الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة -حرق الإطارات-

عاصم بدرالدين

2008 / 1 / 25
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كمقدمة للفكرة لا بد لي أن أشير إلا أن الوضع الإقتصادي في لبنان ومن بعده الوضع الكهربائي،مزري جداً وصعب،وتأثيره الأول بطبيعة الحال على المواطن اللبناني،بكل أطيافه وفئاته.
لكن أن تصبح المطالب الشعبية،سلاح آخر يمتلكه فريق غير الأسلحة الأخرى فلا بد من التنبه،إذاً،لها!
أولاً:فيما يتعلق بإنقطاع الكهرباء،وليس دفاعاً عن وزارة الطاقة،ولكن الكهرباء تقنن في كل لبنان تقريباً(وطبعاً هذا أمر سلبي ومرفوض)،إلا في ما يسمى بيروت الإدارية،والكل يعلم أن العجز الذي تقع فيه المؤسسات الكهربائية ليس وليدة هذه الحكومة (الغير شرعية،في المنطق الممانع)،بل هو تراكم منذ ما بعد الطائف،أما الضاحية الجنوبية المعترضة،فهي أكثر المناطق عشوائية في "التعليق على الشبكة" أي مد المنازل بالكهرباء،بطرق غير شرعية.
وتدني الوضع الإقتصادي،هو على الكل،كما على الشيعي فهو على السني والدرزي والماروني والروم والأرمني..إلخ،فلا ضرورة لجعل الأمر يأخذ منحى آخر عن حقيقته من أجل "تصفية حسابات" مع السلطة "المفترضة" ويجب التنبه لكلمة "مفترضة" ضمن السياق العام للجملة!!

ما قلته،مفيد،ولكنه في هذا الموضوع ليس ذا أهمية،أنا أريد تناول موضوع ثقافة "حرق الإطارات" التي أصبحت ظاهرة منتشرة بشكل كبير بين صفوف "الممانعة اللبنانية" وبالأخص لدى جماهير حزب الله..
التظاهر والإعتراض هو من أبرز الحقوق التي يضمنها الدستور اللبناني،وتشير إليها المواثيق الدولية،والإعتراض الذي يدخل كأحد أنماط النقد،يشكل الطرف الأخر للحرية ومن بعده الديمقراطية،فمن دون نقد لا حرية،والنقد يكون في تجمع شعبي أو مقال أو رأي تلفزيوني..
الحق في التظاهر والإعتراض،كفكرة أولى،شيء مقدس في الأنظمة الديمقراطية المحترمة،ولكن مع قدسيته فهو يخضع لشروط محددة لحرية العمل،فمن الطبيعي وفي كل الدول في العالم،عندما يقرر تنظيم أي مظاهرة إعتراضية،يتم إخبار السلطات الأمنية بذلك ، لضمان أمن المتظاهرين والمارة والأماكن السكنية والمحلات التجارية..هذه الحالة هناك في ما وراء البحر،فتسمى حركتهم (أي التظاهرة) حركة تعبيرية ديمقراطية سلمية.
أما هنا،في الكيان اللبناني،فهناك شروط أخرى للتظاهر،فرضها الزمن والفهم الآخرق لفكرة الحرية،وإستغلالها في مجالات مختلفة تماماً عن ماهيتها وهدفها،في لبنان لكي تقوم بالتظاهر،يفترض أن يكون لديك جماهير غفيرة وشرسة وتمتع بسرعة الحركة،وأعلام كثيرة وشعارات رنانة،وأخيراً مخزون كبير من الإطارات (الدواليب) ويجب أن يتوافر شارع طويل ورئيسي كــ"طريق المطار" مثلاً،فتستطيع حينها أن تعيق حركة النقل والتجارة في كل البلد،وهكذا يصل صوتك للأخرين،ويتم تنفيذ مطالبك،فضلاً عن ميزة الظهور التلفزيوني،ونقل الصورة الجميلة السوداء (!!) نتيجة إحتراق الإطارات وإشتعال الذمم!!؟
هذه الظاهرة ليست جديد في لبنان،إلا أنها كانت قليلة جداً في ما مضى،لكن في السنوات الثلاث الأخيرة أصبحت موضة ومتكررة بإستمرار "كلما دق الكوز بالجرة"،يحملون الإطارات وينزلون بها إلى الشارع ويحرقون..والغريب أن الفريق نفسه هو الذي يعمد وحده إلى إعتماد هذه الطريقة-الظاهرة في التعبير الديمقراطي!!
طبعاً هذه ليست ديمقراطية،هذا تخريب وتدمير،وقطع لأرزاق الناس وتعطيلهم عن أشغالهم،فالديمقراطية وإن كانت هكذا،كما يسوقها "الممانعون" في العالم العربي،فنحن لا نريدها،لكن الديمقراطية هي شكل آخر،هي طينة آخرى،التعبير مسموح وحق،ولكن التعبير السلمي وليس حرق الإطارات،وقد رأينا ماذا حصل في ضواحي فرنسا موطن الحرية،نتيجة الإحتراقات والإشتعالات المتعددة،فلو كان إضرام النار في الشوارع حق للمواطنين لما ألقت الشرطة الفرنسية على هذا الكم الهائل من المتظاهرين-المخربين.
ومن حقنا أن نسأل من أين لهم كل هذا المخزون الهائل من الإطارات؟ سؤال هامشي فعلاً لكن محير،هذه السرعة في النزول إلى الشارع والإحراق والتلويث والتقطيع وتشويه المنظر المشوه أصلاً،تجتاح النفس بالشك!

للأسف ما زالت السلطة اللبنانية أضعف من أن تمنع هكذا تصرفات تخريبية،نتيجةً لخضوعها لتوازنات الطوائف والملل،وهذا شكل آخر من أشكال السلبيات التي تفرضها "المحاصصة الطائفية" على المجتمع اللبناني،كما تمنع السلطات من محاكمة السياسيين الفاسدين،فهي تمنع أيضاً محاسبة المواطنين المخربين وللسبب نفسه،توازن الطوائف،و"إلقاء القبض عليهم قد يكون بغية محاصرة الطائفة-الفلانية- كلها" (لسان حال الطوائف)،وهكذا تبقى الدولة اللبنانية مجرد شرطي سير لا دور له سوى الوقوف في منتصف الشارع،ومحاولة منع الأطراف من الوصول إلى بعضهم البعض،ولكن الجميع يعرف أن القدرة أضعف من الرغبة.
ثقافة حرق الإطارات،تجتاح المجتمع اللبناني على أنها أحد أشكال التعبير الديمقراطي،وهذا ليس صحيح،هذه تسمى "دادية" وليست ديمقراطية..هي ثقافة مستوردة على الأغلب ككل الثقافات الأخرى التي أوجدها الإستيراد الكثيف للسلع،وربما تكون أيضاً الدولايب-الإطارات المشتعلة إحدى هذه السلع المستوردة؟!(بالمعنى الأوسع لمفهوم الإستيراد،كإستيراد الأزمات مثلا؟والمشاريع؟ والصراعات؟ والمتفجرات؟)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30