الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايا من مدينة كلكامش - الحلقه السابعه

نجم عذوف

2003 / 12 / 6
الادب والفن


حينما تفيق من الحلم تنخلع أزرار الأماني .... تهمس فيك المساءات نحو شرود اللحظة..

لعلك تقتنص لغة الصمت , تنفث في همومك محطات العودة ... تستجمع كل الوجوه فتهرب

نحو ذاتك .. تطاردك أشياءك ...تلهث خلفك... تراوح بين الإتيان وبين الإتيان .. فتتوقف المحطات .. ثمة استجماع ترتديه، فيعبر بك إلى منافذ الاغتراب الروحي , شتان ما بينك وبين المرايا .. احدودبت الذاكرة وهرمت مبخرة المساء ... لا يفتقد أحد النهار إلا بعد غروب الشمس .. والعين تصدق نفسها

والأذن تصدق الآخرين ......

إيمان.... أيها الحلم الكوني الذي أبحر بي إلي مرافئ الذكرى .. سأتلو على عينيك نشيد الحب على أنغام القيثارة السومريه والمدينة تفتح أبوابها لتحتضن القصائد ودفئها ... ( محطة القطار ...)

قلب المدينة الذي ينبض وديمومة حياتها... أصوات القطارات عوالم كونيه خاصة تبعث في المدينة سرور الحالمين بالحب والنشوة .... ( عبد قناق ) وصوته الأجش وهو ينادي ( شاي .. شاي ) على المسافرين ... ( محمد السمين ) ? وجباته التي تتميز بطعمها الخاص ( تكه .. معلا? ) باعة المحطة المسافرون وانفاس لهاثهم للحاق بما يخشى فواته ? محملين بثقل ما يحملون من أمتعه تهدل أكتافهم ،

كم تساءلت وأنا ارقبهم لماذا يتهدل كتف المسافرين، ولماذا تشعرك عواتقهم بأنها الأثقل دوما؟؟؟ حينما يلوح القطار للناظرين ،يضج الجميع في المحطة ? وتتعالى الأصوات كل حسب بغيته ، أول ما يطرق سمعك صوت الباعة المتجولون ( شكرلمه... سجائر .... بيض وخبز ... لبن ..) كان لها طعم الارتحال ونكهة هاجس الذهاب أو الإياب , وحتى المقيمون في المدينة يقصدون هذه النكهة تارة للاستلذاذ بها وتارة أخرى للتلذذ بسقي ظمأ الفضول وتفحص اوجه القادمين،وكثيرا ما يحفرون أسماءهم وذكراهم المؤرخة على أعمدتها وجدرانها تماما كما رويت لي انك فعلت ذات مساء حين خططت ذكرى طفولتك على إحداها...أظن يا صغيرتي.... أنها لما تزل هناك لم يغالبها المحو.... كانت المحطة رئة تتنفس المدينة بها عبقا خاصا مفعم باشتياقات اللقاء وكثيرا من عبرات الوداع ? وآمالا بقادم جديد.

( مطر الحمال) حامل ألا متعه ،و الذي كان أشبه بالمجنون بملابسه الباليه المهترئة ، يتربص بامتعه معلمات السماوة القادمات من باقي المحافظات العراقية، والمقيمات في دار ( العازبات )

فيحمل أمتعتهن إلى حيث الدار ? انه رؤوف بالقوارير على ما أظن..... ( مطر ) هذا يا سيدتي اشهر من نار على علم ، انه أحد معالم المحطة الثابته ? ?أحد ضروراتها...

ولكي أريك يا صغيرتي المشهد مكتملا فلا بد لي أن اذكر لك ما تذكرت الآن،

انه صاحب السطوة والجاه في المحطة هو( سيد موسى ) حيث

كان مؤجرا لمواقع الباعة فيها , ولكم كان رائعا هذا الرجل إذ لا يتوانى عن مساعدة العمال وقضاء حوائجهم . هل تعرفين ( اللوكه ) يا صغيرتي ؟؟؟ إنها مأوى القاطرات القادمة من المحافظات العراقية، ومحل توقفها للتزود بالوقود والماء ... ( الصاعد) هو القطار القادم من البصرة ?( النازل) هو القطار القادم من بغداد ...يطلق أهل السماوة الأسماء على أشيائهم كيفما يحلو لهم ويتداولونها بلغة مشتركة عذبة ... ما أروعها من ذكريات وما أحلاها من أيام


.. خلف المأوى هناك بركه كبيره يكثر فيا القصب ( البردي) يطلقون عليها اسم

( الهوره ) يكثر فيها ( دجاج الماء ) الذي يحبذون اصطياده لاكله.... أما مقهى

( عبد الرضا جويد )الذي يقع خلف المحطة ، يرتاده أبناء المدينة لمشاهدة التلفاز ويلعبون لعبة

( الدومينا ) إذ تتعالى الأصوات اثر الصراعات التي تحدث بينهم حين يفوز فريق على الآخر .....

يا إيمان.... ناهيك عن النادي الرياضي وما يلم بين ثناياه من رياضين لامعين في المدينة

ومن الغرائب التي أتذكرها يا طفلتي .. لعبة كرة السله التي تعتمد على أطوال اللاعبين ?

