الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأعزة في غزة لستم وحدكم

بدر الدين شنن

2008 / 1 / 25
القضية الفلسطينية


لحظة تاريخية بامتياز .. اجترحها أبطال غزة ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، فجر 21 -1 - 2008 ، بنسف واقتحام جدار الحصار المفروض على وطنهم الصغير منذ حزيران من العام الماضي ، بدافع الإباء وحب البقاء ، بعد أن بلغ الحصار ذروته ظلماً ولؤماً بقطع الكهرباء والماء والمحروقات والدواء والغذاء ، من أجل الحرية والكرامة ، وتأمين ما يسد الرمق ، وإنقاذ المرضى والجرحى المهددين بالموت .

لحظة كسر فيها هؤلاء الشجعان غطرسة الصهيونية الفاشية المدعومة من الإمبريالية الأميركية والدولية ومن تواطؤ أنظمة عربية مستسلمة ، تجاوزت معايير العار إلى درجة تثير الاشمئزاز والقرف ، محاولة من خلال حصارها للشعب الغزي المتمرد ، أن تبرهن أنها قادرة على فرض هيمنتها ، أنى تشاء .. ووقتنما تشاء ,, وعلى من تشاء من البلدان العربية .. دون أن يكون لضحاياها أية قدرة على البقاء إلاّ عبيداً مستسلمين لإحتلالها وشروطها .

لحظة عرت تماماً أنظمة " الاعتدال " الرسمي العربي المستسلمة " للقدر " الصهيو - أميركي ، واللاهثة وراء الصلح والتطبيع مع الكيان الصهيوني النابع ليس من منطق القبول بدور العاجزين عن الدفاع عن المصالح الوطنية والقومية فحسب ، وإنما من الرغبة الطبقية الانتهازية في الاندماج و " التكامل " الذليل غير المتكافئ ، في بناء شرق أوسط جديد تحت الهيمنة الأميركية والصهيونية .

كل الذرائع التي تسوغ بها إسرائيل ومناصروها من الأميركان والعرب " المعتدلين " الحصار ، وخاصة المتعلقة بإطلاق صواريخ المقاومة على مستعمراتها المحيطة بغزة ، بمعنى أن لإسرائيل الحق بحصار غزة وتجويع وتركيع وقتل أبنائها من المقاومة وخارج المقاومة ، هي لشرعنة الاحتلال وتبرئة جرائمه ، وللتمويه على السبب الحقيقي للحصار ، ألا وهو العقاب الجماعي لشعب عبر بالديمقراطية عن خيار المقاومة بديلاً للمساومة ، للوصول إلى حقوقه المشروعة ، وللتمويه عن عمد إجرامي ، أن الحصار الفاشي على شعب بكامله والقتل اليومي المتواصل للمئات من عناصر وقيادات المقاومة على اختلاف انتماءاتها ، سببه إطلاق الصواريخ على المستعمرات الإسرائيلية ، وللتمويه الأكثر إجرماً على تسبب الحصار بمآسي وآلام لاتحصى لسكان غزة الأبرياء .

في يوم 21 من الشهر الجاري عممت السيدة " إيمان " مديرة العلاقات العامة لجمعية الصم والبكم في غزة رسالة باللغة الانكليزية لكل العناوين التي تعرفها في العالم جاء فيها :
" نداؤنا للعالم العربي و للعالم كله "
" نحن نريد أن نعيش .. نريد الحياة لنا ولأولادنا .. نحن نستحق الحياة .. لاأحد يملك الحق بعقاب الفلسطينيين بسبب جنسيتهم .. نريد أن نعيش بسلام .. نحن لسنا إرهابيين .. نحن ضحايا .. نأمل من كل العالم أن يتفهم الآلام والحياة الفظيعة التي نكابدها ..
الليلة الأخيرة لم أستطع النوم .. عندما فتحت عيني شعرت أنني أصبت بالعمى ، لقد وجدت كل ما حولي غارقاً في ظلام أسود كثيف ، وأنى اتجهت أجد نفسي محاصرة ليس بما حولي فقط .. وإنما قلبي وكافة مشاعري محاصرة "

ولهذا فإن أعظم معنى لاقتحام جياع غزة لجدار الحصار ، في أنه كشف مجدداً حقيقة الاحتلال الصهيوني الفاشي للأراضي الفلسطينية ، وطرح القضية الفلسطينية مجدداً على العالم كقضية تحرر إنسانية عادلة ، بعد أن كاد تواطؤ " الاعتدال " العربي الرسمي أن يهمشها ويحولها إلى سلعة للتداول والمساومات والصفقات .
ولعل أبرز مايستخلص من حصار غزة على مختلف الصعد أيضاً ، أن الديمقراطية بالمفهوم الأميركي وتوابعه الحليفة والعميلة ، هي آلية لإخضاع الشعوب للهيمنة الأميركية والاستسلام للمشروع الصهيو - أميركي ، والخنوع لأزلام هذا المشروع من الأنظمة العربية . وخلاف ذلك هو مرفوض ، ويسصنف فعلاً إرهابياً يستحق الحصار والتدمير ، الأمر الذي يلحق أحط الأذى بالديمقراطية كنتاج حضاري لبناء العلاقات الإنسانية والمجتمعية والسياسية .

من هنا فإن ارتدادات اقتحام جدار الحصار في رفح لاحصر لها . على أن ما يمكن ان نتوقف عنده بإمعان ، هو أن هذا الاقتحام ، من حيث أنه رفض للاستسلام وللحصار ولإرادة المحتل ، وتمسك بحق تقرير المصير .. بالحرية .. بحق الاختيار .. بحق الحياة .. ضد عدو محتل متعدد غادر ، فإنه يشمل بمضامينه وأهدافه ساحات الصراع على امتداد الفضاء العربي والشرق أوسطي . بمعنى أن الاقتحام لم ينه الحصار تماماً ، وإنما د شن بداية جدية للتخلص منه . فالقوى التي فرضته وتواطأت معه مازالت موجودة ومازالت أهدافها قائمة . وقد أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت بشكل سافر بعد اقتحام الجدار ، أنه سيتابع الحصار بشكل آخر وسيتابع قتل نشطاء المقاومة ، ولن يترك الشعب الذي اختار خصوم لإسرائيل أن يعيش بسلام . والسلطات المصرية والإسرائيلية هي الآن بصدد إعادة بناء مادمر من جدار الحصار . كما أن السلطات المصرية التي منعت تظاهرة نسائية فلسطينية من المرور من معبر رفح ، واضطرت تحت ضغط المفاجأة التي كان أبطالها عشرات الآلاف الاّ تواجه بالقوة اقتحام الجدار قد قامت بقمع مظاهرة تضامن مع غزة في القاهرة وقامت باعتقال المئات من المتظاهرين .

اللافت في هذا الصدد أن أكثر ما تخشاه القوى الفاشية التي فرضت الحصار على غزة ، هو أن يثير اقتحام الجدار وتداعياته الاحتجاجات ضد إسرائيل وضد سياسات التسويات المشبوهة معها ، على مستوى الشارع فلسطينياً وعربياً ودولياً . وقد انطلقت بالفعل المظاهرات الاحتجاجية على الحصار وضد إسرائيل وأميركا في موريتانيا ومصر وإيران وليبيا والجزائر والسودان ومخيمات فلسطينية في سوريا ولبنان .

لاشك أن القضية الفلسطينية وقضايا المشرق العربي الساخنة لن تبقى ما بعد اقتحام الجدار في رفح كما كانت عليه قبله ، سواء اتجهت الأمور باتجاه التصالح الفلسطيني ووحدة الصف والهدف ، أم باتجاه تجذير انقسام المسارات والخيارات . وإذا ما تصاعدت حركة الشارع الاحتجاجية في العواصم العربية الكبرى مواكبة للتحولات الفلسطينية ، فإن الوضع الإقليمي برمته يصبح طرداً خاضعاً لحراك ومسارات مختلفة .

على أن ما يؤكد الثقة بحال جديدة مفتوحة على الحرية والحياة الأفضل ، هو أن مئات الآلاف من أبناء غزة ، الذين تحدوا الحصار وجوعه وأمراضه وتدميره وقتل الأعزة ، واقتحموا بأرجلهم جدار الحصار ، لن يقهروا وسيتابعون إبداع أساليب جديدة للمقاومة حتى سقوط الاحتلال وكل جدران الحصار .

إن الأعزة في غزة يتطلعون إلى كل القوى الشريفة الخيرة بمختلف أطيافها .. إلى كل المناضلين عشاق الحرية وكرامة الإنسان .. إلى كل الناس محبي العدل والسلام في كل مكان في الوطن العربي والعالم كله ، لمؤازرتهم والوقوف إلى جانب نضالهم العادل .. إلى جانب حقهم المقدس المشروع في الحياة والحرية وتقرير المصير .










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ثلاثة قتلى إثر أعمال شغب في جنوب موريتانيا • فرانس 24


.. الجزائر: مرشحون للرئاسة يشكون من عراقيل لجمع التوقيعات




.. إيطاليا تصادر طائرتين مسيرتين صنعتهما الصين في الطريق إلى لي


.. تعازي الرئيس تبون لملك المغرب: هل تعيد الدفء إلى العلاقات بي




.. إيران .. العين على إسرائيل من جبهة لبنان.|#غرفة_الأخبار