الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اللاَّ مُنتَصِّرْ-جيلٌ مهدرة احلامه [ 4]

عادل الحاج عبد العزيز

2008 / 1 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


(( الى روح ابو العاص: الهوادج عطّلها الرعب/ وانفرط العقد/ وانكسرت صهوات الخيول/ ارجعي بالزغاريد/ فاطمة الاستوائية الآن عارية/ رقصت للوحوش/ وغنت مصفدة/ فلفاطمة القروية أن ترقص/ الآن/ فالساحة إنفتحت لجميع النساء/ ولأني عشقت الغناء/ عشقتك يا فاطمة..))
(الرحيل على صوت فاطمة ، محمد محي الدين)[1]
آخر اللَّيل
نهضتُ فجأةً تلّك اللَّيلة لأتحسس اصابعي .. فقد كانت هي فقط مجرد غفوة قصيرة ربَّما فصلت بين مقالنا السابق وهذا القادم مجدداً. لا يكاد يدبر حزنَّنا حتى يتبعه آخر.. ولكنه رسَّخ لدينا يقيناً وعزم بأنَّنا سنظل اوفياء لتلكم الحركة الطلابيَّة السودانيَّة ولجامعاتها، اللَّواتي حملنَّنا وهنناً على وهن .. فلك افضح تورطي ابو العاص انه لم يزل بنا بعضٌ من حلم .. وأننا لا نتقن بعد صنعة الرثاء؛ دامت ذكراك.. فإن هو اهدر الحلم .. فسنظل ابد الدهر نمتشق القلم والكَلِّم.
تعود بي الذكرى ومنها ما ينفع، الى بدايات الألفية هذه والتي اشتهرت بالجديدة. نتجول باحد الأزقة المحيطة بمسجد الحسين بالقاهرة، برفقتي حبيبتي حينها والتي كانت حينها تتصدر القلب مني، ولكنها بكامل ارادتها تنازلت فهي زوجتي الآن! عموماً، كانت هي جالسة الى جواري؛ وامرأة خمسينيَّة ممسكة بكف يدي – هي المرة الاولى التي اترك يدي لأحدهم ليقرأ كفي – لم تترك خطاً من خطوط كنتورها الاَّ وتأملته، كانت هي تضغط على اصابعي الذابلة دون رحمة، برغم اناملها البضة تلَّك وضغطاتِها – عَذرتها – فلربَّما هي لم تتعود طوال مسيرة قراءاتها تلَّك، قراءة كفٍ بهذه الخشونة؛ فمعظم زبائنها من السياح (المنعَّمين) وليسوا بفاريين مثلنا.
قالت: يا ولدي .. هذا الخط يوشي ان عمرك ربما لن يكون فارعاً كطولك.
وكنت اردد داخلي مكابراً "انهم كذبوا لو صدقوا"
اظنَّها قرأت بكفِ لحظتَّها ما كان يجول بخاطري؛ فرمتني بنظرة؛ ثم اردفت " هو في إيه؟!.

من القراءات التي حاولت بها كسر دائرة من الحزن تطورق مشهدنا ولم تنفرج بعد، احاطت بكتابات الجميع في هذه الأيام؛ صادفتُ مقالة رصينة للأستاذ البراق النذير البراق[2] تحمل عنوان لا يخلو من بعض شجن " الفنان محمد منير يغتال مدرسة الشعب" وهو عبارة عن تفاكر بناء، عاد بي لإستدعاء جدليَّة لطالما هي وسمت تراثنا السودانوي الغير محروس الفكري/الأدبي/الديني/ السياسي ؛ وهي جدليَّة الناحل والمنحول. مقال الأستاذ/ البراق تُعد مولد ومجدد لتأملاتنا الوطنيَّة فيما انتحل من تاريخنا الممتد.
ولكن يا.. لروعة وورع هذا المُبدع العملاق الشاعر الأستاذ محجوب شريف وهو يهدي كما اشارت مقالته تلك. بكامل ريع تلك الأغنية الوطنيَّة المتنازعة والباذخة في آن؛ لأهله في معسكرات دارفور.
لينحت بذلك في وجدان أجيالنا قاطبة قيمة رفيعة، وهي ان المبدع دوماً هو من إلتصق بقضايا الشعب.
فوافر عطائه ذاك حفزني لأرسل لشعبي هذه الأبيات، وأنا ما زلت تلميذ في مدرسة شَعبينا (السودانيّ / الاستراليّ) العظيمين[3]:
كسوتني حلة تبلى محاسنُها
فسوف اكسوكَ منْ حسنِ الثَّنا حللا
إن الثناءَ ليحي ذكر صاحبهِ
كالغيث يُحي نداه السهلَ والجبلا
لا تزهدِ الدهرَ في عرفٍ بدأتَ به
فكل عبدٍ سيجزى بالذي فَعَلا

[4] الديمقراطيَّة الثالثة ما بين الإنضواء وفك الإرتباط (يتبع)
وفي وصل لما دشنته كتابتنا السابقة في هذا الجزء من مقالنا، وبإرتكاننا لفرضية تواضعنا على ان تكون كتابتنا به بحسبانها إعادة للقراءة اكثر منها محض استحضار مألوف لمسار التاريخ؛ لفترة مهمة من تاريخ علاقاتنا الثنائية المتصلة والمنفصلة عبر التاريخ. فهناك كثير من النظريات التاريخية الكلاسيكية عالجت تاريخ هذا الإتصال والإنفصال إن جاز لنا تسميته؛ لتتوفر نظريات تاريخية كثيرة يحمل دواخلها ثلاث فرضيات اساسية:
القطيعة الأولى: افتراض ان السيادة الوطنيَّة السودانيَّة تحققت ببزوغ الثورة المهدية. وفقدت بذلك السلطة العثمانية ومصر شرعيتهما في السودان. وبالرغم من ذلك لم تحسم مسألة استقلاله فهي محض ارض بلا مالك او صاحب [4]. وهي الأرض التي فتحت في حملة بريطانية مصرية مشتركة. وهناك اتفاقية الحكم الثنائي واقرت على إدارة مشتركة. وإن كانت تلك الإتفاقية لم تتطرق لمسألة السيادة العليا بشكل حاسم في عام 1899.
القطيعة الثانية: إن ما ورثته مصر عن السلطة العثمانية هو بمثابة ملك متجدد، عضدته بإعادة فتحها له. وهناك اصرار لأصحاب هذه النظرية ان هناك اتفاقية تقر بذلك (أي ادارته ادارة مشتركة) وعليه مصر لها كامل السيادة على السودان، بالرغم من إلتزامها الذي لا تنكره بتعهدها إدارته بالإشتراك (السودان).
القطيعة الثالثة: ربما هي اكثر تهافتاً، فتنكر سقوط السيادة لمصر على السودان بإندلاع الثورة المهدية. وإن كل ما تم هو تحت امرة الخديوي العثماني. واتفاقية الحكم الثنائية، وتصر على ان السيادة على السودان هي للباب العالي العثماني [5].
لا ريب ان كل هذه النظريات السالفة الذكر ظلت مثار للجدل التاريخي المتجدد. ليضاف إليها لا حقاً بعد الحربين الكونيتين الاولى والثانية قضايا اعقد؛ بإعتبار انه وبإنتهائهما بدأ يبرز تُراث احدث في حقل العلاقات الدولية حينها يدعم الوجهة نحو جعل هكذا لغظ وجدال، يجد طريقه الى منضدة التحكيم الدولي. وخير دليل على ذلك هو مسألة التنازع على السيادة لتلك القطعة من الأرض (السودان) والمتنازع حيازتها حينها بين ثلاث جهات مختلفة ( مصر، بريطانيا، السلطة العثمانية). وإن كل جانب يملك حججه التاريخية واتفاقات مبرمة عبر التاريخ لا تخلو نصوصها من الترهل والتشويش. فقد تصلح قراءة ذلك حداثياً الآن، بأنها ما كان لها ان تخرج بتلك الصورة لولا تداخل ما هو سياسي وذاتي لتلك الحقب وركونها للموازنات السياسية الآنية. لتكون المحصلة النهائية نصوص قانونية مبهمة تصعب من محاولة فك شفرتها الآن ان لم يُستصحب كل الفضاء السياسي الذي افضى لصناعتها (نموذج: مشروع برتوكول السودان لمعاهدة صدقي – بيفن ).
بالعودة لبدعة طرح التساؤلات التي تختذنها الذاكرة عن الديمقراطية الثالثة. فإن اجيالنا هذه تحمل ذكريات يتصدرها ذلك المشهد من المتأزم الذي شهدته تلك الفترة لعلاقاتنا الثنائية. اذ كان هو قضية تسليم الرئيس المخلوع جعفر نميري؛ لتتمسك القاهرة حينها بوجوده بأرضها معتبرة اياه حقاً دستورياً تعززه المادة 53 من الدستور المصري في قبالة حماس شعبي سوداني لمحاسبة شخص اضطهد شعبه لفترة امتدت لتصل الى ستة عشر عاماً. تلك الحماسة السودانية المطالبة بتسليمه هي نتاج صنعته ثورتهم الشعبية ( إنتفاضة ابريل رجب 1985)؛ الى جانب ذلك تدعم مشاعرها تلك المعاهدات المبرمة بين الطرفين القاضية بتسليم المجرمين بين البلدين. ولكن المفارقة التي تحتاج لتفكر هنا ان تلك الإتفاقات نشأ معظمها في كنف حكم الدكتاتور المخلوع نفسه !.
وإن كان يحق لأجيالنا هذه سن بدعة إعادة قراءة التاريخ الوطني لتلك الفترة. فكثير من اجيالنا ودون مواربة هنا تؤمن بأن السيد الأمام الصادق المهدي (رئيس الوزراء) كان من اكثر المحطات التاريخية التي اهدرت فيها اشواقها الديمقراطية في السودان. وذلك بإعانته الآخرين في اهدار كثير من السوانح التي ربما لن يجود بها التاريخ مجدداً لترسيخ استراتيجيات مستدامة لتوطين الديمقراطية في السودان. وعونه لإجيال من شعبنا لأنهاء تراث من نمط الذهنية المزاجية الذي افترعه العسكريين لدينا؛ في ما يخص هنا مجال العلاقات الثنائية مع دول المحيط الإقليمي والدولي.
الاَّ ان السيد (الامام) حينها يبدو انه قد ساءه دعم مصر لمجهودات الحزب الإتحادي الديمقراطي (غريمه التاريخي) وزعيم الحركة الشعبية جون قرنق قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان للتوصل لإتفاق به توقف الحرب الأهلية في جنوب السودان (اتفاقية السلام السودانيَّة 16 نوفمبر 1988).
ايها السادة ... ان كل منكم ساهم بقدر ما في اهدار احلامنا .. واغرقها آخرون ... ولم تمتد اياديهم لنجدة شعبنا وأجياله عند الحوجة... فجعلتموه يسكن غفار الحسرة والشقاء وانتم لا تزالون تتحدثون... سادتي ان كنتم تبشرونا بعهدٍ من التغير قادم ... فكل ما نوده هو ان تطرح الحقيقة متبرجة لكل الشعب ... ان كنتم لا تخافون عقوبة جلده لكم نقداً.
نواصل..
عادل الحاج عبد العزيز
الهوامش:ــــــــــــــــــــــــ
[1] الرحيل على صوت فاطمة - محمد محي الدين - جامعة الخرطوم – 1985 – ص 29 - 31

[2] مقالة للأستاذ البراق النذير البراق بعنوان لا يخلو من بعض شجن " سودانيل الإلكترونية 2008/1/15
[3] ادونيس، الثابت والمتحول "بحث في الإبداع والإتباع عند العرب" الجزء الاول ص 195، 2006، دار الساقي، بيرت لبنان.
[4] محسن، محمد، مصر والسودان: الإنفصال بالوثائق السرية البريطانية والأمريكية، ص16 ، الطبعة الاولى 1994، دار الشروق، القاهرة مصر.
[5] المرجع السابق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بوتين يعرض شروطه لوقف الحرب في أوكرانيا • فرانس 24


.. انطلاق مناسك الحج في مكة المكرمة وسط درجات حرارة قياسية




.. سلسلة هجمات لحزب الله على إسرائيل وواشنطن وباريس تسعيان لوقف


.. ما بين هدنة دائمة ورفع حصار.. ما هي تعديلات حماس على مقترح ب




.. جبهة لبنان وإسرائيل المشتعلة.. هل تحولت إلى حرب غير معلنة؟|