الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إنقسام الجبهة الإسلامية الحاكمة بالسودان مرة أخرى (لماذا إنتصر التلاميذ على شيخهم؟)

أحمد عثمان

2008 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لعل كل من خبر الدور البارز للدكتور/ حسن الترابي في إحداث تحول كبير في بنية وتفكير حركة الأخوان المسلمين وإنتصاراته المتكررة على خصومه داخل الحركة،قد هاله إنتصار تلاميذه عليه ونجاح إنقلابهم على قيادته عشية الإنقسام/ المفاصلة. فالدكتور/ الترابي نجح في تغيير نقل الحركة من الصراع مع الحركات الدينية الاخرى والتيارات الصوفية، للصراع مع الحزب الشيوعي بإعتبار أن أولوية الصراع معه أهم من كل الصراعات الاخرى المؤجلة، كما نجح في هزيمة تيار التربية والدعوة وانتصر لتيار التسييس والسلطة، واستبق ذلك بهزيمة تيار الأمين العام السابق المرحوم الرشيد الطاهر. ولكن الناظر للأخطاء التي إرتكبها الدكتور/ حسن الترابي في صراعه مع تلاميذه، يجد أن المحصلة الطبيعية هي هزيمته وإنتصار خصومه. ونحن في هذه المساهمة القصيرة، نحاول أن نلخص تلك الأخطاء فيمايلي:
1. حاول الدكتور/ الترابي أن يحسم الصراع بينه وبين تلاميذه داخل التنظيم ( المؤتمر الوطني) وبالضربة القاضية حين قام بإستغلال كاريزماه ونفوذ منصبه في جولة إقليمية كبرى حشد فيها أنصاره وعبأ الجميع لمؤتمر إستطاع أن يقصي فيه تلاميذه المشاغبين الذين أبدوا تمردا واضحا كرسته مذكرة العشرة الشهيرة. ولكنه نسي في نشاطه ذلك، أن أدوات الحسم التنظيمة لم تعد حاسمة وليست ذات بال منذ أن تحول حزبه من حزب حاكم ليصبح حزب حكومة. فالترابي لم يدرك أبدا أن السلطة والتي هي وفقا لماكس فيبر القدرة على إنفاذ الإرادة في حق الغير، قد إنتقلت منذ لحظة إنقلابه على الديمقراطية لأيادي الإجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت ذراعا هجم به على الدولة الديمقراطية وشتت شملها. فمنذ تلك اللحظة إرتضى الدكتور/ لنفسه وعلم تلاميذه أن وسيلة حل الصراعات ليس إحترام قواعد اللعبة والإحتكام للنظم واللوائح، بل إقتناص الفرص لحسم الصراع بالقوتين العسكرية والأمنية. وبالرغم من وضوح هذا الأمر، والإنذار المبكر الذي تلقاه من العميد/ عثمان أحمد حسن الذي أراد أن تكون السلطة للتنظيم العسكري وأن تقوم الجبهة بدعم ذلك التنظيم حسبما ورد بكتاب الدكتور/ عبدالرحيم عمر محي الدين (الترابي والإنقاذ- صراع الهوية والهوى)، لم ينبهه للمآل الذي وصل إليه لاحقا. وبالتالي تجاهل الدكتور الترابي الحقائق التالية:
أ. أن جهاز الدولة العسكري (الجيش) والأمني، هما من يحسم الصراع السياسي وأن تلاميذه قد أحكموا قبضتهم على الجهازين ولم يعد بإمكانه السيطرة عليهما. وبالأخذ في الإعتبار أن هؤلاء التلاميذ هم من كانوا يديرون أجهزة التنظيم العسكرية والأمنية قبل إنقلاب الإنقاذ، لم يكن بمقدور الدكتور/ الترابي توظيف هذه الأجهزة ضدهم.و حتى لو تجاهلنا واقعة أن معظم كادر هذه الأنظمة قد إنتقل للعمل بأجهزة الدولة العسكرية والأمنيةوإفترضنا على غير الواقع أن الدكتور/ قد تمكن من السيطرة عليها، فهي أضعف من أن تحسم صراعا مفتوحا مع أجهزة الدولة المماثلة.
ب. أن التنظيم الذي ركن إليه، وحاول أن ينتصر به، ليس هو تنظيمه العقائدي الذي ( والعهدة على الدكتور عبالرحيم محي الدين) قد قام بحله عقب الإنقلاب. فالمؤتمر الوطني تنظيم فتحه الترابي للإنتهازيين وقناصي الفرص وفقا لمبدأه التنظيمي المستحدث " العبرة بمن صدق لا بمن سبق". وهؤلاء القادمون الجدد جلبتهم السلطة ولاشك هم مناصرون لمن يقبض عليها إذ لاولاء لهم لشيخ الحركة الإسلامية أو غيره.
ج. أن الإحتكام لمبادئ ولوائح العمل التنظيمي نفسها، مبدأ لم يعد يعبأ به تلاميذ الدكتور/ الترابي، منذ أن أفهمهم هو أن هذه اللوائح وضعت للغرب وليس للعمل بها وذلك في سبيل إنتصاره لوالي الخرطوم حينها ( بدرالدين طه) على قيادة تنظيمه بالخرطوم (أيضا على عهدة د. عبد الرحيم محي الدين). والنتيجة الطبيعة هي ألا يعتدوا بما تسفر عنه هذه الآليلت.
د.أن قناعات تلاميذه لم تعد تلك القناعات الكلاسيكية التي تعتبر أن البيعة للأمين هي بيعة لشخصه، بل إنتقلت لتصور مؤسسي يجعل البيعة للتنظيم وبالتالي للأمين العام بصفته مما يسمح بالتخلص من الشخص لمصلحة المنظمة دون إحساس بأن البيعة قد نقضت، وذلك يسهل معالجة المسألة على المستوى النفسي والأخلاقي والمعتقدي، ويؤكد أن ركون الدكتور/ الترابي لهذه البيعة كان أمرا مغرقا في المثالية والغفلة وغير واقعي.

