الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عرض كتاب فن الحب والحياة للراحل سلامة موسى

باسنت موسى

2008 / 1 / 24
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ليس شك أن غاية الحياة أن نحيا الحياة على مستواها السامي ومعنى هذا أن نعيش بما لدينا من كفاءات بشرية تجعلنا نسمو عن الحيوان أي نعيش بالتعقل وليس بالغرائز أو العواطف وفن الحياة هو بالنهاية يعني الارتفاع بكفاءاتنا الموروثة إلى ما كسبناه واقتنيناه من الموروث الاجتماعي الثقافي، لكن هذا التراث يجب ألا يسوقنا وألا يضللنا عن القيم الأصلية في الحياة وسنلتفت عند حديثنا عن فن الحياة إلى أربعة أشياء لكل منها مكانة مركزية في البحث عن هذا الفن للحياة.
سنلتفت أولاً إلى أن النجاح يجب أن يكون كليّاً في الحياة وليس في الحِرفة أو الزواج أو الكسب أو المجتمع، فإن كلمة نجاح في مجتمعنا الإقتنائي كثيراً ما يرتبط معناها بمعنى الإثراء ولكن النجاح الصادق هو الذي يشمل نشاطات الحياة كلها. ونتلفت ثانياً إلى أن المجتمع الذي نعيش فيه كثيراً ما يُبعدنا عن القيّم البشرية بل ويسخّرنا في أهدافه التي من الممكن أن تناقض ما ننشده من رقي وسعادة حتى نعيش في أَسر تلك القيّم الزائفة طوال حياتنا.
السعادة التي ينشدها الجمهور العادي إنما هى في أغلب الأحيان ذهول وتبلد أو إسترسال في العواطف الحيوانية التي تُحركها غرائزنا السفلية وهذه السعادة لا تليق بإنسان راق يرتفع من أجل أن يجعل من حياته فناً لذلك لابد أن نفهم أن التعقل هو صميم السعادة وأنه مهما فدحت الكوارث فإن التعقل يواجهها في تحد وتفهم كذلك لابد من الالتفاف إلى قيمة الثقافة من حيث أنها تكفل لنا توسع ذهني ينتهي بتحقيقنا للتوسع الحيوي ونتعود من خلاله على عادات إيجابية.
يعيش الحيوان على المستوى الفطري بأكل ويشرب ويتناسل ولكننا نحن البشر نعيش على المستوى المدني الفني الثقافي وقد لا ينطبق هذا على كل البشر أو بمعنى أدق لا يصدق هذا القول على من حيث الدرجة التي يبلغها البشر في المدنية والفنون والثقافة ثم هو لا يصدق على جميع الطبقات حتى في الأمم المتمدنة فإننا مازلنا نجد الطبقات الفقيرة في أمم أوربا حيث يقنع أفرادها بالحياة السلبي أي باتقاء الموت والجوع والمرض والفاقة وهؤلاء جميعاً لايلتذون الحياة وإنما يكابدونها.
والإنسان في كفاحه الاجتماعي ينشد الضروريات أولاً حتى إذا توفرت طلب الكماليات ثم تعود هذه الكماليات ضروريات الأجيال القادمة فهي ترف أولاً يقتصر على أفراد معدودين ثم رفاهية ثانياً تشمل طبقة كبيرة وأخيراً ضرورة لجميع أفراد الشعب المتمدن المثقف، انظر إلى الطعام نشد فيه الإنسان البدائي الشبع لا يرجو غير هذه الضرورة الفطرية وانظر إلى المسكن الذي كان ينبه للاحتماء من الوحش أو من العدو أو من الجو ومازال يسمى بيتاً لأنه كان للمبيت فقط وهكذا الحال بالنسبة للمسكن فهناك فنون في كل تلك الأشياء الآن فهناك فنون في البناء والأثاث واللباس والمائدة نرتاح إليها ولا نرضى بأن نعيش بدونها تلك المعيشة الفطرية التي كان يقنع بها الإنسان البدائي ومازال يضطر إلى أن يقنع بها أو بما يقاربها الفقير المغبون، وقيمة الفن أنه يرف مألوفنا إلى مستوى من الجمال نزداد به لذة واستمتاع بل نزداد به فهم وتعقل.
بالفن نرفع المشي إلى الرقص ونرفع النثر إلى الشِعر ونجعل من الكلام بلاغة وكذلك نستطيع أن نحيا الحياة الفنية فنهدف إلى الفن في الحياة والبلاغة في السلوك والتصرف ويجب أن يكون فن الحياة أخطر من فنون الحضارة لأنه إذا كان من الحسن أن نتخذ الزي الفني لحياتنا وتصرفاتنا وسلوكياتنا والمشكلة الأولى لكل إنسان على هذا الكوكب إنه سيعيش سبعين أو ثمانين سنة فكيف يقضيها؟
هل يعيش تلك الحياة التي يصفها شكسبير بأنها "قصة يَقصّها أبله" فتحتفل بالضوضاء والغضب ثم لا تكون لها دلالة أو يعيش تلك الحياة البقلية يولد وينمو ويموت وكأن بعض البقول لأن قصارى ما كان يطلب طعام وكساء ومأوى؟ وقد يخطر بذهن القارئ عندما نتذكر الحياة الفنية أو الحياة البليغة إننا إنما نقصد إلى زخارف وبهارج ولكن الفن الخالص والبلاغة الحقيقية يُعنيان الحكمة والسداد لأن كلمات الحكمة هى أسمى أنواع البلاغة والفن ولكن ما هى الحكمة؟ هى العمل أحياناً بالمعرفة وهى أحياناً تجاهل المعرفة وأخيراً هى التمييز بين القيّم والأوزان.
والإنسان يختلف من الحيوان من حيث أنه يتعقل في حين أن الحيوان غريزي يندفع ونحن نهدف إلى قصد في حياتنا في حين هو يعيش جزافاً ونحن نقرر مصيرنا بأيدينا في حين هو ينساق خاضعاً للقدر.
الحيوان في ذهول بغرائزة وكأنه في حلم والإنسان بالمقارنة به في تنبه ويقظة بعقله الذي يجعله يتصرف وهو يدري أنه يتصرف ولكن الحيوان لا يدري، وهذا العقل هو الذي يجعلنا على دراية بالموت والفقر والكوارث حتى قبل وقوعها ونحن بالطبع نشقى في ذلك ولكن هذا "الشقاء الإنساني" الذي لا نرتضي النزول عنه كي نعيش بالغرائز ونعيش في ذهول كما يفعل الحيوان.
ومهما حَقّر الإنسان من رهان عقله فإنه يستطيع عندما يتأمل عقله أن يقول: ما اعظمني أي ما أعظم عقلي الذي يتجرد من الغرائز ويبحث في النجوم والكواكب والأخلاق والشرف والسياسة ومستقبل البشر وفلسفة الكون وتطور الأحياء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف