الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على بوابة الأغوار

خالد منصور
عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني

2008 / 1 / 18
القضية الفلسطينية


لن تستطيع فهم الناس إلا إذا عايشتهم كما يعيشون هم-- حيث حلو الحياة ومرها-- ولن يكون بمقدورك فهم احتياجاتهم إلا إذا لامست قدماك أرضهم، وشاهدت عيناك عن قرب ظروف حياتهم، ودخل جوفك ماءهم وزادهم.. هكذا تعاملت الإغاثة الزراعية بالضبط، وهكذا بدأت قصة علاقتها مع بلدة طمون-- تلك البلدة الفلسطينية الرابضة بشموخ على التلال المطلة على الأغوار، والتي صادر وأغلق المحتلون معظم أرضها، متسببين بإفقار الآلاف من أسرها، جراء السياسة الظالمة التي حرمت أصحاب الأراضي الأصليين من الوصول إلى أراضيهم، وهي المعروفة بأنها من الأراضي الأكثر خصبا في عموم فلسطين، والتي تمتد شرقا حتى تصل نهر الأردن..
البداية كانت بقرار اتخذته الإغاثة الزراعية-- انسجاما مع بعدها الوطني المتميز-- باستهداف القرى النائية والمحاذية للمستوطنات والجدار.. وما أن توفرت الإمكانيات حتى شرع مهندسو ومرشدو الإغاثة بإجراء الدراسات، وتقدير الاحتياجات لعدد كبير من القرى والبلدات المجاورة للجدار، وتلك التي أقيمت على أراضيها مستوطنات.. ومن الطبيعي أن تستحوذ مناطق الأغوار على الاهتمام الأكبر في تفكير الإغاثة الزراعية .. كيف لا والإغاثة الزراعية نفسها كانت ولادتها ومسيرتها الأولى قبل ربع قرن في مناطق الأغوار بالتحديد.. لكن الأمر الخطير الذي دفع الإغاثة للاهتمام أكثر بمناطق الأغوار-- هو المخطط الاحتلالي الجهنمي الهادف لإغلاق مناطق الأغوار بوجه السكان العرب، وتنفيذ الصهاينة فيها سياسة عنصرية استيطانية جوهرها تطهير عرقي، لطرد من تبقى من أصحاب الأراضي الحقيقيين، وتهويد كامل المنطقة.. وكانت بلدة طمون واحدة من مواقع الأغوار التي وقع عليها الاختيار، وقد لاحظ مهندسو الإغاثة أن مئات المزارعين من أبناء طمون قد فقدوا أراضيهم-- إما نهائيا بمصادرتها من قبل المحتلين، أو أنهم حرموا من الوصول إليها، بفعل الحواجز التي تغلق الأغوار نهائيا بوجه الفلسطينيين، أو أنهم منعوا من الانتفاع منها لقيام جيش الاحتلال بإغلاقها بأوامر عسكرية، وتحويلها إلى ميادين تدريب لجنوده ودباباته.. كما ولاحظ مهندسو الإغاثة أن ما تبقى بحوزة سكان طمون من أراض سهلية قابلة للزراعة لا يتم زراعته-- لانعدام مياه الري الكافية للزراعة-- فبلدة طمون نفسها-- البالغ تعداد سكانها أكثر من 10 آلاف مواطن-- مازالت بلا شبكة مياه مخصصة للشرب، وتتعرض سنويا في أشهر الصيف لازمات خانقة في المياه.. وقد أدى انعدام وجود المياه المخصصة للزراعة إلى تبوير مساحات كبيرة من الأراضي السهلية، أو زراعتها بالمحاصيل الحقلية الموسمية، أو إلى تأجيرها لمزارعين آخرين، لقاء اجر سنوي زهيد جدا.. وبعد تفكير وبحث وجمع للمعلومات-- بالتعاون مع جمعية طمون التعاونية للزراعات المحمية ( التي يبلغ تعداد أعضائها 62 عضوا )، تم تشكيل لجنة محلية للمشروع، مؤلفة من مجموعة من المؤسسات القاعدية في البلدة-- في مقدمتها بلدية طمون المنتخبة، وقد تم الاتفاق مع احد أصحاب آبار المياه الارتوازية من منطقة راس الفارعة المجاورة-- كي يزود المزارعين ب 150 ألف كوب من المياه سنويا بسعر 3.5 شيكل للكوب.. وعلى الفور باشرت الإغاثة الزراعية بتنفيذ مشروعها الضخم بإقامة شبكة للري الجماعي بطول 6 كم ( 6 انش و 4 انش ) وإقامة 3 خزانات معدنية للمياه سعة كل واحد منها 220 كوب، وذلك لإيصال المياه إلى أراضي بلدة طمون، حيث يكون بإمكان المزارعين من أصحاب الأراضي الاستفادة من هذه الشبكة ( وقد بلغ عدد المزارعين المستفيدين من الشبكة بشكل مباشر 162 مزارع )، صار