الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدبلوماسية الوقائية

عصام عبدالله

2008 / 1 / 22
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


في مذكرات هنري كيسنجر‏ وزير خارجيه أمريكا الأسبق‏ ، في عصر الحرب الباردة ، العديد من الحواديت الطريفة والبذيئة أيضا‏ ، وإن كان أغلبها لا يخلو من دلالة تبرز حنكته كدبلوماسي داهية .
منها أنه اجتمع مع مستشاريه قبل بدء رحلاته المكوكية إلي الشرق الأوسط لمعرفة أفضل السبل وأسرعها لإنجاح مهمته الصعبة ، فأشار عليه أحدهم‏ ، وكان متخصصا في علم النفس‏ ، بأن ذلك سيتوقف أولا ، وقبل كل شيء ، علي فيض القبلات والأحضان التي سيغدقها علي كل من يقابله في الشرق الاوسط‏ . فإنزعج كيسنجر جدا من هذا الكلام ، لما يوحي به من معان غير سوية ، خاصة بين الرجال في الغرب‏ ، علي العكس تماما مما هو متبع في الشرق‏ . ولكنه أمتثل في النهاية ، بعد تفكير وروية ، وأصبح كيسنجر من أبرع الدبلوماسيين الغربيين في "فن القبل‏ " . !‏

تذكرت هذه الحدوتة وأنا أقرأ الكتاب الممتع للدكتور قدري حفني أستاذ علم النفس السياسي ، والخبير في الصراع العربي الإسرائيلي ، " لمحات من علم النفس‏..‏ صوره الحاضر وجذور المستقبل‏ " الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .‏ اذ لم يعد بالفعل ثمة مجال من مجالات الحياة المعاصرة بعيدا عن اسهامات وتطبيقات علم النفس رغم ان الذهن ينصرف عادة عند الحديث عن تلك التطبيقات ، إلي الأمراض النفسية وفنون علاجها‏ ، وفي أفضل الأحوال فإنه قد يلمس هذه التطبيقات ، في مجالات كالتربية والتعليم والصناعة والإعلام ، وما الي ذلك من مجالات قد تدخل في مجال السياسة الداخلية ، لكنه نادرا ما يتسع المفهوم ليشمل قضايا السياسة الخارجية ، وهنا بالتحديد تكمن أهمية هذا الكتاب‏ .‏
ان فروع علم النفس المعاصر التي أصبحت تتجاوز الخمسين فرعا‏ ، تسهم بشكل أو بآخر في قضايا الصراع الدولي والسياسة الخارجية ، ويكفي أن نشير إلي فرع واحد من هذه الفروع وهو علم النفس السياسي ، وحسب المؤلف فإن له دورا في تزويد صاحب القرار بما يلزمه من بيانات موضوعية تتعلق بإتجاهات الرأي العام المحلي والعالمي‏ ،‏ الراهنة والمتوقعة . بحيث يضمن للقرار السياسي أكبر قدر ممكن من التقبل والتأثير ‏.‏
كذلك تزويد المفاوض بما يلزمه من معلومات عن فنيات التفاوض وسمات الطرف الآخر التي تؤثر في أسلوبه التفاوضي‏ ، واتجاهات الجماعات الضاغطة حيال الموضوع محل التفاوض‏...‏ الخ‏ . كما يلعب علم النفس السياسي دورا أساسيا في مجال إدارة الأزمات الدولية بما يتيحه لصاحب القرار من معلومات تتعلق برؤية الجماهير في الداخل والخارج لطبيعة الأزمة ، وتوقعاتهم لمسارها ، بما يسهم في ترشيد قرارات إدارتها‏ .‏

ويشير المؤلف إلي مستقبل علم النفس السياسي‏ ، خاصة دعوة " جان ايلياسون " وزير خارجية السويد‏ الأسبق ، الذي كان سفيرا للسويد في الولايات المتحدة ، كما أنه عمل لفترة في سفارة السويد بالقاهرة ، لإقامة علاقة وثيقة بين علم النفس والدبلوماسية ، مؤكدا علي أن انفجار الصراعات الداخلية أصبح السمة المميزة لعالم اليوم‏ ، وأن الدبلوماسية الوقائية تكتسب في مثل هذا الموقف معني جديدا يقتضي تطوير ما أطلق عليه " ثقافة الوقاية " التي ينبغي أن يتزود بها الدبلوماسي‏ ، وتشمل هذه الثقافة فيما يري ايلياسون‏ ، عدة مكونات منها‏ :‏ عيون وأذان سيكولوجية تلتقط النذر الأولي للإنفجارات المتوقعة . فهما علميا أعمق لطبيعة جذور الصراعات العرقية والحضارية والدينية ، واستراتيجيات حلها كالتفاوض والوساطة والتصالح‏ .‏ والإحاطة الدقيقة بأساليب توفير الثقة المتبادلة بين أطراف النزاع بعد إنهائه ، ضمانة لإستمرارية ورسوخ استقرار الأوضاع .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي اللهجات.. مقارنة بين الأمثال والأكلات السعودية والسورية


.. أبو عبيدة: قيادة العدو تزج بجنودها في أزقة غزة ليعودوا في نع




.. مسيرة وطنية للتضامن مع فلسطين وضد الحرب الإسرائيلية على غزة


.. تطورات لبنان.. القسام تنعى القائد شرحبيل السيد بعد عملية اغت




.. القسام: ا?طلاق صاروخ ا?رض جو تجاه مروحية الاحتلال في جباليا