الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة الأبية.. تستحق محاسبة الذات

مهند عبد الحميد

2008 / 1 / 24
القضية الفلسطينية


أطفال يعيشون بالأجهزة وأطفال ينتظرون لحظة موت، أطفال يبكون من شدة الألم وأطفال لا يستطيعون التعبير. اطفال قتلى وأطفال فزعون من موت أقربائهم، أطفال جوعى وأطفال بلا فرح. لوحة مأساوية صادمة لكل من يملك ضميراً حياً.
اطفال غزة وشعبها المحاصر والمعاقب أسقط دولاً ومؤسسات وقوى في اختبار الاخلاق وأبسط حقوق الانسان. تقول المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة: "تُحظر العقوبات الجماعية وجميع تدابير التهديد والارهاب، ولا يجوز معاقبة أي شخص عن مخالفة لم يقترفها هو شخصياً". وتقول المادة 17: "يعمل أطراف النزاع على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والاطفال والنساء في المناطق المحاصرة". وتنص المادة 23 على "حرية مرور جميع ارساليات الادوية والمهمات الطبية وحرية مرور الاغذية الضرورية". ما يحدث في غزة هو نقيض تلك النصوص الملزمة لكافة الدول الموقعة عليها. مليون ونصف المليون يهددون في حياتهم واستقرارهم ويعاقبون في غذائهم ودوائهم باسلوب منهجي وحشي ومتصاعد. حكومة اسرائيل تصنع هذه المحنة الجريمة ولا يوجد ما يبرر أو يسمح بذلك. التبريرات التي تسوقها حكومة الاحتلال متناقضة تماماً مع القانون. ولأنها كذلك فالعالم ايضا مسؤول عن المصيبة التي تحل بالشعب الفلسطيني. إدارة الرئيس بوش مسؤولة عن كل ما يحدث بعد أن أجازت لحكومة الاحتلال شن العدوان ولم تعترض عليه ولا تسعى لايقافه. فمن جهة تجيز هذه الادارة لاسرائيل "الدفاع" عن شعبها، ومن جهة أخرى تفرط بأمان وحياة وأبسط حقوق الشعب الفلسطيني. "الرباعية" الدولية وبخاصة الامم المتحدة والجامعة العربية مسؤولون ايضا عن ضحايا غزة. لا يجوز للنظامين الدولي والعربي أن يسمحا بانتهاك القانون او وضعه جانباً والسكوت عن حماقة غطرسة القوة والجرائم بحق الاطفال والمدنيين الابرياء. إن الاقتصار على المناشدة والاحتجاج اللفظي لا يجدي نفعاً، والدليل هو تعايش حكومة الاحتلال مع الاعتراضات واستعدادها لتصعيد العدوان وتهديدها المتجدد باجتياح قطاع غزة وتدمير حياة السكان الطبيعية.
ما يجري سابقة خطيرة في التعامل الدولي مع شعب تحت الاحتلال، لاول مرة يسمح لدولة محتلة بمعاقبة شعب محتل وتهديد حياته وانتهاك ابسط حقوقه. لأول مرة يعطي المجتمع الدولي الدولة المحتلة حق "الدفاع عن النفس" وفي واقع الحال (الدفاع عن احتلالها)، وبوسائل غير مشروعة متنافية مع القانون الدولي. هذا ما يحدث الآن وهذا يتطلب إعادة نظر وتقييماً للموقف.
ما سبقت الإشارة اليه هو نصف المشكلة، النصف الآخر هو المواقف والسياسة الفلسطينية. وهنا، ثمة فرق جوهري بين موقف عقلاني واقعي يرى المتغيرات بدقة ويتمسك بالاهداف الوطنية ويسعى لتحقيقها بأساليب مواتية قابلة للتبديل والتعديل. وبين موقف إرادوي ايديولوجي يقرأ ما يرغب في قراءته فقط ويرى ما يريد ان يراه فقط وينفصل عن الواقع، ولا يتوانى عن المقامرة بمستقبل شعبه، ولا يتوقف عند الخسائر الفادحة التي تلحق بشعبه.
إذا كان النظام الدولي يحترم حق الشعوب بتقرير مصيرها ويلتزم الشرعية والقانون الدولي فالقيادة معنية باشتقاق سياسة وتكتيكات حازمة لانها تتغطى بتوازنات تسمح بالحماية، وإذا كان النظام الدولي يعتمد غطرسة القوة فان القيادة معنية باتباع مرونة وايجاد تحالفات والبحث عن عناصر قوة تتفادى المخاطر والغطرسة. نحن نعيش في نظام أحادي القطب غير متوازن منذ 11/9 . خسرنا الحماية واندمجنا بالارهاب ظلماً وبفعل تكتيكاتنا غير المدروسة وربما الحمقاء. تعرضنا لحرب استهدفت تفكيك بنيتنا المجتمعية وتحطيم الوحدة الجغرافية للارض، وكان بناؤنا المؤسسي هشاً، فحدث الاضطراب واختلال التوازن وانتقلت السلطة الى قوى سياسية جديدة قديمة، لكن الصعود جاء مأزوما فأدخلنا في أزمة اشد عوضا عن الخروج من الأزمة.
حصار قطاع غزة والتهديد باجتياحه له صلة بسلوكنا الداخلي ايضا، لماذا لا نعترف كي نتفادى حدوث الكارثة. نعم نستطيع نحن ان نبدأ التغيير وعندئذ من السهل على الاصدقاء والاشقاء والعالم الحذو حذونا. البقاء في وضعية الانقلاب لا يصحح الوضع الداخلي الفلسطيني ولا يعيد له عافيته. بقاء الانقلاب وانتظار تحوله الى امر واقع لا يؤدي الى الوحدة الوطنية، في هذه الحالة سيبقى الانقسام الذي يضعف الشعب الفلسطيني في المفاوضات وفي النضال الوطني على حد سواء. الانقلاب قاد الى تعميق الحصار وشل الحياة الاقتصادية وجمد العمل في شتى مناحي الحياة. عقلية الانقلاب المغامرة انتقلت الى مغامرة أخرى هي المجابهة مع قوات الاحتلال من موقع الحصار المحكم. صحيح ان حكومة الاحتلال هي المبادرة الى العدوان، من خلال التصفيات الميدانية والاقتحامات في الضفة التي لا تنطلق منها قذائف، وفي غزة التي ترد على العدوان باطلاق القذائف. ولكن لماذا لا يخضع الرد على العدوان لحساب يتجاوز المبدأ والحق في الرد والمقاومة. العملية أعقد بكثير، سؤال من يخسر في هذه المواجهة وما هي أهداف الاحتلال هو الذي يقرر طبيعة الرد؟ إذا لحق بالشعب وبمصالحه خسائر فادحة بمستوى 50 مواطن/ة مقابل 1 إسرائيلي أو 40 مقابل 1 مضافاً لهذه الخسارة البشرية المؤلمة خسارة مادية فادحة كتدمير الاقتصاد بمختلف فروعه وشل الحركة وصولاً بقطع المياه والكهرباء والوقود والدواء والغذاء. ماذا ستكون النتيجة ضمن هذه الشروط؟ الا تتطلب المسؤولية عن شعب مهدد بهذا المستوى من الخطر إعادة التفكير ودراسة جدوى المواجهة. ان الحديث عن صمود وإرادة وتحد وشجاعة وبطولة ورد مزلزل وكل المفردات الثورية لا يجيب عن السؤال. هل نستطيع الانجرار الى مواجهة بدون مقومات الحد الأدنى؟ لماذا نستدرج لمعركة بلا مقومات ونضطر للتراجع تحت ضغط النيران والحصار الخانق والمجازر البشعة؟ لتكون النتيجة أسوأ أشكال التراجع وأخطرها. هل يوجد مقاومة او دولة عظمى او دولة اقليمية كبرى في العالم قبلت الانجرار لمعركة غير متكافئة بهذا المستوى الفاقع من لا توازن القوى؟ وحدهم العقلاء الذين يحبون شعبهم ووطنهم لا يختلفون على رفض هذا النوع من المواجهة.
الاطفال والامهات، المرضى والجرحى، كبار السن، شباب وشابات المستقبل، مليون ونصف المليون من ابناء غزة الأبية، يستحقون وقفة مسؤولة تنزع جميع الذرائع من القوة الغاشمة، من أجل قطع الطريق على الاجتياح ووقف العدوان، من اجل فك الحصار واستعادة الوحدة الوطنية.لا يتعين الانتظار فلنبدأ باستعادة الوعي المفقود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إمام وحاخام في مواجهة الإنقسام والتوترات في برلين | الأخبار


.. صناع الشهرة - كيف تجعل يوتيوب مصدر دخلك الأساسي؟ | حلقة 9




.. فيضانات البرازيل تشرد آلاف السكان وتعزل العديد من البلدات عن


.. تواصل فرز الأصوات بعد انتهاء التصويت في انتخابات تشاد




.. مدير CIA يصل القاهرة لإجراء مزيد من المحادثات بشأن غزة