الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التربية المسرحية في العراق

خالص عزمي

2008 / 1 / 22
الادب والفن



كنت في الخامسة من عمري يوم شاهدت ذلك الساحر البارع الذي جاء من لبنان وقدم عروضا ادهشتنا ؛ وخاصة تلك التي كان يتحاور فيها مع مساعده ؛ او بعض افراد الجمهور ؛ بطريقة تمثيلية بارعة ؛ لقد بقيت لايام وانا احلم بمشاهدة ثانية لذلك العرض الذي شد حواسي اليه .
مرت فترة طويلة من الزمن دون ان انعم بشيء يقترب من ذلك الابهار ؛ حتى كانت تلك الفرصة الثمينة وانا في الثالثة عشرة من عمري ؛ فقد قررت متوسطة كربلا ء تقديم مسرحية ( شمعدانات الاسقف ) المقتبسة عن البؤساء لهوجو ومن اخراج الاستاذ مهدي الجاسم ؛ وكان ممن ادوا ادوارهم بتـميز الطالب( بدري حسون فريد ) حيث انيط به دور (برسميه ) . ؛ اما انا فقد اقتربت هذه المرة من المسرح كثيرا حيث أديت مهمتي كملقن اجاد في ايصال الحوار الى الممثلين ؛ فنلت التقدير .

بعد سنتين من هذا الحدث الهام ؛ وكنت يومها قد انتقلت من متوسطة كربلا ء الى متوسطة الاعظمية ؛ زارنا الرائد والمربي الكبير الاستاذ حقي الشبلي متحدثا عن اهمية المسرح في حياة الشعوب توعية وثقافة ؛ وقبل ان ينصرف قال لاستاذنا في الادب العربي جاسم الرجب راجيا ان يحفظنا بعض النصوص الشعرية من مسرحيات( شوقي مثلا ) لكي نستوعب مفهوم الادب المسرحي ونتواصل معه ؛ ثم التفت الينا يحثنا على حضور مسرحية فرقة الطليعة المصرية بقيادة ( محمود السباع ؛ وامينة نور الدين ؛ ومحمد توفيق ) ؛ التي تزور العراق و تواصل تقديم عرضها لمسرحية ( مرتفعات وذرنج ) على مسرح قاعة الملك فيصل الثاني وباسعار مخفظة للطلاب ؛ بعدها اشار الى انه ذاهب الى ثانوية الاعظمية للبنات لذات الغرض التربوي النبيل .

. حينما انتقل حقي الشبلي من معهد الفنون الجميلة الى وزارة التربية كمفتش اختصاصي ؛ لم يقتنع بتلك الجهود المتواضعة المبذولة للتنشئة المسرحية ؛ فقد عكف على اعداد منهج تفصيلي شامل للنشاط المسرحي ؛ قام هو بتنفيذه شخصيا وبمعاونة من اختار من طلابه خريجي معهد الفنون الجميلة الذين عينوا في بعض المدارس ؛ لقد اقنعته تجاربه الكثر على خشبة المسرح وتجواله مع فرقته المسرحية ؛ ان التوعية الحقيقية تشرق من نافذة النشاط المدرسي ؛ و تأكيدا لذلك قام بجولات واسعة شملت كثيرا من الالوية ( المحافظات ) ؛ حث من خلالها مديريات المعارف وبذل اقصى الجهود لتشجيع الحركة المسرحية في مختلف دور التعليم ؛ و مدارس البنات منها بخاصة . هنا يحسن التذكير بان مسرح العشرينات و اوائل الثلاثينات ؛ اعتمد اساسا على العنصر الرجالي لتمثيل ادوار المرأة في المسرحيات ؛ حتى استطاع هذا الفنان المربي المقدام ؛ وبجهود شاقة ؛ ان يشجع بعض الفتيات على اقتحام هذا الفن الرفيع وكان ان صعدت على خشبة المسرح يومها الرائدات ؛ مديحة سعيد ؛ ونظيمة وهبي وليلى العبيدي وفوزية القطان ؛ ثم سلسبيل ؛ وماجدة عبد القادر ...وتوالى بعدذاك اعتلاء السيدات الاخريات تلك المنصة العريقة بكل شجاعة كما هو معروف ومثبت تأريخيا .

