الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكايات في واقع الحال -3 -

غريب عسقلاني

2008 / 1 / 27
الادب والفن



1 - افشالومي الجميل

في شارع يهوشع بن نون, حيث كان يسكن باروخ جولد شتاين, كانت امرأة تدفع عربة طفلها الرضيع, ويمشي إلى جانبها طفل في العاشرة.. التقط المصور الصحفي لهم صورة موفقة, وسألها رأيها في جولدشتاين:
- كلنا باروخ جولدشتاين, وقد أسميت طفلي هذا على اسمه.
لعبط باروخ الصغير في العربة, وواصلت الأم:
- طبيبنا باروخ كان رجلا خارقا, أنقذ الكثير من اليهود, وأنني أدعو الله أن يسير ولدايَّ على خطاه في قتل العرب.
احتد رجل كان يتابع الحديث:
- كفى لقد سئمنا هذه الحماقات.
مضى الرجل غاضبا, فعقبت المرأة بتوتر:
- يا له من رجل عديم الثقافة! هل يوجد في إسرائيل من يكره جولد شتاين؟!
قال الصحفي:
- نحن في دولة ديمقراطية, دعيه يعبر رأيه..أنتِِ مع قتل العرب وهو ضد ذلك.
- ولكن الذي يقرر هو الجيل الجديد.
وسألت ابنها الكبير:ٍ
- يجب قتل من افشالومي؟
- العرب طبعا.
- لماذا يا حبيبي؟
-لأنهم برابرة وقتلة.
- أنتَ رائع يا حبيبي.
ومررت أصابعها في شعره الذهبي, وسكنت وجهها ابتسامة منتصرة .
***
مرت ثلاثة أعوام, غادر باروخ الصغير العربة إلى الروضة, وصار افشالومي فتى يافعا, وفي شارع يهوشع بن نون قابلهم الصحفي سألها:
- يقولون أن ناعوم فريدمان مخبول, وإلا لما أطلق النار على العرب في الخليل.
قهقه افشالومي ورقص باروخ, قالت الأم الحسناء:
- اطمئن يا سيدي, ناعوم يعرف ما يريد, ربما ارتبكَِ
وسألت افشالومي:
- هل سترتبك مثله يا عزيزي؟
- عند قتل العرب يجب الضغط على الزناد بأصابع ثابتة.
جاست بأصابعها في شعره الذهبي وأخذا يتغامزان على الصحفي الذي انشغل بالتقاط الصور, سأل الصبي:
- لماذا يلتقط الصور ؟
-دعه يفعل قد يتفقد ألبومه يوما ويغير رأيه..

*الحكاية تستند على شهادات جمعها آمنون كابليوك مؤلف كتاب الخليل مجزرة معلنة
*باروخ جولدشتاين, طبيب يهودي متعصب ارتكب مجزرة الخليل
*ناعوم فريدمان, أطلق النارعلى العرب في الضفة الغربية, وأتهم بالجنون
---------------
---------------

2 - غزة أبو الروم

صوت مبحوح, ووجه عربي دقيق, وذقن لا تتعرى من زغبها الأبيض إلا يوم العيد وموسم المنطار وموسم أبو الكاس..
من درج معنا طفلا في خمسينيات غزة, لا ينس عربة أبو الروم بعجلاتها الأربعة ذات الأسلاك اللامعة الملونة, وصندوقها المستطيل, تسكن واجهته اليمنى ليلى مراد وتسكن واليسرى أسمهان,أما الواجهة الأمامية فمحجوزة على مدار الوقت لأنور وجدي,وربما يتنازل في بعض الأحيان وللضرورة لفتيان الشاشة, أمثال شكري سرحان وعمر الشريف ورشدي أباظة وأحمد مظهر, بعد أن تعاملت شاشة سينما السامر مع أفلامهم, أبوالروم مدير دعاية السينما, يجوب شوارع المدينة بملابسه الملونة وزعبوطه المخروطي وشاراته الصفراء والحمراء والخضراء, يزعق في بوق الصفيح الأصيل, أول ميكرفون دعاية عرفته غزة.. يعلن عن حبيب الروح, وفاتنة الجبل, وأمير الانتقام,ويعرفنا بسامية جمال وتحية كاريوكا, يلاطف النساء اللواتي يرفعن غطاء الوجه يختلسن النظر لسكان العربة, يرتشفن ريقا حلوا, ويحسدن فاتنات الأحلام الضاحكات الماجنات المغريات,أشباه العاريات,ولا يستجيب لمناوشات الافندية الذين يراهم مع نسائهم كاشفات الوجوه في بنوار الدرجة الأولى.
يجوب بنا الشوارع والأسواق والحواري, يلاعبنا ويوزع علينا الحلوى والملبس والفستق, والبلالين الملونة, وصور الأفلام التي تم عرضها, يقرأ الرغبة في عيوننا فيدعونا لمشاهدة الفيلم, نرد بصوت واحد:
- لا نملك أربعة قروش ثمن التذكرة
- انتظروني بعد بداية الفيلم عند البوابة الخلفية
في عتمة الفيلم يسربنا, نجلس على حصير بالقرب من الشاشة. يتفقدنا بين الحين والآخر, ويوزع علينا ما جمعه من حلوى سكان البنوار, نحدث أهلنا فيعجبون من شقاوتنا, ومن جرأة الرجل الذي لا يعمل حسابا لصاحب السينما, أسأل أبي:
- من هو صاحب السينما يا أبي؟
- أبو الروم يا ولدي
وكبرنا, وتدربت حناجرنا على الهتافات في المظاهرات نردد خلف الرجل هتافه الخاص وفي كل المناسبات.
سكر يا قليل الدين.....ضاعت منك فلسطين
فلسطين بلادنا........واليهود كلابنا
***
تبدلت الأحوال, ووجدت سينما الجلاء وسينما النصر وسينما عامر, وتولت السيارات والميكروفونات مهمة الإعلان عن الأفلام في المدينة والقرى والمخيمات, ولم يعد أبو الروم جهازا ملائما للوظيفة فأحيل إلى الاستيداع وغاب.
لم يطل غيابه طويلا, فقد عاد بعربته وعليها الفرن الحديدي ذو المدخنة القصيرة, وعرض في السوق البطاطا الحلوة المشوية, التي أصبحت ماركة مسجلة باسمه, قرش واحد تأكل وتشبع, أما الدرنات الصغيرة فتوزع على الأطفال مجانا, وما زلنا حتى الآن نشتاق للدرنات المجانية فهي الأكثر حلاوة.
في السبعينيات دبت في الساحة أرجل كثيرة أثارت عصبية الرجل الذي هدته الأيام, ينظر للأطفال ويفتح عينيه العمشاوتين, ويصلي على النبي كلما مرت به امرأة جميلة, ويسب ويلعن إذا مر به الجنود:
- عاملين رجال يا أولاد ال..
- أسكت يا أبو الروم بلاش يبهدلوك..
- أولاد أل..ديوك حبش مخصيه.
***
وذات عصر مرت جنازة في شارع فهمي بك, اخترقت ميدان فلسطين جنازة, نعش يحمله أربعة فقراء, ويسير خلفه أربعة أطفال يتقدمهم عجوز يحمل سعفة نخيل ويعتمر بيريه, ويرفع بنطاله فوق خصره بحمالات عتيقة, ويتوكأ على عصا لوز ذهبية.
دخلت الجنازة المقبرة, ونادى الرجل العجوز:
- هيا اصطفوا
ألقى كلمة تأبين قصيرة, ووقف عند رأس الطابور يستقبل العزاء من الأطفال.
- البقية في حياتك يا "أبوخليل"
--------------------
--------------------

3 - رجل القرميد الملون

..وفي ليلة نعق البوم طويلا, ورفرفت الغربان فوق حطام الباخرة الغارقة, وفي الصباح سار أهل المخيم وراء النعش صامتين.
***
في مخيم الشاطئ,من لا يعرف نمر هنية "أبو خليل" صانع القرميد الملون, ومدرب الفتيان على المطالعة, نبراس الرجال على طرد الخوف والوقوف في وجه كل من يداهم البيوت ليلا, يكره نعيق الغربان, ولا يرى في البوم شؤما, يحزن كثيرا في موسم اصطياد الفر "السمّان", يقف لمن يعترض السرب المهاجر, يعذبه طابور الأطفال أمام بوابة مركز التغذية الإضافية المجاور لبيته.
يتحدث أهل يافا من سكان المخيم عن مشاركته في إضراب عمال الميناء, وعن مطاردة الإنجليز له بعد اغتيال الضابط الأروفلي في ساحة المنشية, ويؤكد بعض العارفين أنه واحد من أعضاء مؤتمر البيارة الذي خرج ببيان تأسيس الحزب الشيوعي في غزة.
وعرف عنه أنه يضيء المصنع ويسهر حتى الفجر في مناسبتين فقط, ليلة الأول من أيار,يشرب مع أصحابه ورفاقه حتى الثمالة, وليلة عيد ميلاد زواجه, يسهر مع زوجته وأولاده ولا يقرب الشراب.
سأله محقق سجن "ابو زعبل" عن أسماء أولاده:
- خليل ونضال وكفاح وتحرير وفلسطين.
صرخ المحقق:
- أنجبت أعضاء تنظيم ثوري إذن؟
- وهل تريدني أجمع في بيتي سوسو, وفوفو, ولولو, هل تراني مدير كابريه!
وفي ليلة عاصفة جنحت باخرة يونانية وتحطمت على الشاطئ قرب بيته, غطس وأنقذ القبطان, دثره بالبطانيات وقدم له شرابا ساخنا, وعندما عاد القبطان إلى وعيه, سأل عن مصير المركب قال:
- دعها للبحر يذيبها
رجع القبطان إلى وطنه بلا مركب, مازحه أبو خليل:
- تذكر يا سيدي القبطان أن جدك الاسكندر المقدوني ارتد خائبا عند بوابة غزة.
- ولكني لم أصل غزة غازيا يا صديق.
وأدى القبطان التحية العسكرية ومضى..
***
وفي يوم كان أبو خليل يشرب قهوته, ويراقب الأمواج, مر به شلومو الذي توهم أنه امتلك المخيم, سأله:
- ماذا تفعل يا أبو خليل؟
- أتأمل المركب الغارقة
- وماذا رأيت؟
- سيأتي يوم وتغور بقايا الصواري الغازية.
***
قلت لجد يافاوي, خبرني عنه:
"نشأ يتيما, تخلى عنه الأعمام والأخوال, ربته الشوارع, عرف الفاقة والفقر, اشتاق لرغيف دافئ, مارس الشقاوة وقطع الطرق, سجن ظَلم وظُلم واشتاق لطعم الحرية, انحاز للفقراء وأضرب مع العمال, آمن بالعمل اليدوي وعشق عرق الجبين, أنشأ مصنع القرميد الملون, وعلَّم الناس أن القرميد وجد للزينة وعزل الحرارة صيفا والرطوبة شتاءً, بخلاف قرميد وكالة الغوث الأسود."
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لما تعزم الكراش على سينما الصبح ??


.. موسيقى وأجواء بهجة في أول أيام العام الدراسى بجامعة القاهرة




.. بتكلفة 22 مليون جنيه.. قصر ثقافة الزعيم جمال عبد الناصر يخلد


.. الكلب رامبو بقى نجم سينمائي بس عايز ينام ?? في استوديو #معكم




.. الحب بين أبطال فيلم السيد رامبو -الصحاب- ?