الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاكمة لوسيفر أم محاكمة الآلهة

حسن إسماعيل

2008 / 1 / 18
الادب والفن


الإهداء ..
للتاريخ الذي لم يكتبه الأقوياء .. والسلاطين .. والحكماء .. والآلهة .
وللذي لم يسجد للتراب .. للذي لم يشرك


في صباح يوم من أيام الآلهة
(هذا اليوم الذي كألف عام أو العكس !! )
استيقظت الآلهة على فكرة جديدة
( واستيقاظ الآلهة كان منذ البدء !! )
بعد أن خلقت الملائكة ..
واكتشفت أن واحداً من الكروبيم
قائد أوركسترا التسبيح في السماء
يُدبر شيئاً في الخفاء
( فالسماء أيضاً لم تخلو منذ البدء
من الجواسيس !! )
كانت الآلهة لا تعلم كل تدبير لوسيفر
كان ملاك ذكي جداً .. وثوري جداً
ولكن هذا النوع من الثورة المراهقة
التي لا تخلو من الأخطاء
وكان لوسيفر من الكروبيم ..
هذا النوع من الملائكة
الذي يعرف بحق طبيعة الآلهة
وأن ما يدبره في الخفاء سوف يُعلن
وكان يعلم جيداً .. مصير انقلاب كهذا
فهو أول انقلاب في مملكة السماء
ثورة ضد العرش الملوكي ورب الأرباب
ثورة ضد الآلهة ..
فكرة لم تخطر لأحد من الملائكة
وأظنها .. لم تراود حتى الآلهة
( الآلهة ..
من هو هذا الأحمق الغبي الجاهل ..
من هذا المخلوق الذي يتمرد على أسياده )
فكرة لم تخطر لأحد
ولكن ملاك كلوسيفر .. تخطر علي باله
أشياء تفوق كل عقل وكل خيال
عقل الآلهة .. وخيال الملائكة
لم يفكر كثيراً .. بل بدأ في التنفيذ
لأنه يعلم أن لحظة السماء سرمدية
ما يبدأ فيها .. لن ينتهي
لحظة السماء تحمل قطبي الوجود
البداية ..... والنهاية
في اليوم الذي قرر فيه
أن يكلم المقربين إليه
والذي كان يتذوق فيهم عربون التمرد .. والثورة
كان لوسيفر محبوب جداً
من كثير من الملائكة
كان أكثرهم حكمة وأكثرهم جمالاً
أول من عرف الخير والشر من الملائكة
وأول من غنى في الليل ..
وأول من كتب قصيدة على ضوء القمر ..
وأول من انتظر الفجر .. وذاق طعم الندى
وأول من لعب كالأطفال تحت رذاذ المطر
وأول من استدفأ في الشتاء بنار الحطب
وأول من جذبته المغامرة والسماء العلا ..
والهاوية والخطر
وأول من كفر بالقدر
كل من رأى لوسيفر في طفولته الملائكية
كان يطلق هذه العبارة
( لوسيفر هذا ليس كبقية الملائكة )
وكأن الآلهة حين خلقته وضعت فيه شيء
لم تضعه في بقية الملائكة
ولكن كل من في السماء كان يتهامس
( همس الملائكة المسموع للآلهة )
كانوا يقولون أنه لا يمكن أن تخلق الآلهة ملاك ..
وتضع فيه جذوة النار والثورة والتمرد
لا يمكن أن تصنع الآلهة مملكة خاصة
وتضع فيها من يهدمها أو يفسدها
وكان المتوقع ..
سمعت الآلهة هذا الهمس المخيف
وتم استدعاء لوسيفر
في محضر الأقانيم فقط
الآلهة : سمعنا أنك تصنع في الخفاء شيء
هل هذا صحيح ؟!!
لوسيفر : وهل يوجد خفي
عن أعين الآلهة ؟
الآلهة : لا نقصد بكلمة خفي
أننا لا نراه ..
لكن نقصد هذا النوع من الخفي
الذي نرفضه ..
ولا نرضاه
لوسيفر : ما هي الأشياء التي أفعلها وترفضونها ؟
الآلهة : أنت تعلم ..
أنك رئيس ملائكة التسبيح ..
ينبغي أن تسبح فقط في
محضرنا ..
وبهذه التسبيحات الملوكية المتفق عليها ..
وبالطريقة التي تحمل مهابة العرش
ولكن أنت تصنع هذا فقط وأنت في محضرنا
ولكن وأنت بمفردك تسبح أشياء غريبة
لم نسمعها من قبل
وتتصرف بطفولة عجيبة ..
عكس حكمة الشيوخ المعطاة لك
تغني .. وترقص .. وترسم .. وتكتب القصائد
أصبحت نموذج يثير الريب ..
ويفيض بهامش لم تتعود السماء عليه
السماء منذ البدء وقورة وهادئة وصافية
كل الملائكة هنا في حالة من الانسجام العجيب
لا ثائر .. ولا ساخط ..
ولا متمرد
الجميع هنا في حالة من الخضوع الجميل
وهذا هو الذي جعل السماء مكان بلا مثيل
لماذا تريد أنت أن تسرب القبح إلى كل هذا الجمال ؟!!
لوسيفر : آلهتي ..
لم أرِد ولو لحظة واحدة
أن أسرب القبح إلى هذا الجمال
ولكن علي العكس تماماً ..
أريد أن يتسرب النبض إلى هذا الجمال ..
أن يتكلم هذا الجمال ..
أن يغني هذا الجمال ..
أن يبكي هذا الجمال ..
أن يخطئ ويثور ..
أن ينتصر ويخور ..
أن يعرف كيف يقف ..
وكيف يحلق وكيف يمشي وكيف يدور
الآلهة : كل ما تقوله هذا هو تسريب للقبح
هو خطيئة وكبرياء وإرهاب
تريد قلب نظام الحكم
ولكنك مخطئ وأحمق وجاهل يا لوسيفر
فالسماء وما فيها .. والأرض وما عليها
كل هذا ملك الآلهة
وأنت .. من أنت ؟!!
نحن الذين أعطيناك كل هذا المجد وكل هذه الحكمة
التي تستخدمها الآن ضدنا
ضد من جبلوك وخلقوك من العدم
اعلم أنك لا شيء .. من العدم .. والي العدم
نقدر أن ندمرك في طرفة عين
لوسيفر : أعلم آلهتي أني لا شيء .. وأعلم أني ضعيف إلى حد النخاع
وأحب أن أعرفكم أن ما بدر مني ليس هو بكبرياء
بل علي العكس تماماً .. هو تواضع وانحناء
آلهتي .. اعلموا أن من يغني وحده ..
ولم يقدر أن يغني أمامكم ..
لا يقدر علي الغناء !!
من يبكي قصيدته علي ضوء القمر ..
لا يقدر علي العداء
من يرقص ويهرول تحت المطر ..
لا يحمل هيبة ولا جبروت السماء
من يفعل كل هذا آلهتي
علي ما أظنه لا يحمل في قلبه ذرة كبرياء

