الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوطنية في سياقها المفاهيمي والسياسي

معتز حيسو

2008 / 1 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


من الضروري بداية تحديد دلالات مفهوم الوطنية لكونه من المفاهيم المتغيرة والمتطورة نسبياً في سياق التطور الاجتماعي أولاً .
وثانياً : لكونه يدلل على شكل ومضمون البنية السياسية للطبقة المسيطرة /المهيمنة في سياق علاقاتها بالمستويين الداخلي والخارجي .
ثالثاً : لكونه يرتبط بنيوياً بنمط الإنتاج المحدد لأشكال علاقات الإنتاج .
رابعاً : لأنه يعبر في تجلياته السياسية عن شكل الدولة السياسي .
ـ يدلل مفهوم الوطنية في أشكال تجلياته الأولية إلى الحفاظ على الوحدة الجغرافية / السياسية ( الجغرافية السياسية ، جيوبولوتيك) من التدخلات والاحتلالات الخارجية ، الحفاظ على وحدة وتماسك مكونات البنية الاجتماعية المتنوعة في إطار الوحدة الوطنية القائمة على الممارسة السياسية الديمقراطية ، السيطرة على الثروات الوطنية وتوظيفها في إنجاز مشروع تنموي وطني / ديمقراطي يحقق في سياق تطوره ترسيخ التطور الاجتماعي على كافة المستويات ، توزيع الناتج القومي بأشكال تحقق العدالة الاجتماعية. ويتحقق المشروع الديمقراطي الوطني من خلال المشاركة السياسية العامة في صناعة القرارات الحيوية / العامة .
ـ يروج البعض بإمكانية الفصل في بنية المفهوم الوطني ومستويات تجلياته في حقل الممارسة السياسية بأشكال إرادوية ورغبوية ومصلحية ... وإذا كان سائداً بأنه من الممكن حصر الممارسة الوطنية في المحافظة على الكيان الجيوسياسي أو ترسيخ مشروع تنموي بقيادة الفئة المسيطرة / المهيمنة ، بمعزل عن المشاركة السياسية و ( الرقابة ، الإشراف ، المحاسبة ، .. ) فإن ما وصلت إليه معظم التجارب الدولية في هذا السياق يفترض إعادة النظر في فهم وإدراك مفهوم الوطنية و آليات التعامل معه بكونه مفهوماً متعدد المستويات ، وتجسيده يفترض موضوعياً الاشتغال عليه بكونه كلاً واحداً ، و الفصل بين مستوياته يقود في سياق الممارسة السياسية إلى إحداث قطع بين الفئات المسيطرة وبين الفئات الاجتماعية ذات المصلحة في إنجاز المشروع التنموي وتكريس احتكار السلطة واحتواء المؤسسات الاجتماعية . إن تغييب المشاركة السياسية الديمقراطية التي تعتبر الحامل الموضوعي في تكريس وإنجاز المشروع التنموي الاجتماعي قاد ويقود إلى تناقض بين أهداف المشاريع التنموية ذات السمة الاجتماعية المعلنة وبين ما تؤول إليه في سياق الممارسة الفعلية .
إن ما أوردناه يرتبط موضوعياً وبنيوياً بشكل السلطة السياسية المعبرة عن بنية الدولة ونمط الإنتاج السائد / المهيمن الذي يتجلى موضوعياً من خلال التجارب الدولية التي عبرت عن أشكال متعددة لنمط الإنتاج الرأسمالي (في أطوار صعوده المتباينة ) المرتبط بالشرط التاريخي واللحظة التاريخية المتباينة جيوسياسياً . ويتجلى هذا من خلال سيرورة نمط الإنتاج الرأسمالي القائم على الفصل القسري بين قوى الإنتاج ووسائل الإنتاج الذي أسس في سياق الميل الموضوعي لرأس المال المعولم إلى زيادة حدة الاحتكار والاستقطاب على المستويين المحلى والدولي ، والناتجة عن تناقض عوامل ومستويات تطوره البنيوية في سياق تحويله لكثير من الدول إلى مواضيع نهب لزيادة معدلات التراكم في دول المركز أولاً . ولتجاوز تناقضات حركة رأس المال المنعكسة بأشكال سلبية على المستوى الاجتماعي في مستوياته الوطنية / القومية / الدولية ـ ثانياً .
إن تعدد أشكال النمط الرأسمالي واختلاف الشرط التاريخي وتباين أشكال السلطة السياسية أدى في سياق الترابط الاقتصادي العالمي القائم على السيطرة والهيمنة إلى زيادة التناقض الاجتماعي . وإذا نجحت بعض البلدان الرأسمالية المركزية شكلياً في التخفيف من حدة تناقضات رأس المال على المستوى المحلي ، فأنها زادت من حدة التناقض على المستوى العالمي ، لتبقى دول المحيط الرأسمالي التابعة اقتصادياً والمرتهنة سياسياً تعاني من تناقضات رأس المال العالمي المنعكس سلباً على آفاق تطورها ، ومن تناقضات رأس المال المحلي الذي يعمل على تكريس علاقات إنتاج رأسمالية مشوهة تقوم على النهب والفساد والقمع ... المقونن بقيادة سلطة سياسية تعبر موضوعياً عن ميول حركته التوسعية والتراكمية المتناقضة مع المصالح الاجتماعية ، والمعبرة بذات اللحظة عن مصالح فئات اجتماعية مسيطرة في سياق ارتباطه حركته بالرأسمال العالمي .
بما أن النمط الاقتصادي الرأسمالي المهيمن بأشكاله السيادية المتنوعة يفرض أشكالاً من الدولة والسلطات السياسية المعبرة عن ميوله ومصالح نخبه السياسية والاقتصادية ، فإن أشكال النمط الرأسمالي في البلدان الطرفية عموماً ( مع حفظ الفوارق ) تجلت من خلال سيطرة فئات سياسية (برجوازية صغيرة ) لا تمتلك إمكانية الهيمنة الاقتصادية بحكم مأزقها التاريخي المتعدد المستويات والأشكال ، وبحكم تضخم مصالحها الشخصية وضيق رؤيتها السياسية المحددة لمشروعها السياسي المأزوم منذ لحظة ولادته الأولى ،والذي أنتج في سياق تطوره المأزوم تضيّـق أو تضاؤل مكاسب القاعدة الاجتماعية ، للفئات الاجتماعية التي يفترض أن تكون داعمة وحاملة للمشروع ( الوطني ) لكن تناقض المصالح القائم على أساس الموقع الطبقي الذي يتضح في سياق تطور مشروع الفئات المسيطرة ، يضع الفئات الاجتماعية المكونة للقاع الاجتماعي في تناقض بنيوي مع مشروع الفئة المسيطرة ، وقد التبس الموقف من هذا المشروع في لحظة تاريخية معينة على الرأي العام بحكم تقاطع مصالح معظم الأطراف الاجتماعية والسياسية في لحظة محددة ، لكن شكل السلطة السياسية المعبرة عن شكل إنتاج رأسمالي متخلف وفق آليات سياسية شمولية تقطع مع أشكال الممارسة السياسية الديمقراطية ، أسست إلى احتكار السلطة و شفط الموارد الوطنية والاستفادة من رأسمالها السياسي في تنمية مشاريعها الاحتكارية المتناقضة مع المصلحة الوطنية العامة ، والتي عززت حدة التناقض الاجتماعي المتناقض موضوعياً مع أي ميول قد تبدو بأنها وطنية في هذا المستوى .
إن بعض الأشكال والتجارب التاريخية أسست لتنمية اقتصادية وطنية ، لكن غياب الممارسة السياسية الديمقراطية أدى إلى تقطيع جذورها الاجتماعية التي تشكل الضمانة الفعلية لحماية أي مشروع اجتماعي تنموي ، هذا إضافة إلى أن المجتمع بشرائحه وفئاته المتعددة معني بشكل مباشر في بسط وإنماء وتعميق المشروع التنموي الذي يحمل السمة الوطنية والديمقراطية . وبعض التجارب أسست لتنمية اقتصادية لكنها لم تتمتع بأي من السمات الوطنية ، وهناك تجارب تمتعت فيها السلطات السياسية الحاكمة بالوطنية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية لكنها تراجعت أمام افتقارها لعوامل التنمية المستقلة وتزايد الضغوط السياسية والاقتصادية الدولية .وتجارب أخرى لم تكن فيها السلطة السياسية السائدة وطنية أو ديمقراطية ...
لكن معظم هذه التجارب انهارت أو تراجعت أمام تزايد حدة التناقضات الداخلية بفعل تفتت البنى الاجتماعية وتغييب تشكيلاتها السياسية الذي أدى إلى غياب الحوامل الاجتماعية للمشاريع الديمقراطية الوطنية أو التدخلات الخارجية أو كلاهما معاً .
(( إن معظم التجارب الدولية التي تباين فيها الترابط الوطني بمستوياته المتعددة ، وبين الديمقراطية بأشكالها ومستوياتها المتعددة أيضاً ، والتي حاولت تجسيد مشاريع اجتماعية وطنية كانت سيرورتها التاريخية ترتد متأزمة أمام تزايد حدة التناقضات الناتجة عن هذا التباين ... ))
ما نود التركيز عليه في هذا السياق هو أن أشكال الدولة الحديثة بمختلف تجلياتها تتحدد بكونها دولاً ذات نمط إنتاج رأسمالي متباين التطور ، وهذا التباين يفرض أشكالاً مختلفة ومتعددة من الدول والسلطات السياسية التي تجسد وتكرس هذا التباين في سياق ممارستها السياسية ، والتي تتحدد وتتشكل وفق نمط الإنتاج الرأسمالي الذي يقوم على التبعية والارتهان بين المركز الرأسمالي ومحيطه . وكما بات معروفاً فإن الدول عموماً و الحديثة حصراً مرت بطور من التطور حققت من خلاله التوافق بين المستويين الديمقراطي والوطني ، لكن وبحكم قانون التراكم الرأسمالي ، وبحكم التوجهات الإمبريالية لدول المركز الرأسمالي فإن قطيعة حصلت بين المستويين منذ أواسط القرن الثامن عشر، وتحولت فيها البلدان المحيطية نتيجة القوانين الموضوعية لتطور حركة رأس المال العابر لحدوده القومية وفق أشكال وصيغ احتلالية إمبريالية إلى مواضيع نهب واحتلال إما بأشكال مباشرة أو بالوكالة من خلال سلطات سياسية مرتبطة وتابعة وفق أشكال ومستويات متعددة ، معيقة بذلك سيرورة التطور .
وهذا يقودنا إلى أن الدول الحديثة عموماً تشكلت على أساس علاقات الإنتاج الرأسمالي وإن تباينت في أشكالها ومستويات تطورها ،لكن وبعد تراجع وانقضاء وخفوت بريق الدولة القومية ذات المشروع الوطني / الديمقراطي / التنموي نتيجة أسباب موضوعية وذاتية متعددة ،فإن أشكال الدولة الحديثة ( القومية ذات المشروع الوطني/ الديمقراطي في السياق القومي) في المحيط الرأسمالي ومن دون مواربة وصلت في سياق تطورها إلى تكريس علاقات إنتاجية رأسمالية محكومة بالتبعية والتخلف والتشوه الاقتصادي والأيديولوجي .
إن ما أوردناه يقودنا إلى نتيجة مفادها بأن أشكال الدولة الطرفية المتخلفة ،والمحكومة من قبل سلطات سياسية شمولية ، ... تتناقض مصالحها مع السيادة الوطنية القائمة على تحقيق المواطنة في سياق إطلاق الحريات المدنية والسياسية ، وتتناقض مصالحها أيضاً مع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمفهومها الديمقراطي الشامل والذي يعتبر مدخلاً إلى التحرر الاجتماعي من قيود الماضي .
وهذا يؤكد بأن مهمات التغيير الوطني الديمقراطي يجب أن تقوده تشكيلات وقوى اجتماعية تمثل مصالح القاع الاجتماعي ،في سياق مشروع اجتماعي يؤسس لفهم وطني شامل يقوم على وحدة وتماسك البنى الاجتماعية في ظل نظام سياسي ديمقراطي يمثل كافة الفئات والشرائح الاجتماعية ، ويكون حاملاً ومجسداً للمشروع الديمقراطي بكافة أبعاده الاجتماعية ، وهذا الشكل السياسي يعتبر الحلقة المفتاحية في سياق إنجاز مشروع وطني ديمقراطي من خلاله يمكن مواجهة التدخلات الخارجية والسياسات الأمريكية والصهيونية التي تعمل على إعادة ترتيب المنطقة على أساس الديمقراطية الشكلية التي تكرس وتنمي المكونات الأساسية والأولية للمجتمعات الراهنة بدلاً من تجاوزها بالأشكال الديمقراطية السياسية / الاجتماعية التي لا تستطيع الولايات المتحدة أو أياً من أتباعها على تكريسه لأنه يتنافى ويتناقض مع المصالح الحيوية لهذه الأطراف .
إن العمل على تكريس مفهوم الوطنية على صعيد الممارسة السياسية لا يتحمل في اللحظة الراهنة الفصل بين مستوياته سواءً المتعلقة منها بمواجهة التدخلات الخارجية والحفاظ على الوحدة الجيوسياسية ،ٍ أو ما يتعلق منها في المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تفترض تكثيف تضامن وتوحيد القوى الديمقراطية / الوطنية لإنجاز مشروعها الديمقراطي الوطني ، وتكمن ضرورة التأكيد على هذا الترابط تزايد حدة التناقضات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية وتزايد الضغوط الدولية . وهذا يفترض بداهة الترابط بين المستويين الوطني والديمقراطي الذي يعتبر المخرج الوحيد من الأزمة الراهنة ، والذي يعتبر تجاوزها مدخلاً إلى مجتمع إنساني أكثر تطوراً يمثل خطوة أولى في سياق المشروع الديمقراطي / الوطني بمعانيهما الشاملة .

5/1/2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الرئيس التونسي قيس سعيد يحدد يوم 6 أكتوبر موعدا للانتخابات ا


.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويعلن تحقيق انتصارات على




.. حادث طعن في مجمع تجاري في #كرمئيل شمالي #إسرائيل حيث جرح 3 أ


.. يائير لابيد: على الجيش احترام قرار المحكمة وتنفيذ قانون التج




.. المبعوث الأميركي آموس هوكستين يعقد محادثات جديدة في باريس بش