لقد كان للتوعية التربوية اثرها الكبير في ازدهار النهوض المسرحي العراقي ؛ حيث ساعدت عوامل مهمة اخرى في دعمه والتشجيع على ازدهاره و لعل من اهمها : ـــ افتتاح معهد الفنون الجميلة ـ قسم المسرح ـ والسعي الحثيث على تشجيع الشباب للانتماء اليه ؛ ارسال البعثات المسرحية ؛ الى فرنسا ؛ وانكلترا ؛ وامريكا ؛ وايطاليا وغيرها للافادة من التطور العلمي والتقني في التمثيل والاخراج ثم عودة خريجيهالاداء مهمتهم التربوية والفنية ؛ عروض الفرق المسرحية العربية والاجنبية في اهم المدن العراقية ؛ تدفق المسرحيات المترجمة والمجلات الفنية المشهورة على المكتبات المعروفة يومها ؛ كالعصرية ؛ والمثنى ؛ ومكنزي ؛ وبغداد ؛ والنهضة ... الخ اضافة الى توسع مكتبة معهد الفنون الجميلة واستقبالها لاساتذته وطلابه يوميا للاطلاع على المصادر الاساسية والدوريات الفنية ؛ ازدياد نشاط مسارح النوادي والجمعيات والدورات الطلابية الصيفية ؛ الافلام السينمائية المنقولة عن المسرحيات العربية الاجنبيـــــــــــة كـ ( راسبوتين ؛ وكرسي الاعتراف ؛ وبنات الريف ؛ ولعبة الست ؛ ويوليوس قيصر ؛ وهاملت ؛ وعربة اسمها اللذة ؛ والكل اولادي ؛ ولعبة الحيوانات الزجاجية ؛ وجحر الثعبان ؛ والقتلة ؛ ووشم الوردة ؛ وحافة الموس ؛ وقطة فوق سطح صفيح ساخن ؛ و... الخ ) ؛ تعاون اساتذة الفنون التشكيلية والموسيقى والمكياج والديكور ... الخ في دعم المسرح بكل ما اوتوا من مكنة ؛ كما كان للصحافة والاذاعة (ومن بعدها التلفزيون من عام 1956 ) دورها البناء في دعم وتطوير وتنشيط تلك المسيرة ؛ بخاصة وان بعض الصحف الرئيسية افردت اركانا خاصة للمسرح بل وخصص بعضها صفحات اسبوعية للنشاط المسرحي ؛ ومما اذكره شخصيا بهذا الشأن انني خصصت بابا واسعا للمسرح في مجلتي الاسبوع الصادرة عام 1952 ؛ وقد تبرع العميد الفنان حقي الشبلي بتولي تحرير ذلك الباب بكل ترحاب وتواضع لمدة عامين ؛ دعما للتوعية المسرحية .

لقد اعطت تلك الحركة التربوية الاجتماعية زخما للنهوض المسرحي ؛ بحيث برزت على ذات المستوى ـ بعد ئذ ـ عطاءات الفرق المسرحية العراقية المعروفة ؛ كالزبانية ؛ والشعبي ؛ والمسرح الفني الحديث ؛ والمسرح الحر ؛ واتحاد الفنانين ؛ و14 تموز ؛ و الطليعة ؛ و اليوم ؛ وغيرها ؛ و وقد توج هذا الزخم من الفرق بقيام رائد المسرح حقي الشبلي بتأسيس الفرقة القومية للتمثيل عام 1968 فحقق بذلك حلما طالما نادى به منذ بداية الاربعينات من القرن الماضي .

