الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب التثقيف الذاتي أو كيف نربي أنفسنا للراحل سلامة موسى

باسنت موسى

2008 / 1 / 20
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


كلما تحدثت عن أهمية أن تكون القراءة جزء مهم من حياة كل منا، أجد كثيرين يصفونني بأنني من ساكني الأبراج العاجية الذين يمتلكون الوقت والمال للقراءة، لكنني حقيقة لست كذلك وإنما أرى أن القراءة في مختلف المجالات الفكرية وليس فقط في المجال الديني سلوك نحتاجه جميعاً لنربي أنفسنا ونعيد صياغتها بشكل مختلف في كل مرحلة عمرية واجتماعية من حياتنا، اليوم أقدم لكم ملخص لكتاب "التثقيف الذاتي أو كيف نربي أنفسنا للراحل سلامة موسى" وبه ومن خلاله سنتعرف على كيف يمكننا أن نتخذ من الثقافة هدف وسلوك لنا جميعاً وليس فقط فئة الكتاب فإلى المزيد.
الكتاب يحمل في صفحته الأولى إهداء من سلامة موسى لأبنائه رؤوف ونبيل وخوفو حيث يشكرهم والدهم على العذاب الحلو الذي ذاقه في تربيتهم وهم أطفال، انتهى سلامة موسى من تأليف هذا الكتاب في مايو 1958 أي قبيل وفاته بما يقرب من ثلاثة أشهر.
"المدرسة والمجتمع"
في مجتمعنا المعاصر تعد المدرسة ضرورة للأفراد من الجنسين ومع تطور المجتمع تصبح الجامعة أيضاً من الضروريات في حياتنا كأفراد نطمح في الترقي، لكن ما نحصل عليه في المدارس من معارف يعد مقدار صغير أمام الحاجات التي تطالبنا بها الحياة، ولذلك فإننا نحس الجهل في مواجهة الصعاب، التعليم المدرسي يتناول طائفة أساسية من المعارف التي تعد أساسية في التثقيف، والمدرسة في ذلك تعامل جميع التلاميذ كما لو كانوا على قامات متساوية يحتاجون إلى قطع لا تختلف من القماش كي تصنع لكل منهم بذلة خاصة له، ولما كان كل إنسان فذاً في الدنيا فهو محتاج لمعارف تتفق وكفايته وحاجاته الخاصة، فالبرنامج التعليمي الذي يوضع لمليون صبي لا يمكن أن يؤدي حاجات كل صبي وشاب إلا إذا تجاهلنا الخصائص والمميزات التي يتمتع بها كل فرد كحالة منفردة.
المعارف التي نحصل عليها في المدارس حتى مع الدقة عند اختيارها إنما تعد أساساً نبني عليه حين نخرج من المدرسة، وإذا ركدنا وتوقفنا عن البحث فإن هذا الأساس لن يغني، والمعلم الممتاز هو الذي لا يقتصر على إيصال المعارف إلى أذهان تلاميذه بل يضع لهم الخطط للدراسة، بحيث يستغنوا عنه ويعلموا أنفسهم مستقلين طوال حياتهم، وتلك النوعية من المعلمين قليلة في كثير من الأحيان، مجتمعنا في تطوره السريع يحتاج إلى جمهور مثقف يكون في نشاط ذهني مستمر كي يستطيع حل المشكلات الطارئة دون وثوب الطغاة الذين يزعمون القدرة على ترقية أمتهم بإنكار حقوقها، والجمهور الجاهل هو أعظم الوسائل لتجرئة الوصوليين والمستبدين على الطغيان لأنه سريع الانقياد منخدع بالألفاظ البراقة والادعاءات الرنانه وبهلوانية المنابر، ومن هنا قيمة الكتاب والجريدة والمجلة وذلك لأننا نعيش بعد المدرسة والجامعة نحو خمسين سنة وبالتالي لن نبلغ النضج ما لم تكن القراءة والدراسة عادتنا، وهذا يحتاج من أن ننفق بسخاء على أذهاننا كما ننفق على شراء حاجتنا المادية.
