الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العالم العربي بين عولمة الثقافة وثقافة العولمة

علاء الخطيب

2008 / 1 / 27
العولمة وتطورات العالم المعاصر


العولمة هي نوذج كوني يهدف الى ضغط العالم وأختزال الجغرافيا وإزالة الحدود وإيجاد منظومة قيم أخلاقية واحدة جديدة ومسيطرة, ظهرت هذه الكلمة كمصطلح وأصبحت متداولة في القاموس السياسي في أوائل الثمانينيات ولكن كانت فضفاضة وغير واضحة المعالم وكانت ترادف كلمة العالمي بالمعنى الواسع للكلمة , وهي عبارة عن مفهوم جديد للوعي الكوني مأخوذ عن كتاب ( استكشافات في عوالم الاتصال ) الذي صدر عام 1960م لعالم الاجتماع والأتصالات الكندي ( مارشال ماكلوهان) الذي ركَّز على تطور وسائل الاتصال المتسارع والمذهل وتحويل العالم من خلال هذا التطور الى (قرية كونية واحدة) , وكان يراود في فكرته هذه مفهوم ما
بعد الحداثة حيث قارن بين القرية والعالم وزامن بين أنماطهما وقيمهما وأمزجتهما بتأثير وتأثر متبادل . وفي منتصف عقد تسعينيات القرن الماضي بدأت تتعالى الأصوات وتتباين رؤى المفكريين الغربيين المهتمين بالعولمة وبعد أن تقلصت موجة الخطابات الكونية التي قدمها توفلر وكنيدي وفوكويوما فقفزت في أذهان الكثير منهم أسئلة تدور وتحوم حول العولمة مفادها . هل العولمة فكرة حقيقة أم خيالية ؟ و هل هي فرص لحياة ٍ واعدة وعيش ٍ رغيد أم خطر يهدد المجتمع القومي الوحدوي وخصوصيات الوجود الإنساني ؟وهل هي مجرد ضغط للجغرافيا وإزالة للحدود وإنسيابية رأس المال أم فقدان لثقافات وإقتصاديات الشعوب الضعيفة؟ أم أدوار يتبادلها البشر ؟ وهل المراد عولمة الثقافة ... أم ثقافة العولمة؟ ونحن هنا بصدد الثقافة دون غيرها لكون الثقافة تشغل حيزا ً كبيرا وشديد الوضوحً من أهتمامات علماء الأجتماع والمنظريين الإجتماعيين لما لها من إنعكاسات على سلوك الفرد الكوني وأقصد بالفرد الكوني هنا إنسان العولمة.إذن ما هو المراد؟ عولمة الثقافة ... أم ثقافة العولمة؟ والفرق بين الأثنين كبير فالأول أن لا تكون الثقافة منحصرة في مجتمع النخب بل هي حق مباح للجميع وبأستطاعة الجميع ان يحصلوا عليها وعلى الدول تمكين شعوبها من الوصول اليها وفي هذه النقطة بالذات تلتقي عولمة الثقافة مع ثقافة العولمة من حيث إزالة شمولية السلطة والغاء الحدود, وبأعتبار أن الثقافة موضوع إجتماعي عام وليس ترفاً فكرياً أو موضوعا ً أكاديميا ً, ويمكن القول أن عولمة الثقافة هي فكرة إشتراكية – إسلامية بالصميم وعلى العكس من الثانية فهي فكرة رأسمالية بحتة. فعولمة الثقافة هي جعل الثقافة بمثابة لغة عالمية يتحدث بها الجميع رغم أختلافها وتعدد ألونها من بلد الى بلد ولا فرق بين الغالب والمغلوب دون ان تكون العملية قسرية مفروضة , بينما ثقافة العولمة هي فرض ثقافة واحدة وتعميمهاعلى العالم وهي ثقافة الأقوى المهيمن والمنتصرأو يمكن تسميتها (بثقافة الغالب تكنواوجيا ً) وهي ان يتكلم العالم لغة واحدة ويسلك سلوك واحد ويتعامل مع مفردات يومية واحدة كما هو الحال في لغة الانترنيت أصبح الانسان العربي على سبيل المثال لا الحصر يتعامل مع المفردات الانكليزية ويكتب لغته بحروف أجنبية وعلينا ان ننظر الى هذا الموضوع بعد 20 سنة من الآن واللغة كما هو معروف لدى علماء الاجتماع ليست تركيب للحروف بل هي عملية تفكير وفلسفة أي أنت تفكر بذات اللغة التي تتعامل معها يوميا . وبالتالي تكمن الخطورة هنا في قتل روح التمايز والاختلاف المفضي الى الابداع من خلال التلاقح والتمازج.وهنا يكمن الخلل في نظرية العولمة وتُناقضُ العولمة نفسها في هذا الموضع. حيت أن أهم مرتكزات العولمة هي الغاء السلطة الشمولية أو مركزية الدولة وهيمنتها, وبالتالي جاءت بهيمنة وشمولية جديدة هي شمولية ثقافة الشركات المتعددة الجنسيات أو عبودية جديدة لرأس المال أي جعل الفقراء عبيد للأغنياء ويعيد التاريخ دورته في أولاد النبي نوح على ضوء النظرية اليهودية القائلة ( أن الله غضب على حام ( الافارقة) وجعل أولاده عبيد الى أولاد سام الى يوم القيامة ) وفي هذا التناقض تناقض آخريخص مرتكز ثاني من مرتكزات العولمة وهو حقوق الأنسان ولكن المراد به هنا ( الأنسان الغالب فقط ) أما المغلوب فقد تنبأ بحظه العاثر ومنذ زمن الكاتب الفرنسي البير كامو في روايته ( الغريب) حيث يسلط الضوء على السلو ك الأجتماعي لذلك الشاب الجزائري القادم حديثا ً الى باريس وما يطرأ عليه من متغيرات تبعا ً لمتغير الواقع الثقافي له وتكون علاقته بالأشياء والموجودات علاقة سطحية لا تشكل حالة وجدانية متجذرة ومناقشة البيركامو لموضوع الثقافة له دلالات موضوعية وأجتماعية كبيرة.
بأعتبار أن الثقافة موضوعاً إجتماعيا ً عاماً يتغير بتغير الواقع الأجتماعي وليس موضوعاً أكاديميا ً أو فكريا ثابتا ً, فأهمية عولمة الثقافة تكمن في كونها عاملا ً مهما في تكوين الموروث والوجدان الإنسانيين وتشمل تنوع ممتع .
والدعوة الى عولمة الثقافة هي دعوة إنسانية بحته وهي عملية التعرف على ثقافة الآخر وتقبلها, ومن ناحية أخرى ان لا نجعل التجارب الثقافية الانسانية لمجموعة بشرية ما حبيسة رقعة جغرافية معينة لكونها غير قادرة على الانتشار بسبب ضعفها التكنلوجي أو المادي وليس لعدم صلاحيتها الأنسانية وبالتالي قد يحرم العالم من هذه التجربة للأسباب المذكورة وأعتقد هنا ان المراد من أختزال الجغرافيا وإزالة الحدود هو جعل الحركة الثقافية حركة إنسيابية دون الفرض والالزام . وليكن الصراع حسب ما يراه هرقليطس حتى يكون العالم في صيرورة دائمة , والعالم في محاولة دؤوبه للوصول الى الحقيقية فمن خلال رأئيين متناقضين ينشأ الرأي الثالث ويتطور. فأذا ساد العالم ثقافة واحدة كما تطرحه العولمة و نمط عيش واحد يعني إننا الغينا جميع الالوان وأبقينا لون واحد وأعتمد نا على العقل الالكتوني كما يقول س.ج. كلوزمان في كتابه (الاخلاق والعولمة) فيعرفها أنها نظام عالمي جديد يقوم على العقل الالكتروني والثورة المعلوماتية المستندة على الابداع التقني غير المحدود دون أدنى إعتبار للحضارات والقيم الثقافية والحدود الجغرافية والسياسية للدول ,