هناك لاعب كرة سله في السماوة اسمه ( تركي أبو العجم ) كان قصير القامة-على عكس المألوف- لكنه من اللاعبين الجيدين ... وكذلك كل من ( مسلم علي .. وموسى الشيخ كاظم .. وجبار

الجبير .. وشاكر الأسود .. وحسين عبد سلطان .. و... و ) لا تسعفني الذاكرة لحصرهم الان

كانت المحطة أيضا يا سيدتي ملاذ للعشاق الذين يحبون السهر وسماع أم كلثوم و

عبد الحليم حافظ ...ولا يفوتني أن اذكر كيف كانت المحطة ملاذا لطلاب المدارس قبل واثناء فترة الامتحانات الدراسية ? ينزوون بإحدى زواياها للمذاكرة لكونها مكانا رحبا يسع الجميع .


يا إيمان... لقد خطفوا المحطة من أحضان المدينة في ليلة كان فيها القمر نائم على سريره

الفضي .. جعلوها تبكي وتندب ابنتها البارة التي رطبت أجواءها ألهبت مشاعرها ...

أخذوها إلى جهة قصيه ...... اخذوا معها ذكريات المدينة وذكريات أهلها .... عن محطتهم

الحلم الجميل الذي كانوا يتهامسون معه .. صبية الحلم .. ويا للسخرية الأقدار، فلقد طالت يد الجور حتى المحطة وكأن قدر العراقيين أن يفترقوا عمن وعما يحبون دوما

فكما فرقوا بين العراق والعراقي دوما ومارسوا اللعبة حد الإتقان ... هكذا كانوا يغيرون الأشياء .. التاريخ .. الذكريات ..... حولو بهاء المدينة ( المحطة ) إلى مشرب للخمرة .. وكأنهم يلغون التاريخ .. وحتى يكون أول ما يطالع القادمون واخر ما يراه المسافرون من معالم المدينة هو الحانة !!!


بنيت هذه

المحطة عام 1917 م ، حين ترينها الآن ? كأنك تنظرين إلى بناء جديد ذو نكهة حديثة

وكأنني اسمع صفارة ( شراد شاوي ) بدأت تخفت بعد أن كانت تصدح في سماء المحطة وبين

القطارات .... وتلك الإشارات الضوئية الخضراء والحمراء ومدلولاتها في حركة سير القطارات ..

وكيف كنا نستحم ببخار القاطرة التي كانت تنفث بخارها إلى الخارج ... وكيف كان القطار

يحمل لنا الماء العذب.. لان السماوة في حينها لم يكن قد وصلها الماء الحلو .. و ... و .......و

كلها يا إيمان ذهبت .... فمن يا ترى يعيد لنا ذاك الزمان الجميل والذكريات الجميلة ...

وكيف في ذات ليله وكان مسافر إلى بغداد الشاعر الغنائي ( ناظم السماوي ) وكتب

أغنيته الجميلة عن السماوة ... ( ودعت السماوة بليل ... وهزني الشوك للحســــره

اسافر لا صديج وياي .... بس جدمي النكل صبره .... بطرك روحي ... واتجه

عله اجروحي ... يا حيف والف يا حيف ...) بقيت هذه الأغنية تثير الشجون وتلهب الذكرى

لكل السماويين .... ترى كيف حالك أيتها الرائعة ... هل أعادوا لك بهجتك .... هل أعادوا

لك صور التاريخ ... هل فكروا أن يتخذوك متحفا .. لارث ثورة العشرين ... هل تذكريننا

مثلما نحن نذكرك .... سلام عليك وعلى العراق والسماوة وكل الحالمين ...............

اكتبي يا إيمان في دفتر ذكراك عن المدينة .... مدينة اهلك وأجدادك ... وعطري

صفحاتك بعطر المدينة الترابية ..... ولنا لقاء آخر وحكاية أخري ... عن الماضي ...

وعن مدينة المناضلين ... وحكاية قطار الموت العالقة في أذهان وذاكرة أهل السماوة للان

باعتبارها حالة من حالات المدينة النضالية ضد البعثيين ( الحرس

القومي ) وكيف سطرت شهامتهم اروع الصور .. وكأنني ب( سعدي يوسف ) وهو يقول....

( توهمت نخل السماوة أم نخل السماوات ... ) وصدى صوت الشاعر ( محمد كاندو )

وهو يعلو .. ( لاعجد دبعن فزعلي .. ولا عجود المرزه ردتلي حنيني ... ) ... فسلام

على التراب والأهل والأحباب وكل ارض العراق ... وكل أهل العراق .. والأحباب في العراق

وموعدنا قريب إنشاء الله ... فلا تنسي يا إيمان أن تفتحي دفترك وتدوني كل شيْ ...


نجـــــم عــــــــــذوف

النرويـــــــــــــــــــج








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريم بسيوني: الرواية التاريخية تحررني والصوفية ساهمت بانتشار


.. قبل انطلاق نهائيات اليوروفيجن.. الآلاف يتظاهرون ضد المشاركة




.. سكرين شوت | الـAI في الإنتاج الموسيقي والقانون: تنظيم وتوازن


.. سلمى أبو ضيف قلدت نفسها في التمثيل مع منى الشاذلي .. شوفوا ع




.. سكرين شوت | الترند الذي يسبب انقساماً في مصر: استخدام أصوات