المجتمع الراقي يؤمن بحرية الثقافة لذلك يسن القوانين ويضع الأنظمة التي تساعد على رواج الكتب والمجلات بل والجرائد أيضاً، وفي الأمم الأوروبية نجد آلاف المكتبات التي تشتري الكتب وتشترك في المجلات والجرائد وذلك لأن النشاط الذهني يجد السوق الرائجة في تلك الأمم لمنتجاته.
"المجتمع يربينا"
المجتمع الذي يربي هو المجتمع الحسن، أي المجتمع الراقي الذي يهتم بالمكتبة كما يهتم بالمدرسة، وإذا عقدنا مقارنة بين المدرسة والمجتمع من حيث أثرهما في التربية، مع افتراض أن الإثنين يستويان في الرقي فلا مفر من أن نقول أن المجتمع يحسن التربية والمدرسة تحسن التعليم، والتربية أعم من التعليم.
الثقافة في المدارس والجامعات "أسلوبية" تسير على قواعد، وكثيراً ما تجمد، ولكن الشاب الذي يربي نفسه في المجتمع يتجه اتجاهاً ابتكارياً في ثقافته، وهو لهذا السبب أكثر حرية في تفكيره من طالب الجامعة ثم أن القواعد الببغاوية في استظهار البرنامج المدرسي وأحياناً الجامعي تمنع الطالب من التوسع في الموضوع الذي يدرس أو الاستطراد من خلاله لدراسات أخرى يستمتع بها الطالب الحر الذي لا يتقيد بامتحان.
"لماذا نثقف أنفسنا"
يكون من الصعب على الرجل المثقف أن يتمالك نفسه وهو يشرح الأسباب التي يجب أن تدفع الناس لأن يكونوا مثقفين، وذلك لأنه بهذا الشرح يكون بمثابة من يزجرهم عن القذر أو التوحش أو البهيمية، ويوضح لهم قيمة النظافة والإنسانية والتمدن، نحن في حاجة لأن نقول للشباب المتخم بالفراغ أنه يجب أن يثقف نفسه حتى لا يفسد، كما يجب أن نقول لغيره أن الحياة الناضجة تحتاج إلى ثقافة.
هناك من الناس من يصح أن نسميهم بقولاً بشرية إذ ليس لهم من الحياة سوى النمو الخلوي كأنهم فجل أو جرجير، وسيبقون نفسياً وإنسانياً في عداد البقول إلى أن يثقفوا أنفسهم لأن الحياة الخاوية تحدث سأماً لا نتخلص منه إلا بالثقافة التي تبعث على الاهتمامات الذهنية وتبسط الآفاق.
انتشار التخصص في أيامنا تلك غرس في نفوسنا عقيدة فاسدة وهي أن المعارف علوماً وفنوناً وآداباً لا يمكن أن يدرسها غير المتخصصين، كل في الفرع الذي يختار، وإنه ليس على الطبيب أن يعرف التاريخ وليس على الأديب أن يعرف الفلك وليس على المهندس أن يدرس الاجتماع، هذه عقيدة مخطئة يجب أن نكافح حتى تنمحي، وصحيح أن المتخصص في مجال بعينه يجب أن يعرف الكثير عنه أصولاً وفصولاً لكن هذا لا يمنع غيره من المثقفين أن يدرسوا الأصول بل ويناقشوها ليبينوا ما ربما يكون زيفاً فيها.
ليس المقصود أن يكون كل منا موسوعة تحتوي على جميع المعارف، فإن هذا محال ولو قدر لما انتفعنا به، ولكن المعارف في الحضارة القائمة مشتبكة بحيث إذا شاء طبيب في مصر على سبيل المثال أن يدرس السياسة الزراعية والخطط الاقتصادية اللتين اتبعتا في مدى سبعين عاماً مضت إلى وقتنا، وقارئ الجريدة اليومية يجب كي يتعرف على التيارات السياسية والاجتماعية أن يدرس تاريخ ما أفرزته تلك التيارات من حركات، وذلك لأن الحوادث اليومية الهامة في العالم ما هي إلا ما طفى على السطح من تلك التيارات، وبالتالي دلالة هذه الحوادث تنعدم إذا لم نفهم هذه التيارات.
هناك علاقة حيوية بين الذهن والثقافة، فانظر مثلاً لشاب في السابعة عشر من عمره يقرأ موضوع التناسليات فإنه يطلب هذه المعارف كما تطلب المعدة الطعام لأن حاجته هنا تنبع من نخاع عظامه وأعماق نفسه، أو انظر إلى رجل قد فات الخمسين يدرس الدين فإن كنوزه من الاختبارات الماضية تجعله يطلب هذه المعارف بقوة وذكاء وحرص وتدقيق لم يعهد مثلها من قبل.
"كيف نربي أنفسنا"
كان "جرانت ألين" الأديب الإنجليزي يقول على سبيل التهكم بالمدارس: يجب أن نمنع المدارس من التدخل في تربية أولادنا، وهو بذلك يعني أن المدارس لا يمكنها تربية الأفراد، وحتى إذا حاولت ذلك فإنها لن تنجح؛ حيث أن مكان التربية الحقيقي هو البيت أو الشارع أو المجتمع، لكن على فرض أن المدرسة تربي كما تعلم فإن الناس ليسوا سواء في الحصول على الفرص المدرسية أو الجامعية، فإن منهم من يقتصر على التعليم الابتدائي ومنهم من يصل للشهادة الثانوية ومن ثم الجامعية.
وتكاد تكون التربية عملاً فسيولوجياً، فإن الجسم لا يطلب الطعام إلا عند الجوع ولا يطلب الماء إلا عند العطش وهو يأخذ من الطعام والماء القدر الذي يحتاج وهو يختار ما يحب ويعزف عما يكره، وكذلك الشأن في التربية فإن الإنسان متى جاز الطفولة أو الصبا عرف كفاءته وبراعته وأدرك حاجته الثقافية وطلبها بالقدر الذي يمكنه أن يهضمه ويمثله، وكما أن الطعام يستحيل شيئاً آخر في الجسم غير ما كان عليه قبل أن يهضم ويمثل، كذلك المعارف تمتزج بنفوسنا وتحرك نشاطنا وتبعث طموحنا، ويختلف تأثيرها من شخص لآخر لاختلاف الحاجة النفسية عند كل منهم، ومن هنا القول بأن التعليم عمل فسيولوجي لأن له دوره في الجسم، ولذلك خير من يربي الشاب هو نفسه لأنه حين يشتهي الوقوف على موضوع ما إنما يشتهيه لحاجه نفسية وهذه الحاجة بمثابة الجوع الذي يهيأ للهضم والتمثيل.
"ما هية الثقافة وغايتها"
الثقافة قيمة اجتماعية وعالمية وبشرية، فالأمة التي تركد ثقافتها ويستحيل تحولها على قواعد وأساليب يركد مجتمعها وتقف بعيدة جامدة عن الرقي، ويجب على من ينشد الثقافة ألا يترك كتاباً قد قرأه إلا وله عليه حكم وذلك باقتناء الأوراق لتلخيص كل مايقرأ حتى إذا أنتهى من تلخيص كتاب حكم عليه وأثبت الوجوه التي انتفع بها، وهل كان يساوي الوقت والمال اللذين أنفقا فيه أم كانت قراءته ضرر كبير.
ليس في الدنيا كتاب يعلو على هذا الامتحان، وذلك لأننا نقرأ وندرس لكي ننتفع ونرتفع وتتربى نفوسنا وتستنير رؤيانا ونستمتع بالدنيا، فإذا لم يكن شيئاً من هذا فإننا يجب أن نأسف على قراءتنا بل ننصح غيرنا بألا يقع في الخطأ الذي ارتكبناه بقراءة كتاب سخيف، لو أدرك المؤلفين أن القراء سوف يمتحنونهم لما استهتروا في التأليف، وكذلك لو عرف المحررون للجريدة أو المجلة أن القراء يطلبون أن ينتفعوا أو يرتقوا بقراءة ما يكتبون لتوجهوا إلى الدرس ومحاولة كتابة ما ينفع ويرفع.
لتكن الدراسة بدلاً من القراءة عادتنا ومزاجنا إذا شئنا أن نثقف عقولنا ونربي أنفسنا، ولتكن دراسة هادفة نعين هدفها ونقيس المسافة التي بيننا وبينها ونرتب رحلتنا حتى نصل إليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح