الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسونامي غزة – الحدث والرمز

معقل زهور عدي

2008 / 1 / 28
القضية الفلسطينية


كتب بيتر بيومنت في جريدة الاوبزرفر البريطانية بتاريخ 27/1/2008 حول تحطم جدار الحدود في رفح تحت عنوان ( انهيار جدار غزة يغير خارطة الشرق الأوسط للأبد ) ، ويكفي العنوان هنا ليعبر عن الآثار البعيدة المدى لتسونامي غزة من وجهة نظر الصحافة البريطانية ، ورغم أن الحدث مازال طازجا ، والاحتمالات المطروحة ليست واضحة ، لكن تصنيفه كحدث ثوري في تاريخ المنطقة ربما لايكون مبالغة كبيرة .

أهم ما في الأمر أنه حدث بالفعل وبالتالي أسس لبادرة غير مسبوقة في الواقع السياسي العربي .

لقد سقط باستيل غزة ، ومن أسقطه وكسر الحصار ليس الضغوط الدولية ، ولا مجلس الأمن ، ولا الجامعة وأنظمة الحكم العربية ، ببساطة : أسقطه شعب غزة المكافح الصامد ، لذلك كان حريصا على العبور فوقه والدوس بأقدامه عليه بمئات الألوف في مشهد لافت .

مافعلته لجان المقاومة الشعبية من تفجير لبعض جوانب الجدار أقل أهمية من عبور مئات الألوف ذهابا وايابا فوق أنقاض الجدار ،اولئك قاموا بالجانب الفيزيائي من المهمة ، لكن الشعب هو الذي أعطاها الأبعاد السياسية الكبرى والتي سيصبح تجاوزها غير ممكن بغض النظر عن نتائج الخطط التي تدرس لاستعادة السيطرة المنهارة على الحدود .

في الحقيقة أظهر تحطيم الجدار ما كان خافيا من موازين القوى الجديدة في المنطقة العربية ، فاسرائيل لم تعد بعبعا يخيف الحكومات العربية كما كانت للأمس القريب ، لقد تكفل حزب الله والشعب اللبناني بخلع أنيابها في لبنان فأصبحت نمرا بدون أنياب ، أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد سقطت هيبتها في العراق ، حتى لم تعد ايران تكترث كثيرا بزمجرتها ، فالقيادة الايرانية تقابل تهديداتها المتكررة ببرود غير مسبوق ، بل وتكرر دائما القول ان الادارة الأمريكية غير قادرة على خوض مغامرة ثانية بعد تجربة العراق ، يعزز من ذلك الشعور تحول السياسة الأمريكية من الهجوم نحو الدفاع ، وازدياد الضغوط الداخلية للانسحاب العسكري من العراق .

الحكومات العربية أصبحت توازن في صراعها من أجل البقاء بين الرأي العام الداخلي الذي كانت تتجاهله سابقا وضرورة الاستمرار في ارضاء الولايات المتحدة الذي يمر بارضاء اسرائيل بالطبع .

ولكون تلك الحكومات فاقدة للشرعية الديمقراطية ، وفاسدة وهرمة في معظم البلدان العربية فهي تقع بصورة موضوعية فريسة سهلة لتجاذب موازين القوى الاقليمية والدولية ، وهي باقية فقط لأن مبادرة الشعوب لأخذ مصيرها بيدها لم تتحرر بعد .

النظام المصري أجرى حسابا سريعا للخسارة التي ستلحق به حال التصدي لشعب جائع ولكنه شجاع ومصمم ، وما سينجم عن ذلك من ردود فعل داخلية ، مقابل الانحناء أمام العاصفة وترك الحدود ولو مؤقتا وما سينجم عن ذلك من استياء اسرائيلي وأمريكي فاختار أهون الشرين ، وأعتقد أنه كان مصيبا في حسابه .

تظهر ردود الأفعال الاسرائيلية والأمريكية شعورا بالغا بالارتباك ، فما حدث يعتبر بوجه من الوجوه انتصارا لجبهة ( الارهاب ) التي كرس الرئيس الأمريكي جهده للتعبئة ضدها في زيارته الأخيرة للمنطقة ، والأخطر من ذلك ما يمثله من اختراق للخطوط الحمر التي أرسيت بعد اتفاقية اوسلو ، وهو انتصار من شأنه اخراج حماس من المأزق التي وضعت فيه والذي كانت المراهنة على أنه سيدفعها للاستسلام او السقوط بفعل ثورة مضادة يطلقها الحصار والجوع .

في تحطيم الجدار وما سيعقبه – على الأغلب – من تحطيم للحصار الى الأبد ، تكون حماس قد صدرت الأزمة لحكومة محمود عباس ، التي ستجد نفسها في ورطة كبيرة ، فلا هي قادرة على الوقوف ضد كسر الحصار ، ولا هي قادرة على أن تقدم للشعب الفلسطيني بديلا أفضل .

وأكثر من ذلك فالشعب الفلسطيني الذي تذوق حلاوة أن ينتزع حقوقه بيده بعزة وكرامة ، سينظر بازدراء أكبر من أي وقت مضى الى اولئك الذين يتمسحون بأقدام اولمرت مدعين أنهم يقومون بذلك حرصا على تأمين الخبز والدواء للشعب ، وان تلك السياسة البائسة هي الطرق الوحيدة لفك الحصار عن غزة وتأمين استمرار الحياة العادية في الضفة الغربية .

ليس من المبالغة في شيء القول ان انهيار الحصار لغزة بهذه الطريقة الثورية يصلح ليكون اشارة قوية لانتهاء حقبة من الصراع العربي – الصهيوني والدخول في حقبة جديدة ، من أجل ذلك لم يكن مستغربا أن تقول صحيفة الاوبزفر في المقال السابق الذكر ( لم تتحطم الجدران فيزيائيا بفعل التفجير بالديناميت فقط ولكنها تحطمت في العقول أيضا ) ولعل التحطم الأخير هو الأكثر مدعاة للتأمل .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو