الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام والفوضى في مجتمع مقهور

رمضان متولي

2008 / 1 / 18
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


لا يمكن أن نواجه حالة من الفوضى إلا ونجد وراءها نظاما، فالنظام هو أساس الفوضى عندما يعجز عن الاستمرار بآلياته القديمة التي تفقد شرعيتها بسبب عدم قدرتها على إقناع الناس باحترامها، سواء من الناحية الأخلاقية أو بالأساليب القمعية. والفوضى التي نشهدها في مجتمعنا حاليا ليست إلا تعبيرا عن نظام فقدت آلياته شرعيتها وبدأ المسيطرون عليه يستخدمون جميع الأساليب والوسائل التي تهدف إلى حماية مواقعهم والمحافظة على شكل النظام حتى وإن كان هشا من أجل تأمين مصالحهم ولو في المدى القصير، مستخدمين في ذلك آليات السلطة الغاشمة في محاولة لقهر الجميع وقمع جهود التغيير والتغطية على عوامل التحلل التي تضرب في كل الاتجاهات.

وفي أي مجتمع مقهور تحكمه قبضة حديدية من سلطة لا يردعها عرف ولا قانون تشيع فلسفة القهر وتنتشر، ويجور الأقوياء على حقوق الضعفاء، ويتسع نطاق العنف بمبرر وبلا مبرر. ويصبح المنفذ الوحيد لإثبات الذات وتعويض الشعور الجارف والمقيت بالقهر هو اضطهاد الآخرين والتجاوز على حقوقهم.

وهكذا تحول السلطة الغاشمة المقهورين ضد بعضهم البعض، فيوجهون غضبهم ضد أقلية دينية أو عرقية أو ضد فئة مستضعفة يسهل وصمها بمختلف الصفات التي تحط من مكانتها واعتبارها مسئولة عن الأزمات والشرور الاجتماعية والاقتصادية.

السلطة المستبدة بدورها تمارس القهر ضد الجميع، ولكن بدرجات متفاوتة حتى تعزز شعور التميز عند بعض الفئات وتكرس الانقسامات الطائفية والعرقية وما يصاحبها من تمييز ديني أو عرقي أو جنسي. ويصعب أن تجد سلطة مستبدة في العالم تحكم مجتمعا لا يوجد فيه اضطهاد ديني أو عنصري أو تمييز جنسي بدرجة أو بأخرى.

السلطة المستبدة تستفيد من هذه الانقسامات وتوظفها لأنها تضعف المقهورين وتجعلهم أكثر عجزا عن مواجهتها، وتساهم في تزييف وعيهم بمصادر القهر فلا يوجهون غضبهم ضدها وضد سياساتها القمعية التي تحرم غالبية المجتمع من حقوقه لصالح حفنة من أصحاب الثروة والنفوذ. وهي تفعل ذلك بشكل تلقائي باعتباره ألف باء ممارسة السلطة أو بديهيات إدارة الحكم.

هذه الصورة تبدو واضحة أكثر ما تبدو حاليا في مصر، حيث تتزايد مظاهر العنف الاجتماعي بأشكال مبتكرة وصادمة كما نتبينها في صفحات الحوادث التي لا تخلو يوميا من حوادث قتل وسرقات بالإكراه وغيرها تفنن مرتكبوها في تعذيب ضحاياهم وربما يكون دافعهم سرقة بضعة جنيهات أو اليأس والإحباط من تغيير أوضاع اجتماعية أو اقتصادية قاسية، كما تجد أيضا عنفا طائفيا موجها ضد الأقلية القبطية في أمور تبدو بعيدة كل البعد عن المشكلات الحقيقية التي يعانيها المسلمون والأقباط على السواء، إلى جانب العنف الذي يمارس يوميا ضد المرأة واستغلالها وامتهانها سواء كان العنف الموجه ضدها عنف لفظي أو بدني وسواء كان استغلالها استغلال اقتصادي أو جنسي، ثم يأتي الأطفال، وخاصة أطفال الفقراء، الذين يتعرضون لأبشع ألوان العنف سواء في أسرهم أو في الشوارع أو على أيدي أجهزة السلطة التي حرمتهم من أبسط حقوقهم.

وإذا كانت مسألة الإصلاح السياسي من أعلى في مصر قد دخلت إلى نفق مظلم، فإن تغيير هذه الأوضاع الخطيرة التي لا يمكن التغاضي عنها أو تجاهلها يبدأ بمعالجة هذه الانقسامات الوهمية بين أبناء المجتمع والتركيز على المصالح المشتركة التي تدفعهم إلى الاصطفاف خلف رؤية موحدة تعالج القضايا التي تمسهم جميعا فتتوحد صفوفهم خلفها.

العامل والفلاح والموظف، المسلم والقبطي والبهائي والسني والشيعي، المرأة والرجل … أغلب هؤلاء يعانون من وطأة الفقر والاستبداد … كل هؤلاء يحبون الحرية ويأملون في أن يعيشوا في مجتمع يحترم الإنسان … كل هؤلاء يريدون التخلص من التعذيب والفقر والبطالة والخوف. وحتى يمكن رأب جميع التصدعات ومعالجة الانقسامات وأشكال التمييز التي تحول طاقة الغضب فيهم ضد بعضهم البعض، ينبغي أن تصفهم رؤية واحدة تركز على هذه القضايا التي تمس حياتهم بشكل مباشر وتعطي لهم أملا في حياة ومستقبل أفضل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف ساهمت تركيا في العثور على مروحية الرئيس الإيراني المحطمة


.. كأس الاتحاد الأفريقي: نادي الزمالك يحرز لقبه الثاني على حساب




.. مانشستر سيتي يتوج بطلا لإنكلترا ويدخل التاريخ بإحرازه اللقب


.. دول شاركت في البحث عن حطام مروحية الرئيس الإيراني.. من هي؟




.. ما المرتقب خلال الساعات المقبلة حول حادثة تحطم طائرة الرئيس