2. ذهل الدكتور/ الترابي عن حقيقة التحالف بين السلطة والمؤسسات الإقتصادية والمالية للتنظيم وتلك التي استحدثتها السلطة كشركات جهاز الأمن، ولم يفطن إلى أن هذه الأجهزة أصبحت السلطة شريانها الأساسي لمزيد من الثروة بدلا من أن يقتصر دورها على الحماية فقط. كذلك لم ينتبه إلى التحول الذي حدث لكادر تنظيمه بعد دمج التنظيم في جهاز الدولة الشمولية الذي فتح أبوابا لفساد غير مسبوق برغم تنبهه لذلك الفساد دون إدراك لأسبابه وأنه تطور طبيعي لمن أعطي سلطة مطلقة وشهادة مجاهد وقدست أفغاله في دولة تدعي أنها عابدة! فالواقع هو أن المؤسسات الإقتصادية التي أنشأها الترابي لخدمة تنظيمه، أصبح التنظيم خادما لها وأسيرا لنشاطها الطفيلي الذي لاغنى له عن سلطة إستبدادية تحميه وتوفر له فرصا أكبر للتطفل بالتحالف مع بيروقراطيتها الفاسدة المتمكنة من أدوات التطفل والمتحكمة في رقاب الناس. وهذا بالطبع يعكس ضعفا واضحا في فهم الدكتور الترابي للآثار التي يرتبها العامل الإقتصادي وجدل العلاقة بين الإنسان وموقعه الطبقي وعلاقته بالسلطة. والأهمية القصوى لهذا العامل الإقتصادي تتبدى في الهجمة الشرسة لتلاميذه على مؤسسات ونشاطات من إختار الشيخ الترابي الإقتصادية والمالية عند الإنقسام وتجريدهم من أي قدرة للمناورة في السوق، وربما يعكس ذلك رغبة تلاميذ الدكتور/ الترابي في إعاقة نشاط تنظيمه الجديد وإضعافه أكثر من أنه يعكس وعيا بأهمية العامل الإقتصادي وشمول في النظر لآثاره من قبل التلاميذ المتمردين.


3. فشل الدكتور/ الترابي في إستنتاج المدى الذي يمكن أن يصل إليه تلاميذه في خضم الصراع، حين راهن على حسمه تنظيميا أولا، وحين حاول أن يبني تنظيما موازيا ظن أنهم لن يفجروا معه في الخصومة. إذ من الواضح أنه لم يدرك أن تلاميذه سوف يندفعون لإعتقالات واسعة وتلفيق إتهامات بإنقلابات وتعذيب زملاءهم بالحركة الإسلامية سابقا، وبإختصار تطبيق كل مافعلوه بخصومهم السياسيين تحت إمرته وإرشاده قبل الإنقسام على منتسبي تنظيمه الجديد. ولذلك فقد القدرة على المبادرة مباشرة بعد توقيع مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية، وانتقل لمرحلة دفاع لم يكن مهيأ لها ولا هو هيأ لها تنظيمه الجديد. فبالرغم من خطابه الهجومي، إلا أنه لم يكن قادرا على تشكيل خطر حال ووشيك يهدد بزوال السلطة. وربما كان ذلك الملمح أحد الملامح التي جعلت البعض يشكك في الإنقسام بالأساس ويعتبره مجرد تمثيلية مكررة سيئة الإخراج.


4. تعامل الدكتور/ الترابي مع وساطة المنظمات والأفراد الأصوليون، بشكل لايناسب الظروف ومقدرات المذكورين التنظيمية والفكرية وحملها مالاتحتمل بالرغم من أنه كان من الواضح عجزها وتخلفها وعدم مقدرتها على إستيعاب موجبات ودواعي الصراع حتى تعمل على حله. والناظر للغة التي كتب بها الدكتور للجنة الوساطة وطريقة الخطاب، يعلم أنه ماكان لتلك اللجنة أن تستوعب ماأراده ناهيك عن أن تصل لحلول لم يملكها هو مفاتيحها.

بإختصار نود أن نقول بأن الدكتور/ الترابي الذي طالما كان سياسيا براجماتيا لايعبأ بما يقوله نظريا ولابمايعلنه من أفكار ونظريات حين تتعارض مع مصالحه أو مصالح تنظيمه كما يراها هو، فشل فس أن يكون واقعيا بحيث يقدر أهمية عامل السلطة في إدارة الصراع مع تلاميذه، بقدر فشله في قراءة دور العامل الإقتصادي في علاقته المتداخلة والوثيقة مع بروقراطية الدولة، ولم ينتبه إلى أن القواعد واللوائح التنظيمية مثلها مثل العوامل العقائدية التي يمكن الإلتفاف حولها، لم تعد عاملا أساسيا في حسم الصراعات منذ أن قرر هو أن تحسم الصراعات السياسية عبر إنقلاب عسكري. فهو بلاشك كان بحاجة لإنقلاب قصر جديد، يطيح بتلاميذه المتمردين ويعيده إلى السلطة، وليس إلى إنتصار تنظيمي لامعنى له أجهضه تلاميذه بإنقلابهم عليه وحل البرلمان الوهمي الذي كان يرأسه. فالتلاميذ كانوا أكثر واقعية من شيخهم، وأكثر إدراكا لأهمية السلطة وأجهزتها الضاربة المحتكرة للعنف في حسم الصراعات داخل الدول الشمولية، ولذلك نجحوا في هزيمته.











التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تطبيق يتيح خدمة -أبناء بديلون- لكبار السن الوحيدين ! | كليك


.. تزايد الحديث عن النووي الإيراني بعد التصعيد الإسرائيلي-الإير




.. منظمة -فاو-: الحرب تهدد الموسم الزراعي في السودان و توسع رقع


.. أ ف ب: حماس ستسلم الإثنين في القاهرة ردها على مقترح الهدنة ا




.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يلاحقون ضيوف حفل عشاء مراسلي البيت ا