الآلهة : كيف ؟!! كل ما تقوله هذا ضد دستور السماء
فكيف تتجرأ وتتخيل أنك لست الداء
لوسيفر : آلهتي عفواً .. إذا كان قلب الأطفال هذا ..
بلاء علي السماء
فلتصلبيني آلهتي ..
فأنا أسر بهذا الفداء
وليكن كأسي هو نفس كأس السماء

الأقانيم تتشاور فيما بينها ..
وبعض الملائكة المقربين من العرش يتهامسون
يعلو الصوت إلى الدرجة التي تطلب الأقانيم فيها الهدوء
تعطي الأقانيم جبرائيل ورقة مكتوب عليها الحكم
وتقول له إقرأ يا جبرائيل ليسمع كل الملائكة
وليعرف الجميع أن كل من يراوده خياله بشيء من هذا القبيل ..
سوف يجازى جزاء ليس له مثيل

أقرت آلهة السماء ..
وهم بترتيبهم السرمدي الآب والابن والروح الأمين
أقروا علي لوسيفر وكل أصحابه من الملائكة
1. كل ما يقوله لوسيفر من قصائد وعزف وأفعال تسمى بالشر
2. وألا يبدع إلا خطية
3. وألا يثمر إلا الفقر والجهل والمرض
4. وألا يحضر إلا في أماكن النجاسة والعهر والقهر
5. وأن يظل وحيداً إلى الأبد بلا سند وبلا ظهر
6. وألا يعرف غير السهر والبكاء والعطش
ولا يرتوي من أي نهر
7. وليصبح قلبه في صدره كتلة ملتهبة من النار ومن الندم
8. وليصبح سريره شوكاً يعتصر بداخله العدم
9. كل ما يصنعه يفشل .. فيزداد خطأً بالأمل
10. وفي النهاية يلقي في بحيرة النار والكبريت
هو وجنوده .. وثمار هذا العمل

انتهت المحاكمة

لوسيفر يبتسم ابتسامته المعهودة
ويقول كلمته الشهيرة
هذا جزاء كل من يثور علي الآلهة
ويصرخ صرخته الأخيرة
إلهي إلهي .. لما شبقتني !!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غياب ظافر العابدين.. 7 تونسيين بقائمة الأكثر تأثيرا في السين


.. عظة الأحد - القس حبيب جرجس: كلمة تذكار في اللغة اليونانية يخ




.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي