الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كردستان في مهّب الفساد

هوشنك بروكا

2008 / 1 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


موضوع الفساد في كردستان "الحرير" أو ما أسميه ب"كردستان الفساد الأخضر"، ليس ب"إكتشافٍ" جديد، على صعيد مكتشفات "العراق الكردي"، المستقل، نسبياً، بقضائه، وبرلمانه، وحكومته، وعلَمه، ونشيده، وجيشه، ورئيسه، وسائر مؤسساته الأمنية والإستخباراتية، منذ انتفاضة آذار 1991، أو تحديداً بعد "انتخابات"، لا بل "محاصصات" 1992.
فكردستان، دخلت على خط الفساد السالك ب"سهولة" حزبية، وعشائرية، منذ إلقائها للبندقية، ونزولها من الجبل "الصعب" إلى المدينة "السهلة"، وإقامتها، تالياً، في الفلل "الحريرية" الفاخرة، والفنادق الخمس نجومية، وأخواتها من القاعات والكباريهات السبع نجوميات، "الحريريات"، العدَنيات(من جنات عدن، التي يجري من تحتها الدولار).

قبل عقدين من الزمان، كان من الصعوبة بمكان، الحديث، كردياً، عن "كردستانٍ في مهب الفساد"، أو "أكرادٍ فاسدين"، أو حتى التفكير ب"صناعة" مصطلحٍ من هذا القبيل. فالكلُ، كان، آنذاك؛ أيام الجبل والبندقية، أكراداً "لله"، في هوى الجبل، والمنفى، والبيشمركَايتي(من البيشمركة، المصطلح الذي عُرف به المقاتل الكردي المنضوي، أيام الجبل الصديق، تحت لواء حركة التحرر الكردية في الجنوب الكردي)، أو "الكَريلايتي"(من الكَريلا، وهو المصطلح الذي يُطلق على المقاتلين المنخرطين تحت لواء حركة ال ب ك ك، التي انطلقت من الشمال الكردي، إلى سائر أرجاء كردستان المشتتة)، والقتل بالكيمياء، والأنفلة بالجملة، والسجن بين جدرانٍ أربعة بالجملة، والهجرة إلى أنحاء الله بالجملة، كلهم، كانوا "جَبَلَئذٍ"، في هوى هذا الكل من التراجيديا الكثيرة، ب"كردَواريتهم" سوى، لأجل بعضِ عبورٍ إلى "شقفة" أرضٍ كردية، يرفع عليها "شقفة" علم كرديٍّ(بالأخضر والأحمر والأبيض الذي يتوسطه شمس صفراء)، على أنغام "شقفة" نشيدٍ كرديٍّ، أو بعضٍ من "أي رقيب"، النشيد المعروف، كردياً، بالوطني، بين سائر الأكراد، بمختلف سياساتهم وجغرافياتهم وتواريخهم.

اما اليوم، فالحديث عن "كردستان برسم الفساد"، بات من المصطلحات "السهلة المنال"، والشائعة، المرادفة ل"كردستان العراق"، التي باتت قاب قوسين أو أدنى من خطر "حيتان الفساد" الكردية، التي تسبح في بحرٍ من البحبوحة الحزبية، والعشائرية، الفاحشة.

"سنحارب مرضَين في كردستان العراق: الإرهاب والفساد"، هذه جملةٌ "شعاراتية، "خُلبية"، سمعناها في الكثير من المناسبات الحزبية والحكومية، من كبار المسؤولين الأكراد العراقيين، القابعين في الفوق الحاكم، ببغداد وهولير.
لا يختلف إثنان، أن كردستان سلمَت للآن من يد الإرهاب، إلى حدٍّ كبير نسبياً، مقارنةً مع باقي أنحاء العراق، الذي نهش فيه وحش الإرهاب، بالطول وبالعرض، ولا يزال، حيث القتل فيه قائمٌ على قدمٍ وساق، رغم الحديث عن تراجعٍ نسبيٍّ لكمائن القتل "القاعدي"، في الآونة الأخيرة.

ولكن ماذا عن المرض الثاني، الذي لا يقل خطراً وكارثيةً عن الأول، أقصد مرض الفساد "الكردي"، بإمتياز، الذي ينهش في جسد كل كردستان، فوقاً وتحتاً؟
ماذا عن كردستان الحزب والعشيرة؟
ماذا عن كردستان المحسوبيات والواسطات؟
ماذا عن كردستان "الكمبيالات" النائمة، والمودعة بإسم الفوق المسؤول، في البنوك الحريرية، بالخارج الحريري "المضمون"؟
ماذا عن كردستان "المهرّبة"، و"المعمّرة" في الخارج قبل الداخل؟

حسب آخر تقرير للبي بي سي، نُشر فبل أيام(11.01.08)، فإن "حكومة الاقليم تسعى الى تسويق كردستان باعتبارها منطقة واعدة وتقدمية وديمقراطية. ولكن تحت هذه الواجهة، يناضل المواطن الكردي العراقي في سبيل البقاء، بينما تُسرق الاموال العامة، وتجد طريقها الى جيوب قلة متنفذة".

أعلم سلفاً، أن بعضاً من "المناضلين" الأكراد، على طريقة نضال "كردستان الفساد الراهن"، فضلاً عن مريديهم "النفاخين"، عبر الهواء الأوروبي المباشر، وأثيره الإنترنتي السريع، سوف يعتبرون "مكتوبي" هذا، أيضاً(ككتاباتٍ أخرى سابقة في هذا الشأن)، ضرباً من "المعاداة"، و"الكراهية"، و"الإقصاء"، ل"تجربة كردستان الحرة الديمقراطية"، حسب زعمهم.
ولكني أقولها علناً، وبدون خجلٍ أو وجل، لن أكون ذاك الكرديّ الذي يجب عليه "شرعاً"، أن "ينصر أخاه ظالماً أو مظلوماً"، ولا ذاك الذي ينفخ في مقولات "قومجية شوفينية" فاسدة، عفى عليها الزمن، ولا ذاك "المريد" الذي يجب أن "يعبد" كردستان وزعماءها"(كل الزعماء وفي كل جهات كردستان، بلا استثناء)، لمجرد الصفة الكردية، الملصقة بهم، أو أخواتها من الصفات الكرديات "المقدسات".
فالفاسد فاسدٌ؛ والقامع قامعٌ؛ والديكتاتور هو ديكتاتور. كل هذه الصفات، هي صفات بشرية، عابرة للقوميات والجنسيات والجغرافيات.
فليس هناك(حسبما أذهب) "ديكتاتور جيد" و"ديكتاتور سيء"، كما أن ليس هناك بالمقابل، فسادٌ "مقدسٌ" وآخر "مدنسٌ".
عودٌ على بدء، حيث التقرير الصادر من البي بي سي(كواحدةٍ من أرقى الجهات الإعلامية، وأكثرها مهنيةً وموضوعيةً، على مستوى العالم قاطبةً)، ففي فقرةٍ معنونة ب"تحت المظهر الكاذب"، اي المظهر الكاذب ل"كردستان الكاذبة"، نقرأ ما يلي: "بينما يجري كل ذلك، يجاهد الاكراد العاديون من اجل الحصول على لقمة العيش، حيث يعانون من التضخم والبطالة وانقطاع الخدمات الاساسية من ماء وكهرباء. ففي مدينة السليمانية ثاني اكبر مدن كردستان العراق ومعقل الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يتزعمه الرئيس العراقي الحالي جلال طالباني، يقول السكان، إنهم لا يحصلون على المياه الجارية، الا لاربع ساعات كل ثلاثة ايام، اما التيار الكهربائي، فلا يصلهم الا لثلاث او اربع ساعات في اليوم. وقد ادت المياه الملوثة الى تفشي وباء الكوليرا. تقول احدى النساء التي فقدت والد زوجها ووليدها اللذين توفيا بالكوليرا: "لقد طلبنا من الحكومة مرارا ان تساعدنا ولكن دون جدوى. فهم يعدون ولا يفعلون شيئا." ووصفت السيدة الكردية الخوف الذي كان ينتابها عندما عصف الوباء بالمنطقة في شهر سبتمبر ايلول الماضي، حيث كانت تعلم ان المياه التي تشربها اسرتها ملوثة، ولكنها لم تكن تستطيع ان تغليها بسبب انقطاع التيار الكهربائي. وخلصت الى القول: "عندما افكر في الميزانية وملايين الدولارات وارى وضعي اشعر وكأني مت".
تلك هي حالة المعدومين(الخارج عشائريين، والخارج حزبيين) في "كردستانٍ الحريرية"، حيث بلغت ميزانيتها، حسب آخر التقارير، في العام الماضي 2007، حوالي 6 (ستة) مليارات دولار.

سامان الجاف، وهو قائد سابق في ميليشيا البيشمركة السابق يقول: " اذا كنت قريبا لأحد الزعماء السياسيين، بامكانك الحصول على وظيفة في الحكومة مع ميزانية او عقد قد تبلغ قيمته مليونين او ثلاثة ملايين من الدولارات لتعبيد طريق على سبيل المثال." وقال الجاف، إنه ليس من المهم ان كان هذا القريب يعرف اي شئ عن تعبيد الطرق اساساً، فالعقد سوف يباع مرات عديدة، حتى يصل الى ايدي شركة انشاء حقيقية. ولكن عند ذاك ستكون قيمته نصف القيمة الاصلية(تقرير البي بي سي الآنف الذكر)
وعلى حد "معلوماتٍ سربها أحد العاملين في وزارة التخطيط الكردية، ان المشاريع الحكومية لا تمنح بطريقة شفافة واصولية، حيث قال: "يحاول الوزراء وكبار المسؤولين ان يمنحوا المقاولات لشركاتهم او للشركات التي يملكها اصدقاؤهم وذلك ليكون لهم من الطيب نصيب كما يقال"(التقرير نفسه)

ربما، هنا تحديداً، يكمن سر الفساد المفصّل، كردياً، وبالتالي السبب الأساس وراء غياب الرأسمال المنتج، كالرأسمال الغربي مثلاً(الأوروبي بشكل خاص) عن التوظيف في كردستان، واحتكار الشركات التركية "الفاسدة"(ليس لأنها تركية، كما قد يفهم البعض، ولكن لأنها استطاعت أن تتأقلم بسهولة مع فساد الإقليم، من خلال حصولها على كلمة السر الكردية، المسؤولة: "حصة المسؤول في الحفظ والصون"، أو "وقعّ على العقد واطلب حصتك في التمام والكمال")، للغالبية العظمى من سوق الإستثمارات في كردستان العراق.
فالشركات الغربية، لا تدخل في هكذا سوقٍ "مفترضة"، غير محسوبة النتائج، للحصول على رأسمال "مفترض". الرأسمال الغربي، هو رأسمال السوق "الرياضي"، إذ يحسب بدقة، يضرب ويقسّم، يجمع ويطرح، في حدود عقودٍ موقعة، واضحة، وصريحة، تحسب احتمالات الربح والخسارة، بعيداً عن المحسوبيات، والوساطات، وسوق "التواقيع السوداء"، التي تباع في فرع هذا المسؤول الحزبي "الكبير"، أو وزارة ذاك الوزير المتفرغ لشئون الفساد، أو مكتب هذا المدير، ومضافة رئيس تلك العشيرة.
الرأسمال الغربي، هو رأسمال "منتج"، يأخذ مقابل ما يعطي، وفقاً لنصوص عقودٍ موقّعة، إذ يحسب ب"دقة"، ويدخل إلى السوق بدقة، ويخرج منها بدقة، وهذا ما يستحيل تمكينه في كردستان "العقود الهوائية"، و"المشاريع الهوائية"، المُدارة من قبل "رأسمالٍ هوائي"، معتمَد كلياً، على تواقيع المسؤولين "الهوائية".

وحسب تقارير طازجة، فإن "هناك ما يقارب 700 شركة تركية في كردستان العراق، إما بشكلٍ مباشر، او كشركاء مع شركات محلية".
وبناءً على ما صرحّ به رئيس هيئة الإستثمار في كردستان العراق، هيرش محمد، في أحد التقارير، ف"إن في شهر أوكتوبر الماضي قد جرى عقد جديد مع شركة تركية بقيمة 26 مليون دولار لإنشاء مجموعة من منشآت مشروع الجامعة الأميركية في مدينة السليمانية، إضافةً إلى التفاوض مع شركة أخرى لإنشاء أكبر مشروع صناعي في الإقليم(معمل لصناعة الأسمنت) بما قيمته 250 مليون دولار(وكالات أنباء متفرقة).
وحسب تقارير أخرى(بما فيها تلك القادمة من جهات الإقليم الكردي، الرسمية)، ف"إن الشركات التركية قد حصلت في الأعوام الأخيرة على حوالي 70% من عقود الإعمار والاستثمار في كردستان العراق"(أصوات العراق، 02.11.07).
مصادر أخرى تقول "أن 80% من الإسثمارات الأجنبية في كردستان العراق، هي تركية".
ووفقاً لمعلوماتٍ اطلع عليها مجلس الأمن القومي التركي، ف"إن 80% من أصل 149 شركة تعمل في ميناء ميرسين في حقل التجارة مع العراق، أسسها عراقيون بالشراكة مع أتراك(د. محمد نورالدين: الإقتصاد بين تركيا وكردستان...مَن يعاقب مَن/ السفير اللبنانية، 26.10.07).
فالظاهر، هو، أن القائمين على إدارة الرأسمال التركي واستثماراته في كردستان العراق، قد خبروا مع شركائهم المسؤولين الأكراد، القائمين على شئون الفساد، عبر "تواقيع سوداء"، "كيف ومن أين تؤكل الكتف الكردية".

بمجرد توجيه أي نقد أو "ملامة" إلى كردستان وتجربتها في "الديمقراطية العشائرية"، فسرعان ما يُجابه صاحب النقد بسيلٍ من الكليشيهات الجاهزة، ك"اللاموضوعية" و"الإبتعاد عن الواقع أو القفز فوقه"، و "النقد الغير مناسب في الزمان والمكان الغير مناسبين"، و"عدم أخذ التجربة الكردستانية الناشئة، وطراوة عودها في الحسبان"، وسوى ذلك من الحجج والذرائع المعلّبة، والمصنّعة، كردياً، خصيصاً، لمواجهات من يُسمَون ب"أعداء كردستان"، أو "الحاقدين على التجربة الكردية"، وغيرها من المسميات "التكفيرية"، والمصطلحات "التخوينية"، التي تعج بها قواميس آل الحكم في شرقنا المنكوب.
الساسةُ والمسؤولون الكرد، إذ يتحججون ب"طراوة عود كردستان"، و"ناشئيتها"، ينسون(أو يتناسون) الملايين الخضراء "الناشئة"، الكثيرة والغزيرة، التي جمعها مسؤولو كردستان "الناشئون"، في زمن قياسي "ناشئ"، لا يُصدق.

ففي الوقت الذي تجاوزت فيه ميزانية كردستان الستة مليارات دولار، نرى في السليمانية(ثاني أكبر مدن كردستان) مثلاً، قد تحولت من جهة، إلى "مقام للمليونيرية"(لأكثر من ثلاثة آلاف مليونير كردي، حسبما صرحّ به رئيس الجمهورية جلال الطالباني، أكثر من مرة)، ومن جهةٍ أخرى، آلت هي ذاتها إلى "كردستانٍ في زمن الكوليرا"، حيث يقول سكانها من الغلابة المحرومين من نعيم الفوق الكردي، "إنهم لا يحصلون على المياه الجارية الا لأربع ساعات كل ثلاثة ايام، اما التيار الكهربائي، فلا يصلهم الا لثلاث او اربع ساعات في اليوم".

ومع ذلك لم نسمع، أو نقرأ، أو نشاهد أحداً في "الفوق الكردي"، قد حاسب أحداً، يوماً، أو سأل في قرارة نفسه، أو شريكه الآخر في "كعكة كردستان"، سؤالاً شفافاً بسيطاً: "من أين لك هذا؟

"الفساد كالفيروس يقتل كردستان"، هذا ما قاله أحد قادة البيشمركة العتيقين، سامان الجاف للبي بي سي.
فالفساد والإفساد، باتا، على ما يبدو، عنوانين كبيرين بين "الخطوط الخضر" المتفق عليها كردياً، في كردستان المتقاسمة بين "السليمانية" و"هولير"، فيفتي فيفتي.

ولكن الباقي من السؤال، لما تبقى من كردستان وأكرادها الجنوبيين، هو:
إلى متى ستبقى كردستان، "صكاً أخضراً"، تتقاسمه جيوب الحزبين الكرديين الحاكمين؟
إلى متى ستغيب كردستان الوطن، وتحضر كردستان الحزب والعشيرة؟
إلى متى ستُساد كردستان، ويسود الفساد؟
وإلى متى ستُستغرق كردستان، هكذا "حمراء"، في فسادٍ بلا حدود، من الخطوط الخضر، والشارات الخضر، والتواقيع الخضر.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحذير دولي من كارثة إنسانية في مدينة الفاشر في السودان


.. أوكرانيا تنفذ أكبر هجوم بالمسيرات على مناطق روسية مختلفة




.. -نحن ممتنون لكم-.. سيناتور أسترالي يعلن دعم احتجاج الطلاب نص


.. ما قواعد المعركة التي رسخها الناطق باسم القسام في خطابه الأخ




.. صور أقمار صناعية تظهر تمهيد طرق إمداد لوجستي إسرائيلية لمعبر