الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات حول حوار الاستاذين الجليلين كاظم حبيب وسيار الجميل

عبد العالي الحراك

2008 / 1 / 22
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


الحوار والجدل الثقافي والفكري والسياسي الدائر بين الاستاذين كاظم حبيب وسيار الجميل , كان حوارا هادئا , مفيدا في حلقاته المتعددة ومحاوره المختلفة , سواءا تلك التي اتفق الطرفان فيها وتلك التي اختلفا . وفي رأيي لو تركز الحوار والجدل حول محور واحد في كل حلقة , واشبع بالتحليل والامثلة والمقارنات لكان افضل , لان المرور عابرا حول رأي طرف في محورما والرد عليه من قبل الطرف الآخر في حلقة حوار قادمة , ينقص الفائدة الاجمالية للحوار و يعطي انطباعا للقارىء الذي لا يعرف عن قرب مستوى الأستاذين المتحاورين وكأنه ينقص المتحاوران معرفة واطلاعا . وهذا عكس الحقيقة التي عليها فاضلانا الآستاذان الجليلان.
ليس جميلا ولا يليق بالاستاذ الجميل ان يسيء الظن ببعض المتداخلين على حوارهما ويتهمهم ( بالطفيليين والطارئين) فالصفتان لا تليقان بمن يكتب في الحوار المتمدن , كما لا تليقان بمستوى الاستاذين نفسيهما. فلو ان ( طفيليا او طارئا ) ما قد اساء التعبيراو اساء استخدام الكلمة المناسبة بحق الاستاذ الجميل , لكان من الافضل عليه أي الاستاذ الجميل , ان يذكر اسمه والعبارة السيئة التي ذكرها , وينبهه الى ضرورة الارتقاء الى مستوى الحوارالمتمدن . اما اذا كان نقدا موضوعيا , فيجب ان يتقبله برحابة صدر. ولكنه ومع الاسف الشديد اطلق تلكما الصفتين الجارحتين دون تأني , و قد يكون من باب الغضب والامتعاض الطارىء . وهذا وارد على صفحات المواقع الالكترونية , لان مستويات الكتاب والكاتبات متباينة ومختلفة , وليس الجميع كتابا محترفين وذوي خبرة واطلاع واسعين , كما يحصل في الحلقات الحوارية العلمية والاكاديمية بين العلماء والمثقفين. ويبقى العتب على الارقى في ضرورة التصرف الارقى.
ان فقدان المنهج العلمي المتسلسل لأي محاور الذي هو بمثابة البوصلة , يضيع الفكرة ويجعله يتخبط بين هذا المنهج وذاك فيأخذ من اليمين ويخلطه بالشمال , رغم انه كاتب ومثقف معترف به وتشهد له كتبه ومؤلفاته , وامضى سني حياته بالقراءة والدراسة والبحوث والتأليف . وهذه صفة عامة للمثقفين اليمينيين الرجعيين والدينيين وهم قلة . اما اولئك الذين لم يستقروا بعد على منهج فكري , فتراهم انتقائيون لما ينفع ما يريدون ان يقولون او يكتبون , فكتبهم ومؤلفاتهم تملأ المكتبات , ومجتمعنا في تخلف وتردي مستمر , وعليهم تقع المسؤؤلية. اما اولئك المتنورون ذوا المنهج العلمي الصحيح فهم ممنوعون من الادلاء بآرائهم في مجتمعاتهم العربية والاسلامية خلال الفترات الزمنية المنصرمة والحالية , وليست لهم مؤلفات في مكتباتنا الشحيحة الا ما ندر, لهذا هم في صراع دائم مع التخلف بكل صوره واشكاله.
