الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحـــــــرباء في آراء ســـــــيادة اللـــــواء

مصباح الغفري

2003 / 12 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


"  كلما ازددت معرفة بالإنسان ، إزداد إعجابي بالحيوان "
( مارون عبود )

كلما ازداد عدد من أعرفهم من المسؤولين المتقاعدين منهم و غير المتقاعدين ،  كلما ازداد شعوري بعدم المسؤولية ! 
ولكي نفهم أسباب الهزائم العربية المتلاحقة ،  لا بد من دراسة موضوعية لهذه المُستحاثات التي ركبت ظهورنا منذ خمسة عشر قرناً و حتى لحظة كتابة هذه السطور .

إكتشفت مؤخراً، أن أصحاب السعادة والسيادة والسمو من الوزراء والعقداء والعمداء والجنرالات والأمراء ،  هم في الحقيقة مخلوقات تأكل وتشرب وتضاجع ،  ومعظمها يحمل بين كتفيه رأساً قلّما يستعمله ،  لأن المخلوق الذي يستعمل رأسه في هذا الزمن الوغد ، لا يبقى في منصبه ، هذا إذا بقي على قيد الحياة !

عندما اتصل بي صديق يعمل في الخليج، و سألني إن كنت أعرف سيادة اللواء المتقاعد الذي يشغل منصب كبير الحجاب عند أحد تجار السلاح في باريس ،  سارعت فوراً إلى الاتصال بسعادته ،  فهذه فرصة العمر، لكي أحظى بلقاء رجلٍ يحمل رتبة جنرال في الجيش، وأن أشاهده بلحمه و شحمه عن قرب ،  وكنت سمعت عن الرجل كثيراً ، وعن خبراته العسكرية الفذة التي أهلته ليصبح الشخص الثاني في أهم مكتب لبيع القنابل والصواريخ والطائرات وسائر أدوات القتل الفردي والجماعي ، وقد استطعت أخيراً وبعد اتصالات عديدة أن أحصل على موعد للالتقاء بصاحب السعادة .

استقبلني سعادته بترحيب ، وقد رسم على وجهه ابتسامة صفراء لا تعني شيئاً ،  لكنها كابتسامات الذين قضوا زهرة شبابهم في الجيش ، تحمل كل المعاني ،  فيها الرعب والهلع والترقب .

مضت لحظات من الصمت ، كلانا يراقب صاحبه بتوجس ،  قلت له إنني رجل تركت مهنة المحاماة وأتعاطى حالياً الكتابة ، قدّمت له نسخة من كتابي  " شهادة سوء سلوك " ، تناوله بيد مرتجفة ، قال :
- شكراً ... لكنني لا أقرأ ... ليس لدي الوقت !

قلت محاولاً كسر جدار الجليد بيني و بينه :
- لا شك أنك كنت تقرأ عندما كنت جنرالاً في الجيش .

نظر إلي من خلال زجاج نظارتيه ،  كان من الواضح أنه غير مرتاح لحضوري ، قال :
- لم أقرأ في حياتي كلها كتاباً واحداً ، ما عدا كتب الدراسة في المرحلة الثانوية ، والكتب المقررة في الكلية العسكرية .  القراءة عمل خطر جداً ، ولو كنت أقرأ لما استطعت البقاء في الجيش تسعة وثلاثين عاماً ، الذين كانوا يقرؤون في الخمسينيات من الضباط كتب أنطون سعادة ،  سرحوا من الجيش بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي ، والذين كانوا يقرؤون كتب ماركس و لينين سرحوا بعد الوحدة بين مصر وسورية ، والذين اعتادوا قراءة الكتب اليمينية سرحوا بعد الثامن من آذار، ولم ينج من سوط التسريح من الجيش أحد حتى الذين يقرؤون القرآن الكريم ،  فلماذا أقرأ وأعرض نفسي للمخاطر!

أثارتني آراء سعادة اللواء، قلت له بابتسامة فهم معناها :
- لكن كان بامكانك قراءة الكتب العسكرية مثلاً أو الروايات الحربية، فهذا أمر لا يعرضك للخطر على ما أظن .
     أجابني بنفاذ صبر :
- اذا قرأت للمارشال جوكوف اتهموني بالشيوعية ،  وإذا قرأت للمارشال مونتوغمري اعتبروني عميلاً للاستعمار، وإذا قرأت عن خالد بن الوليد أصبحت متهماً بأنني من الاخوان المسلمين ، الأفضل أن لا أقرأ حتى و لا سورة الفاتحة !

لاحظ سكوتي ودهشتي ،  قال بلهجة كلها توسل :
- لماذا طلبت مقابلتي ؟  أنا هنا أعمل في هذا المكتب منذ أحد عشر عاماً، ولو كانت لي أي سمعة سياسية لطردت من العمل منذ زمن بعيد، فاخبرني بربك لماذا جئت إلي و أنت معروف بالخروج على الحاكمين، ومهاجمة أنظمة الحكم، قبلت بلقائك بتوصية صديقنا المشترك، لكن ثق أنني قبلت على مضض،  فادخل في الموضوع مباشرة الله يستر عليك .

نسيت الموضوع الذي جئت من أجله، لم يعد يهمني إطلاقاً أن  أخبره أن صديقي الذي يعمل في الخليج، يريده وسيطاً في موضوع تجاري مع شركة فرنسية، أردت الاستمرار في تعذيبه أطول وقت ممكن، قلت له ضاحكاً :
- كتابي هذا الذي قدمت لك نسخة منه، فيه أشياء سوف تعجبك، فقضية الحرية والديموقراطية هي المحور في كل ما أكتب، وأنا أهاجم فيه أنظمة القمع والإرهاب في البلاد العربية، ما رأيك في أن في الوطن العربي الألوف من المعتقلين السياسيين منذ عشرات السنين بدون محاكمة ؟

أوشك سعادة اللواء أن يخرج من جلده، نظر إلى ساعته، قال بصوت عال : لا حول ولا قوة إلا بالله، رشفت آخر رشفة من فنجان القهوة، وقف سيادته منهياً المقابلة، ودعني وكأنه يودع هموم الدنيا، وخرجت إلى هواء باريس البارد أردد ما قاله الشاعر :

حنانيك نفسي لا يَضِق منك جانبٌ  وإن ضاق من رحب النفوس جنابُ
وعامِـــرَةً ظلّي ولو أن عالَمــــــاً   بِرُمّـــــتِه، عن جانبيــــــــك خـرابُ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل اقترحت على السلطة الفلسطينية بشكل غير رسمي المشاركة


.. قراءة عسكرية.. القسام تنشر مشاهد لاستهداف جنود وآليات شرق مد




.. احظروهم 2024.. حملة لحظر المشاهير الصامتين عن الحرب الإسرائي


.. الدفاع المدني اللبناني: استشهاد شخص وإصابة اثنين في غارة على




.. الجزيرة ترصد تفاقم معاناة ذوي الإعاقة خصوصا الصم والبكم جراء