ومن هنا كان للعولمة أثار كبيرة على الدول الفقيرة إقتصاديا ً وتكنلوجيا ً , فحينما تلقي العولمة بظلالها على المجتمعات ستحدث تحولات في البنية الثقافية وسيكون لهذه التحولات إفرازات وإنعكاسات إجتماعية سلبية على مجتمعات هذه الدول من خلال مفاهيمها الخاصة والتي تراعي فيها مصالحها وهو أمر طبيعي .
ففي مجتمعات كمجتمعاتنا العربية يكون تأثير ثقافة العولمة كبيرا ً لعدم وجود ممانعات فكرية ومصادات ثقافية وبغياب ملامح ثقافية واضحة للمجتمعات العربية تبقى عرضة للإلتهام والبلع , ولعل دبي وقطر أوضح مثال على ذلك , ولرب سؤال سيجد طريقه إلي وهو ان العالم العربي يمتلك من الممانعات والمصادات الكثير أولها الإسلام كمقوم فكري وثقافي, وهو كلام المتشدقين من (الاسلامويين) وليس الاسلاميين وهم أكثر الناس علما ً ان الاسلام لم يُتخذ كمقوم أساسي ولا مميزذاتي للمجتمع العربي ولا حتى لبقية المجتمعات الإسلامية, وهو بمثابة نظام مثالي ومجموعة من الطقوس الغير منعكسة على سلوك الفرد المسلم ولعل الحديث النبوي يلقي بالضوء على بعضجوانب المشكلة فيقول ( أصفر البيوت بيت ٌ خلا من كتاب الله ) , ولربما عدم التطبيق الجوهري للإسلام حدا بالبعض الى أن يأخذ الاسلام على أنه شكل من أشكال الرفض وأحيانا ألعدوانية كما هو حاصل لبعض الحركات التي تطلق على نفسها بالإسلامية. وأعتقد هنا أن من تداعيات ثقافة العولمة وأثارها على البلدان العربية هو نشوء الحركات الراديكالية المتطرفة كرد فعل على حالة الاحباط والافلاس المادي والمعنوي معا ً . فالغزو التكنولوجي أوضح حالات الاحباط المادي, وعدم القدرة على مواصلة وديمومة الصراع وجه من أوجه الاحباط المعنوي , وبما أننا لا نمتلك الوسائل المطورة فقد جاء رد الفعل بأطلاق اللحى وتقصير الثياب وأعتماد سياسة المواجهة والعنف والانتحار المصبوغ بلون الدين والمبرر لرفع الضغط النفسي الناتج عن عملية تحريمه شرعا ً , وهو كما أعتقد ناتج عن خواء روحي وعقلي معا ً , فالتطرف هو تعبير صادق عن فقدان الوسيلة وغياب تام للهدف أو عدم تحديده بشكل جيد أو عدم قدرة الوسيلة المستخدمة على المواجهة . ويمكن تشخيص أثر آخر لثقافة العولمة وهو ما حدث وسيحدث هو ظهور موجات لا وعي وشعور بالانكسار النفسي بعدم القدرة , وسينتج عن ذلك صراعا مريرا ً بين القيم الاجتماعية في المجتمعات العربية وبين العولمة والتي سيفضي الى ضياع ملامح الانسان العربي في المنطقة . وإستيقاظ للتطرف واللامعقول وما يحدث في العراق شكل من أشكال هذا الجنون . ويبقى السؤال في ضوء كل ما تقدم هل نستسلم أم نبحث عن الحل لا سيما ونحن نمتلك مصادر قوة نكون قادرين معها على حماية مجتمعاتنا من الأنزلاق الى هاوية التطرف . إذن ما هو المراد عولمة الثقافة أم ثقافة العولمة في العالم العربي ؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تظاهرات في إسرائيل تطالب نتنياهو بقبول صفقة تبادل مع حماس |


.. مكتب نتنياهو: سنرسل وفدا للوسطاء لوضع اتفاق مناسب لنا




.. تقارير: السعودية قد تلجأ لتطبيع تدريجي مع إسرائيل بسبب استمر


.. واشنطن تقول إنها تقيم رد حماس على مقترح الهدنة | #أميركا_الي




.. جابر الحرمي: الوسطاء سيكونون طرفا في إيجاد ضمانات لتنفيذ اتف