قد ينتقد تلميذا استاذه ولا ضير في ذلك , عندما يكون هذا التلميذ لامعا في امر من الامور و يتابع ما يصدر عن اساتذته وغيرهم . ثم ان الاستاذ ليس مقدسا . والاستاذية شرف ورفعة للاستاذ والتلميذ في نفس الوقت . وليست قدسية لأحد من بني البشراو عصمة لآخر . اتذكر في سنة من سنين الدراسة الثانوية .. كنا طلابا على ابواب الامتحانات الوزارية , تعرضت انا شحصيا الى محاولة عقوبة من قبل ادارة المدرسة ( اقول محاولة لأنها لم تنفذ) لأنني طالبت استاذي في اللغة العربية ان يواصل معنا الدرس حسب الجدول الاسبوعي , دون ضياع الوقت في الحديث عن اموره الشخصية اثناء الدرس . غضب مني جدا هذا الاستاذ واعتبرها اهانة له . فشكاني لدى مدير المدرسة , ولا اعرف لماذا مدير المدرسة .. فكان بأمكانه ان يتصرف معي بشخصيته وصلاحياته , دون تعريض نفسه ووضعه امام المدير وبقية الاساتذة , بموقف المشتكي .. استدعيت من قبل المدير مباشرة , وبينما اقف قرب الادارة واذا بالاساتذة يخرجون الواحد بعد الآخر متوجهين الى الصفوف , اخذوا يسألونني عن سبب وجودي قرب الادارة , فشرحت لهم الموقف , وبدؤا يضحكون من زميلهم , وان الامر لا يستدعي كل ذلك خاصة وان بعضهم يعرفني طالبا مواظبا على الدرس وحريص على النجاح بدرجة مناسبة. عادوا جميعا الى المدير يوضحون له موقفي وحالتي الدراسية ويطلبون منه ان لا يعاقبني . فعلا لم يعاقبني المدير بل نبهني الى ضرورة احترام الاساتذة في كل الظروف والاحوال . شعرت بالخطأ لأني انتقدت الاستاذ اثناء وجوده في الصف وامام الطلاب. فكان يفترض بي ان اطلب منه ما بخلدي خارج الصف.
يبدو ان الاستاذ الجميل يريد حصر الجدل والحوار بينهما فقط , او مع اشخاص معروفين لديه وليس (نكرة او طارئين كما يصف) , كما انه يحب الاطراء لكي يتشجع على الاستمرار بالحوار. يأتي الاطراء والمديح تلقائيا , كما يأتي النقد والتوضيح , ولكل دوافعه ولوازمه ولا بأس في الامرين . فالحوار المتمدن ليس ديوان خليفة من بني العباس او بني امية , يرتادونه شعراء البلاط للمدح والارتزاق . يفترض بالكاتب والمثقف ان يناقش الرأي والفكرة ومدى صحتها وحيويتها , قبل الانتباه الى اسم وعنوان صاحبها ان كان معروفا او مجهولا . وكلنا يتذكر ذلك الطالب الذي وضع اسم طه حسين على مقالة كتبها هو, بينما وضع اسمه على مقالة اصلية لطه حسين . فحصلت مقالته على درجة اعلى في التقييم , لأنها تحمل اسم طه حسين , رغم الفارق في المقالتين والكاتبين , لان الاستاذ نظر الى اسم الكاتب ولم ينظر الى محتوى المقالتين ويقيمهما كما يجب.
الحوار بينكما ايها الاستاذان الجليلان يعبر عن آرائكما الشخصية , وهي معروضة على الملأ للاطلاع والنقد ايضا ,وهي ليست قرآنا مقدسا , وانما اراء بشر يصيبون ويخطئون , فما يقوله الاستاذ كاظم حبيب ويتفق معه الاستاذ الجميل فالامر هنا جيد ,ولكن قد لا يتفق معكما ثالث.

الماركسية لا تؤمن بالمطلق وكل الامور في الحياة نسبية . فمن يعتقد بأنه يملك الحقيقة المطلقة فهو يخطأ ولا يفهم من الماركسية شيئا .
ان بعض زعماء وقادة الاحزاب الوطنية واليسارية في عالمنا العربي والعراق خاصة . كان بأمكانهم ان يحققوا نجاحات سياسية في بلدانهم , لولا العداء الشديد الذي وجهوا به اولا , أي انهم لم يمارسوا او يجربوا تجربة سياسية بشكل روتيني وفشلت من تلقاء نفسها , بل ناضلوا ومعهم قطاعات واسعة من الشعب نضالا مريرا , وصراعا مع السلطة ومع تخلف المجتمع , ولم يكن هناك أي دورايجابي فعال لأي مثقف , سوى مثقفيهم الذين ملأ بعضهم السجون واخرون ملئوا الدنيا لجوءا, بالاضافة الى اخطاء اولئك الزعماء والقادة . فلا تحمل الفشل واسبابه على الفكر والنظرية الماركسية التي تبنوها واهتدوا بها, بل ايضا اخطاء بعض المثقفين الذين لم يستطيعوا استيعاب ما قرأوه على امتداد عشرات السنين .
ليست هناك صحوة امريكية مفاجئة للدكتاتورية في عالمنا . هناك خطط وستراتيجيات امريكية مبنية على الاحتلال والاستغلال , الذي لا يتفق مع الوعي والديمقراطية لشعوب الدول المستغلة (بفتح الغين) . كيف تتمكن امريكا ان تستغلنا ونحن واعون ؟ هل تستطيع امريكا الان ان تستغل اليابان او المانيا مثلا , كما تستغل العراق الذي افرغته حتى من القليل القليل من كوادره وسلطت عليه اشد البشر تخلفا؟ .
الكلام عن الصحوة والصحوات لا يناسب حوارا راقيا , يفترض ان يكون منهجيا كما يتبنى الاستاذ كاظم حبيب. وانا التمس العذر ان اعتب عليه لأنه يطلب من امريكا والدول الغربية ان تساعدنا في انتشار الديمقراطية. هذا لا يحصل يا استاذي العزيز لانه يتناقض مع مصالحها .
ممكن ان تتنافس في مساعدتنا هذه الدول , عندما يمسك العراقيون الديمقراطيون الاصلاء بزمام الامور, ويهددوا مصالح امريكا والغرب ,فعندها ستتنافس هذه الدول مع بعضها البعض , في سبيل الكسب في العراق , وهذا لن يحصل في المنظور القريب , لان الوطنيين العراقيين مازالوا نيام , وبعضهم يخطو خلف الامريكان , مع علمهم بأن امريكا لم تأت بديمقراطية للعراق , ولم تسمح بنشرها , بل عزلت الديمقراطيين اصحابها , وساعدت اليمين الديني على استلام السلطة لأن معه يمكن الأستغلال والبقاء .
انا اسأل الاستاذ الجميل . ماهي القوى السياسية الديمقراطية في العراق او في البلدان العربية التي يؤيدها ويلتزم بنضالها , وعلى استعداد لدعمها اذا لم تكن في مقدمتها القوى اليسارية والعلمانية ومن يتبنى الفكر الماركسي عل وجه الخصوص؟ فاذا كان يحمل النظرية الماركسية اسباب فشل تلك تجارب القوى , فكيف يؤيدها ويدعمها ؟ ام هو من باب خلط العبارات بين الشمال واليمين؟ ثم اعيد عليه سؤاله ليجيب بنفسه وبقية المثقفين . لماذا لم تكن هناك قوى ديمقراطية عراقية قبل دخول امريكا لتستلم السلطة؟ الاستاذ الجميل مؤرخ مطلع , وتاريخ العراق في حقبة صدام ما زال طريا , وصفحاته السود تعطي الجواب الشافي . ثم تاريخ لجوء الوطنيين الديمقراطيين العراقيين وجلهم ماركسيين الى الخارج يضيف اجابة اخرى.
لا يمكن التأجيل ولا يمكن التأهيل للديمقراطية في العراق . انها صيرورة تطورية حضارية, يخلقها الانسان العراقي الواعي بجهده ونضاله , وعوامل خارجية فوق ارادته , قد تساعده وتعجل في اكتمال بناء الديمقراطية , كما حصل في اليابان ودول اوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية . وقد تخذله وتعطل والوضع الحالي في العراق اقوى دليل. المطلوب من القوى الوطنية الديمقراطية العراقية ان تعتمد على نفسها مهما قلت وضعفت , فهي ستقوى بالعمل المخلص والنضال الدؤب , ويجب ان يتقدم المسيرة المثقفون الواعون سياسيا والملتزمون وطنيا , لا ان يتفرجوا وينتقدوا من خلف غرفهم الزجاجية. فهل مثقفونا غير الماركسيين هم بهذه الدرجة من الشعور بالمسؤؤلية ؟ ام يستمروا يطرحون امورا لا تضر ولا تفيد , من قبيل التأجيل والتأهيل للديمقراطية, وكأنما الديمقراطية انسان آلي ميكانيكي تصنعه لنا اليابان او امريكا .
لا تبسطوا الامور الى هذا المستوى .. فبريمر جاء الى العراق لينفذ سياسية بوش اليميني المحافظ الديني والصهيوني , وهي سياسة امريكية للحزب الجمهوري اليميني الصهيوني الحاكم , فلما لم يجد وضعا عراقيا عاما سهلا , كما كانوا يرغبون ويتمنون , اشاعوا الدمار والفوضى واثارة الاقتتال الداخلي بديلا. فهي خطة وسياسة تخدمهم , مع بعض الخسائر والتضحيات في جنود مرتزقة , لا يهم بوش امرهم الاعندما يصل الحد الى تهديد استمراره بالرئاسة وحزبه. وليس كما تفسروه , بان بريمر لا يفهم وضع العراق ولا يعلم شيئا بالسياسة, ناسين بأن بوش نفسه وطاقمه لا يفهموا وضع العراق ولايعلموا شيئا بالسياسة . وهذا هو حال قادة اليمين في الدول العظمى في العالم , الذين لا يفهموا من السياسة والتعامل مع الاخرين الا التهديد واستعمال القوة و الحرب والاستغلال .
ليس القصد من الحواراستعراض الآراء والافكار , ثم الابقاء عليها مخزونة كما هي لدى المتحاورين , بل محاولة تغيير مفاهيم ومبادىء الاخر نحو الصحيح , بعد اثباته وتأكيده خاصة من الناحية العلمية الواقعية والمنطقية التاريخية , والا بأمكان أي شخصين ان يتحاورا بأفكارهما في غرفة لوحدهما , او في الشارع العم او في حديقة , دون فائدة مباشرة للآخرين .
ان الاستاذ الجميل لا يؤمن بالمنهج الجدلي الماركسي . فكيف يناقش امرا بدون منهج علمي واضح ؟ وان الاسلوب الليبرالي الذي يستخدمه لا يقود الى نتيجة ايجابية لانه يخلط بين الرؤى والافكارحسب المصالح والمنافع الحوارية الآنية . وهذا ما يكون عليه جميع الليبراليين.
صحيح ما يقوله الاستاذ حبيب في ان الاستاذ الجميل يطلب من المبدأ ان يغير الحياة ,ثم يلومه و يعتب عليه اذا فشل , ويحمله المسؤؤلية . بينما تغيير الحياة هو من واجب الانسان , ان يهيأ افكاره وخبراته ويتصرف بها بموجب عقله , ويحدث التغيير في الواقع الحياتي الذي يعيشه , وقد ينجح او يفشل , ضمن مجموعة من الظروف الذاتية والموضوعية. اعتقد لو ان الاستاذ الجميل قد اعطى وقتا مناسبا من حياته الاكاديمية لدراسة الماركسية بحيادية عالية, لأستطاع ان يدير حوارا اكثر أثارة وفائدة مع الاستاذ كاظم حبيب .
شكرا لكما واتمنى لكما التوفيق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نواب الجمعية الوطنية الفرنسية.. مفاوضات مرحلة ما بعد الانتخا


.. ما ردود الفعل في أوروبا على نتائج الانتخابات التشريعية في فر




.. حماس تتخلى عن مطلب وقف إطلاق نار دائم كشرط مسبق للتفاوض للإف


.. صور حصرية لحرق مستوطنين شاحنات بضائع ومساعدات في طريقها إلى




.. بسبب القصف الروسي.. دمار كبير في مستشفى الأطفال ومبان سكنية