بإمكانهم جميعا التحول الكلي إلى الزراعات المروية، وبمقدورهم إقامة مشاريع للزراعات المحمية ( بيوت بلاستيكية ).. وما هي إلا بضعة شهور إلا وكانت شبكة المياه قد أنجزت-- وبهمة ونشاط فائقين وبزمن قياسي-- تغير وجه المنطقة جذريا، وانتشرت البيوت البلاستيكية في كل أرجاء المنطقة ليبلغ مساحتها 370 دونما، إلى جانب إلى 200 دونما من الزراعات المكشوفة، واخضرت الأرض بفعل زراعتها بمعظم أصناف الخضار-- كالبندورة والخيار والفلفل والبطاطا-- وعم النشاط في المنطقة بأسرها، وهي التي يتميز سكانها أصلا بالجدية وحب الأرض والعمل، وكثيرا ما كان يمكن مشاهدة اسر بكامل أفرادها يعملون ويكدون معا في أرضهم، ليسابقوا الزمن، ويحققوا المكاسب، ويعوضوا ما يعتبرون أنهم قد خسروه طوال السنين السابقة.. وانفرجت الأسارير وعلت الابتسامة الوجوه، ودبت الحياة في نفوس المزارعين-- بعد أن تحقق لهم ما كانوا يحلمون به.. لكن تسويق المنتجات وتحقيق الجدوى الاقتصادية المرتفعة-- ظل هما يثقل على عقول المزارعين.. فالخير الوفير الذي أنتجته الأرض بحاجة إلى سوق للتصريف، والسوق المحلية تزخر كثيرا كعادتها بالمنتجين.. فما العمل..؟؟ ومن سيمد لهم يد العون هذه المرة-- ويحل لهم هذه المشكلة الكبيرة المستعصية...؟؟؟
ومرة أخرى كانت الإغاثة الزراعية في المكان المناسب وفي الوقت المناسب.. حيث قررت دائرة البرامج والمشاريع في الإغاثة الزراعية أن يتم استهداف بلدة طمون مرة ثانية بمشروع يكمل حلقة التنمية، التي تم البدء بها بتزويد المزارعين بالمياه.. وباشر المهندس خالد داود مرشد الإغاثة الزراعية ( وهو الذي نفذ المشروع الأول ) بتنفيذ المشروع الجديد، الهادف لتعزيز قدرات 12 مزارعا على إتقان الزراعات التصديرية، كما وتم تأهيل الجمعية نفسها وجرى منحها أيضا شهادة ( global gab ) في تصدير الفلفل.. وبذلك حصل المزارعون على فرصة ثمينة تحقق لهم الأمان في موضوع التسويق.. وقال المزارع محمد الزبن رئيس جمعية طمون التعاونية للزراعات المحمية-- لقد نجح المشروع، وتأهل اثني عشر مزارعا، والباب مفتوح الآن أمام كل مزارع للاستفادة من المشروع، والانضمام إلى البرنامج، كما وبدأت عملية التصدير تجري على قدم وساق وأخذت تؤتي ثمارها، وصار بإمكان المشتركين بالبرنامج الاطمئنان على مستقبل زراعاتهم، والتخطيط لحياتهم بثقة اكبر.
ويقول رئيس بلدية طمون محمد بشارات-- لقد لمس المواطنون في بلدتنا بشكل واضح الآثار الاقتصادية لهذا العمل التنموي الكبير الذي قامت به الإغاثة الزراعية، وبالتالي أسهمت الإغاثة بشكل كبير في تحسين مداخيل الناس وتطوير زراعاتهم، وشجعت الكثيرين من أبناء البلدة للاهتمام بأراضيهم، الأمر الذي يعني عمليا تعزيز صمودهم في وجه محاولات الاقتلاع، التي تقوم بها دولة الاحتلال إسرائيل.. ومن الجدير بالذكر أن هذا المشروع ليس هو المشروع الأول الذي تنفذه الإغاثة الزراعية في بلدة طمون، فقد سبقته مشاريع عديدة كانت تهدف لتحقيق الأمن الغذائي للسكان، كما وقامت الإغاثة الزراعية في العام الماضي أيضا باستهداف-- منطقة عاطوف الزراعية-- المهددة بالاستيطان والاقتلاع والواقعة شرقي بلدة طمون -- حيث أقيم فيها مخيما دوليا للعمل التطوعي، شارك فيه عشرات المتطوعين الأجانب والفلسطينيين، واستمر لمدة أسبوع، جرى في ختامه إقامة مهرجان وطني ضخم، للتضامن مع منطقة عاطوف.
طمون
16/1/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /


.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها




.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب


.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟




.. مدير مكتب الجزيرة يرصد تطورات الموقف الإسرائيلي من مقترح باي