الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد زيارة بوش؟!

إدريس الهبري

2008 / 1 / 17
الصحافة والاعلام


في كثير من الأحيان أتوقف عند بعض المقالات السياسية المنشورة على صفحات صحف عربية لها حضورها اللافت وسط المشهد الإعلامي العربي، ودافع توقفي عندها عادة ما يختلف عن توقفي عند مقالات أخرى لكتاب كبار يشتغلون ليل نهار على التأمل في الراهن السياسي العربي والإقليمي والعالمي، وينجحون بامتياز في رصد هذا الراهن وتفكيك بناه المعقدة ويخضعونه لقراءة عميقة تمكنهم بديهيا من بلوغ خلاصات دقيقة وصائبة.

مناسبة هذا الكلام، مقال توقفت عنده اليوم وأنا أتصفح صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، اختار له كاتبه عبد المنعم سعيد عنوان "ما بعد زيارة بوش؟ !"، العنوان كما هو باد للعيان يؤشر على أن ذ.عبد المنعم يراهن كثيرا على زيارة بوش، وينوء ظهر حلمه بالآمال المعلقة على هذه الزيارة المباركة.

حيث يقوده تحليله العميق لأبعاد تلك الخطوات الحميدة للرئيس الأمريكي إلى القول بأن " أمام العالم العربي اختيار مهم بعد زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش للمنطقة: إما أن يشمر عن ساعديه من أجل العمل على حل الصراع العربي ـ الإسرائيلي الذي طال أمده واستنزف طاقات المنطقة كلها لآماد طويلة، مستغلا في ذلك ظروفا جديدة تجعل الحل ممكنا، أو يترك الموضوع كله لمرحلة زمنية أخرى"، فلا خيار أمام العرب، بحسب عبد المنعم سعيد، غير التشمير عن الساعدين، وكأنا به يدعونا نحن معشر العرب إلى عدم الاتكال على بوش والمراهنة على وعوده الكاذبة، اعتقادا منا أننا نقرأ لمحلل سياسي محنك تعمق في تأمل الصراع العربي – الإسرائيلي والتجاذبات العالمية التي تلفه، واعتقادا منا أنه توصل، بعد كل ما جرى ويجري على الأرض عقب مؤتمر أنابوليس، إلى خلاصة أن هذا المؤتمر لم ينعقد إلا بهدف تعميق الشرخ الفلسطيني وإحكام الحصار على غزة أكثر فأكثر، والتوغل أكثر فأكثر، وضرب المقاومة أكثر فأكثر، وقتل الفلسطينيين وإذلالهم أكثر فأكثر.

كنا اعتقدنا أن ذ.عبد المنعم سعيد ومن يفكر بنفس منطقه قد توصل للخلطة العجيبة التي سوف تكفي العرب شر الاحتلال والقتال، لكن محللنا النجيب يبني قراءته للوضع على أسس مغايرة لكل ما اعتقدناه، حيث ينطلق في تحليله من مسلمة تاريخية هامة بالنسبة إليه، وهي أن "هذا الاختيار كان موجودا طوال الوقت، وكان موضوع الصراع السياسي بين وداخل دول المنطقة على تعدد أنظمتها السياسية والاجتماعية، وفي كل الأوقات شغل النخبة وصرف أنظارها عن مهام وتحديات أخرى. وبنفس الدرجة من الأهمية أصبح هذا الاختيار مطروحا بعد مجموعة التطورات التي حدثت بعد خطاب الرئيس جورج بوش في 16 يوليو الماضي والذي بدأ ما بات معروفا بعملية أنابوليس."

لكن أين مشكلة ذ.عبد المنعم سعيد تحديدا؟؟؟، المشكلة تتلخص في أن هذا الاختيار الذي تحدث عنه يصدر دوما عن المؤسسات العربية الرسمية / الأنظمة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية بينما تظل الشعوب العربية تسير في الاتجاه المعاكس، والحل في نظره، ولو أنه لم ينصص عليه بصريح العبارة، يكمن في توحيد المسارين، أو بالأحرى إلغاء مسار لفائدة مسار، وبالطبع لن يجد ذ.عبد المنعم سعيد أفضل من المسار الشعبي ليلغيه ويبقي على المسار الرسمي الذي تمرّن بما يكفي على سياسة اقتناص الفرص الوهمية.

أكيد أن الاحتجاجات التي شهدتها بعض الدول العربية المستقبلة للرئيس الأمريكي جورج بوش، لم ترق ذ.عبد المنعم سعيد، لدرجة أنها أحرجته مع الإدارة الأمريكية، بحكم المهمة التي ارتضاها لنفسه عن طواعية وبمحض إرادته لخدمة إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية بالمنطقة.

الفرصة التي تحدث عنها ذ.عبد المنعم سعيد، تتلخص في الوعي الجديد بالنفط العربي والاستراتيجيات العالمية الجديدة المعتمدة بعد المراجعة السياسية التي قامت بها الدول الغربية لطريقة تعاطيها مع عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر. لكن ثمة فرصة أخرى سكت عنها محللنا وفضل أن يمررها من تحت طاولة النقاش السياسي الجاري حول زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة، وتتلخص فرصته الذهبية هذه في استثمار أجواء التوتر بمضيق هرمز، عبر طمأنة الأمريكيين وتأكيد استعداد دول الخليج للتعاون مع البيت الأبيض لتضييق الخناق على إيران النووية، وكسر شوكتها المتطلعة لامتلاك الطاقة الذرية، وفي نفس السياق التضييق على حماس أكثر فأكثر، وتجويع غزة أكثر فأكثر، وعدم التوقف عن التمادي في إذلال الشعب الفلسطيني حتى تحقيق الهدف المتجسد في شطب حماس من المشهد السياسي الفلسطيني وتعبيد الطريق أمام توطين اللاجئين وتعويضهم وإعادة رسم خارطة أراضي 67 ومحو حلم قدس شرقية.

والظاهر أن ذ.عبد المنعم سعيد ربما عاد للتاريخ المعاصر وعاود قراءة مرحلة ما بعد اجتياح الكويت وأسطورة أسلحة الدمار الشامل العراقية واتفاقات أوسلو ومدريد التي وقعت رشوة لضرب العراق عبر الأراضي والمياه والأجواء العربية.

فماذا بعد زيارة بوش؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انعكاسات مقتل رئيسي على السياسة الخارجية لإيران |#غرفة_الأخب


.. تحقيق للجزيرة يكشف مزيد من التفاصيل حول جرائم ميدانية نفذت ب




.. منير شفيق: وفاة رئيسي لن تؤثر على سياسة إيران الخارجية والدا


.. كتائب القسام تطلق صاروخا طراز -سام-7- تجاه مروحية إسرائيلية




.. خامنئي يكلف محمد مخبر بمهام إبراهيم رئيسي وتعيين علي باقري ك