنابر على وضع صور لأناس محترمين ثم تمارس كل هذا السلوك الهابط والمخزي خلفه، فكان جوابي الوحيد هو أن الأمر يشبه أن يضع صاحب ماخور صورا لأولياء صالحين على الباب الأمامي لتغطية الحفل الداعر خلف الأبواب.
 
القارئ اليوم( نحن نتحدث عن قارئ مبدع وذكي) يقرأ خلف السطور وهو ليس عاديا بل من القراء من تصل عنده درجة القراءة إلى مستوى الكتابة الإبداعية، وهو لم يعد قارئا سهلا أو ساذجا يقرأ بلا فحص أو شك أو مساءلة بل أن الخبرة والمعاشرة والمعرفة والألم والتجارب علمته أن يحترس كثيرا وهو يقرأ بدقة واحتراس لأن ليس كل ما يكتب  يهدف إلى غرض معرفي بل هناك أغراض كثيرة قد تكون الحقيقة والمعرفة والمنفعة هي آخر ما يخطر ببال فرسانها.

اليوم لم تعد هذه المحطات والصحف والمواقع وحيدة في الساحة بل هناك بدائل للقارئ والكاتب لا حصر لها وهناك منافسة. والمنبر الإعلامي، مثل شرف الإنسان، مصنوع من الزجاج الرقيق جدا، تسقط هيبته مرة واحدة ويهمل بدون رجعة خاصة ونحن ننفتح اليوم على قراء الداخل وهم جمهور واسع من النخب الثقافية والسياسية ومن الأكاديميين والطلاب ومن  الكتاب أيضا.

أما حالة( السنجاب المحاصر) في قفص وهو تعبير عالم النفس الفرنسي الشهير بيير داكو عن المحبوسين داخل جلودهم، فهي حالة لا شفاء لها على الإطلاق إلا بعلاج طويل ربما: أنها نوع من( الحصر) النفسي، والاجترار العصبي، والتصدع الداخلي للشخصية الذي يحاول ترميم واجهة متداعية على حساب (شيطنة الآخر) وهي نوع مؤلم ومثير للشفقة من الأفكار الثابتة التي لا يقوى على مغادرتها هذا السنجاب لأنه أسيرها وسجينها ولا يغادرها حتى يعود إلى نفس الموضوعات فهي بالنسبة له تشكل نوعا من ( الأمن الداخلي) نتيجة الخوف وتآكل سري رهيب  في الشخصية لذلك فهو في حالة دوران داخل القفص( المواضيع) ولا خلاص ولا منقذ ولا من يرى هذا التداعي.

نحن على أبواب عام جديد وهو عام البدايات: نانسي عجرم  ستقيم حفلة رأس السنة في مجمع البيال ومربع الاوسكار بالاس في منطقة جنويه، وموقع( كتابات) شرع في بداية جديدة نتمنى لها النجاح والتوفيق ولكل المنابر الأخرى، وبدأت أسمع أرغن الكنيسة المجاورة يعزف كتمرين تمهيدا لميلاد المسيح.

أما أنا حقيقة مبهور بخبر قرأته اليوم في أماكن كثيرة عن الألماني الذي إلتهم قضيب صديقه بعد قتله حسب الاتفاق بينهما.

ومنذ الصباح وأنا أنقاش بيني وبين نفسي: هل ستحل المشكلة لو أرسلته له عبر البريد وقد كُتب على الغلاف كل عـيــ ..... وأنت بخير يا حبيبي؟!!  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل-دكتور هو- يعود بعد ستين عاما في نسخة جديدة مع بطل روان


.. عالم مغربي يكشف الأسباب وراء حرمانه من تتويج مستحق بجائزة نو




.. مقابل وقف اجتياح رفح.. واشنطن تعرض تحديد -موقع قادة حماس-


.. الخروج من شمال غزة.. فلسطينيون يتحدثون عن -رحلة الرعب-




.. فرنسا.. سياسيون وناشطون بمسيرة ليلية تندد باستمرار الحرب على