لقد صاحبت ( كل هذا النهوض المسرحي ) حركة جريئة ونشطة للتأليف والترجمة والتعريق تولاها عدد من رجال الثقافة المعروفين كعبد المجيد شوقي البكري ؛ وصفاء مصطفى وعزيز شلال عزيز وخضر الطائي ؛ ومحمد الهاشمي ؛ وخالد الشواف ؛ وعلي حسن البياتي ؛ وعاتكة وهبي الخزرجي ؛ ويوسف العاني ؛ وخليل شوقي ؛ ومحي الدين زنكنة ؛ وسليم بطي ؛ وسانحة امين زكي ؛ وشهاب الكصب ؛ وعادل كاظم ؛ وعبد المسيح ثروت ؛وبدري حسون فريد ؛ وشفاء العمري ؛ وطه سالم ؛ ومعاذ يوسف ؛ وسعدون العبيدي ؛ وصلاح القصب ؛ ويوسف الصائغ ؛ وقاسم محمد ؛ ووجدي العاني ؛ وجواد الاسدي ؛ وسليم البصري ؛ و عبد المرسل الزيدي وعوني كرومي ؛ وعبد الوهاب الدايني ؛ .... وغيرهم عشرات

لقد انتشر على الساحة المسرحية عدد من الرادة التربويين البارزين في مجالات التمثيل و الاخراج والبحث ؛ من امثال ؛ ابراهيم جلال ؛ وجعفر السعدي ؛ واسعد عبد الرزاق ؛ وعبد الواحد طه ؛ وبهنام ميخائيل ؛ وخليل شوقي ؛ ويوسف العاني وسامي عبد الحميد ؛ وسعدون العبيدي ؛ وبدري حسون فريد ؛ وقاسم محمد ؛ومحسن العزاوي ؛ وجميل نصيف ؛ وعمر الطالب ؛ وعبد الجبار ولي ؛ وجاسم العبودي ؛ وكمال نادر ؛وعلي الزبيدي ؛ وجلال جميل ؛ .. وغيرهم ؛ فعلموا وهذبوا اولا ثم طبقوا كل ذلك واقعيا على منصة المسرح؛ اذ لم يكتفوا بقاعات الدرس وحسب بل انطلقوا بطلابهم ليمثلواعروضا مسرحية عراقية او عالمية متنوعة على القاعات العامة ؛ فانطلقت صيغ مسرحية أكثر حداثة تمثلت بتجارب جريئة مستمدة من اساليب بريشت ؛وستانسلافسكي ولكن بوعي عراقي أستوحى الواقع الاجتماعي ولغة المفهوم الشعبي دونما استنساخ آلي .
لقد نال المسرح العراقي بعد سنوات الجهاد والتأسيس والبناء ثم الانطلاق ؛ موقعا متميزا في التأليف والاخراج والتمثيل كان من نتيجته ؛ ان حصد ابناؤه الاساتذة البررة الاوفياء ؛ جوائز تقدير متميزة ؛ اعترافا واقعيا رصينا بكل ما قدمه هؤلاء الافذاذ للمسرح عبر مسيرتهم المشرفة .

واليوم ونحن نلتفت الى كل تلك الجهود والتضحيات التي بذلت نرى الدمار العدواني الهمجي وقد هدم اهم ما شيد من تلك الصروح العريقة ؛و بذات الطريقة الوحشية التي نالت من ( متحـــــف العراق ومتاحف المحافظات الاخرى ) و ( المكتبـــة الوطنية ) و ( مــــعرض الفنون التشكيلية الدائم ) و ( وكتب ومخطوطات شارع المتنبي ) ؛ و(آثار بابل ؛ ونمرود ؛ والحضر ؛ وأور ) و (بيت المقام العراقي ) و ( مدرسة البالية والموسيقى ) ....وغيرها من معالم الحضارة والمدنية والابداع .واليوم ايضا نشاهد قلاع المسرح العراقي التربوية وقد هُجّرمنها اساتذتها الاجلاء قسرا وعنتا ؛ لكي يكتب عليهم الضياع في بيداء من منافي الالم والحسرة والعذاب النفسي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور


.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان




.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل


.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين




.. فيلم السرب لأحمد السقا يحصد 22.4 مليون جنيه خلال 10 أيام عرض