الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بمناسبة -اليوم العالمي لحقوق الإنسان-..10 ديسمبر..التعبيرُ حقٌ ؛ و الإنتخابُ واجب!

ابراهيم عباس نتو

2003 / 12 / 7
حقوق الانسان


     التعبير، سواء أكان صادراً من الأفراد أم من فئات "المجتمع المدني" (النوادي، النقابات، الأحزاب، المنتديات، الجمعيات المتخصصة...) التي  تدافع عن مصالح معينة، أو تخدم قيماً وأدواراً بيئية و حياتية معينة)، فإن الدافع الأساسي -و لو تعددت  الأسباب و اللهجات و الوتيرات- لهو: التبديل، و إعادة التشكيل، و تحقيق التطوير والتغيير.
    و ما هذا و هذي و ذاك.. إلاً سُنة الحياة.  فالنظم، بعامة، تولد ثم تنمو ثم تتوسع و تتعاظم، و لكنها أيضاً، مثلها مثل أي كيان حي، تشب و تكبر و تشيخ و تترهل، و بالتالي (و بالضروة) تتونى وتعجز عن المواصلة؛.. و لا بد من أن تتهيأ للتبديل و الاستبدال، و أن تسمح لجيل وليد .. و ثوب جديد.
    يقول العرب، أعربَ فلان لفلان عن شعوره  و بما يجول في خاطره، و ما تُكنُّ نفسُه من أفكار..إلخ. و يقول لُغويو العربية إن عدداً من المفردات العربية عادة يأتي في إزدواج متبادل، كأن تتبادل -و تتشابه جذور كلمة "عبَّر"، أو حتى "عبَر" مع  كلمة "أعرَب" (..أن اصلها متوافق أو واحد.)  و في أي ألأحوال، فإن مسألة "التعبير" (و معها "التفكير") تبقى خاصية مميزة للإنسان على غيره من الكائنات، ..أو على أكثر الكائنات على أية حال.
    أما إذا ما جاء سياق و مجال التعبير بـ"الرأي" في الحاجات الحياتية، بما يخص الناس -المرء و المرأة  و ذويهما- في الأمور المدنية، في مسائل تخصهم، و أمور محلتهم أو بلدتهم، و فيما يمت بمسيس الصلة بمصالحهم الحالية أو مخططات حياتهم و حياة أجيالهم المستقبلية، فإن مساألة التعبير عن هذا و ذاك.. و التدبر في نواحي "الاختيار" بين الحلول  و"الحلول البديلة" ..لهي -في المجتمعات الحرة- "ميزةٌ" مؤسَسَّة -- بل هي ..مسألة "مقدسة".
 
التعبير شفاهةً:
    و من اوجه ألتعبير هنا ما شمل: الحديث شفاهةً مباشرة، في الجماعات و الجمعيات، وفي التلفزة و الإذاعة، و في مجالات التعليم في المدارس و الجامعات، وخاصة الجامعات،.. حيث ينتظر في المجتمعات المنفتحة أن توفر الفرص للشباب و للشابات للتدرب على المناظرات، و على تنظيم و حضور المنتديات، و للإستماع إلى وجهات النظرالمتفاوتة، .. بل و لتدريبهم على التعبير،.. تهيئاً لمرحلة رشدهم ..و قبل تسنمهم مناصب المسئولية في مستقبل حياتهم.
    و من أوجه التعبير اللفظي الشفاهي ما يأتي في شكل الأقوال المتداولة بين أفواه الناس، و منها ما كان من باب "النكتة"، و هو باب واسع لا يستطيع أن يوصده الرقيبب!  و من التعبير الشفاهي كذلك مما يأتي زجلاً، أو "مَثلاً"، أو حديثاً ساخراً.  و فن تأليف "الحديث الساخر" هو فن لا يقوى عليه كثير من الكُتاب و المؤلفين،.. لكنه حينما يصدر يكون فاعلاً فعالاً.  فالتعبير بعامة، ..و وسيلة "التعبير الساخر" بخاصة تعمل بشكل مباشرعلى إيقاظ الضمائر، و إبراز السرائر، و تنوير البصائر.
 
التعبير كتابةً:
    و هنا أيضاً تتعدد الوسائط، بما يشمل الرسائل، و الجرائد، و المقالات الصحافية و الدراسات في المجلات و الدوريات، و المشاركات على الإنترنت.  و الأصل في الشيء هو عرض الموضوعات، و استعراض الأفكار و مناقشة و تبادل الآراء.
    و من جملة مسائل "التعبيرالمكتوب" في أيامنا.. ما بدأ مؤخراً في الإنتشار بسم "النشر الانترنتي"، .. و خاصة حينما و حيثما تمتنع الصحافة المحلية -نتيجة تأميمها أو شبه تأميمها- عن نشر الرأي "الحر" أو "الرأي الآخر"؛ أو حينما و حيثما لا يرتاح "النظام الحاكم" لمناقشة مسائل "حقوق الإنسان" أو "الديموقراطيا"، أو "تعزيز و تفعيل دور المرأة"،أو لزومية التوازن بين الخصخصة و "المِلك العام"، أو مقاومة التسلط المفرط للعولمة على حساب المصالح الإقليمية و المهارات  الثقافية و السمات التراثية المحلية.
   و في أيامنا الحالية، حينما يتفشى التسلط على "حرية التعبير" و حينما يستحكم تضييق الخناق على مناقشة "القضايا الساخنة" في الصحافة المحلية،.. يلجأ الناس إلى منفذ و "منبر" الإنترنت لنشر مقالاتهم و تبادلها، و استغلال شبكية الروابط الإنترنتية التي توصل القارىء من محطة إلى محطة إلى أخرى بالعشرات و المئات،.. إلى عوالم رحبة المجالات متواسعة الآفاق.
    و هذا "النشر الإنترنتي" يسعى عادة إلى تكوين و تجميع و بث موضوعات و رسائل "مجموعات" من "المتراسلين".. يكوِّنون مجموعات بحوث و مقالات و"أوراق" قد تكون في موضوعات مختلفة متباينة؛ و قد تقتصرعلى موضوع معين  ..فقد تأتي محددة عن بلد معين مثلاً،.. فتتكون معها و منها ما يشبه "دائرة المعارف" الفورية و المستجدة عن ذلك القُطر.. أو عن ذلك الموضوع.
 
التعبير غير اللفظي، غيرالمنطوق:
      و بما أن "التعبير" هو مضمار "البوح" بالشعور، و الشئون، و الشجون، و الأفكار؛ و رغم تعدد وسائط وأنماط التعبير (المكتوبة-المقروءة، او السمعبصرية.. المذاعة و المشاهدة..) إلاً أن هناك عالماً فسيحاً رحباً، و وسائط أخرى عديدة متعددة للتعبير "اللفظي" و غير اللفظي؛ و كذلك ما يعبر به عن طريق و سائط "الفنون الجميلة" بأشكالها و أنماطها و رموزها.
    فقد يأتي هذا "التعبير غيراللفظي" في أنماط فنية، كالرسم، و النحت، و فن المعمار، و الموسيقى، و الحركات المُمَوْسَقة؛  بل و في إختيار الملبوسات بألوانها و تصاميمها، وفي كمية و أشكال شعر الرأس و تصفيفه؛ ..أو في التنوع (و التميُّز) في هذا وهذي و ذاك.، بما فيها الخروج عن المألوف.. و التعبير عن الذات أو الرأي.. و تعددية الإختيار.
    و حتى في "هندسة البيئة" و تخطيط المدن والفضاءات البيئية الطبيعية والمهندسة، ..فإن تصميم الحدائق العامة الجميلة-مثلاً-  لا يأتي فقط بهدف أن تكون الحدائق مجرد رئة تتنفس بها المدينة، بل قد يعكس التصميم و التجميل تعبيراً عن عقلية و مدى اهتمام مسئولي تلك المدن بالبَشر القاطنين فيها، و كذلك مدى مسئوليتهم و شفقتهم تجاه الأجيال و الأحفاد.  و في أنحاء المدينة -التي تستأهل أن تسمى كذلك!- نجد مسئوليها يعتنون بجمال الأماكن الحديثة و القديمة.. و يصونونها من أن تظهر أو تبقى مجرد ركام وراء ركام،.. و يعملون على حمايتها من أن يعتريها التلوث أو يخنقها الإزدحام!
الإختيار، الإنتخاب .. التصويت:
    و حينما تأتي الفرصة لإبداء الرأي و إبراز الخيرة و الإختيار بالوسيلة و الأداة المسماة  بـ"التصويت"، الأداة التعبيرية المستخدمة في المجتمعات الحرة.. حيث يقوم المواطن (و المواطنة) بممارسة حق الإختيار كحق أساسي (كحقه في الهواء و التنفس!)  و في تلك المجتمعات الحرة ..يكون حق "التصويت" ليس مجرد "منحة" أو تفضل من السلطة للمواطن، بل هو التزام للمواطن، و هو "فرض عين".  و لربما نُظر إلى تقاعس المواطن في المشاركة في "الانتخاب" و"التصويت" بأنه تقصير شخصي، و تفريط في  الواجب الوطني، بل و إثمٌ في حق المواطنية الصالحة؛ ..و لربما اُحتسب عليه في  باب "كتمان الشهادة"، أو ما يقارب "الحنث" في تعهد المواطن غير المكتوب في الوعد بتأدية "الأمانة".
    و غني عن القول بأن مسألة الإنتخاب و التصويت.. لا تعني بالضرورة مجرد "أداء" فروض "الموافقة" أو "البصم".. فإن هناك دائما -في المجتمعات المتحضرة و الحرة- فرصة بالطبع للتصويت بـ(لا)،  للتعبير عن عدم الموافقة أو الإعتراض.
    و لكن: كما أن للمواطن حق "الموافقة" و "الإعتراض"، فإن له -أيضا- حق "الإمتناع" عن إبداء الرأي، رغم أنه شارك في عملية التصويت.  فالتصويت بالإمتناع (عدم الرغبة في إبداء الرأي في هذه المرة أو في هذا الموضوع، أو في هذا الاستفتاء بالذات) ..قد يأتي في شكل ترك خانة من خانات الإختيار بياضاً.  لكن "الامتناع" هنا.. -في حقيقة الأمر و في نهاية المطاف- هو "تصويتٌ"، و هو اختيارٌ، و "قرار"!  و "الامتناع عن إبداء الرأي" هو مغاير تماماً عن اللتوجه السلبي.. حينما يقوم المواطن بالامتناع عن التصويت جملة و تفصيلاً ،.. فذاك عمل غير مفضل، و غير مستحب.
    فأرجو أننا عندما نتهيأ لتنظيم و إقامة إلانتخابات بمختلف مستوياتها ("المحلية" منها و غير المحلية) .. أن نعي جميعاً، و أن تعي الدولة و أن يعي المواطن (و المواطنة) الدور الخطير وراء ممارسة الحق الأساسي المقدس في المشاركة والتصويت و الإنتخاب؛ و أن يؤخذ الموضوع مأخذ الجد،.. وليس مجرد ممارسة شكلية أو كفقرة احتفالية.
     و إن في "التصويت" بخاصة ..كما هو في بقية وسائل "التعبير" السلمية.. لفرصة ذهبية متمدينة للتفاهم و التشاور الجماعي الإجتماعي، ..بدلاً -لا سمح الله- من الانتظار حتى حدوث وسائل التعبير والتبليغ غير المهذبة و غيرالسلمية، لتوصيل "الرسائل" و الرغبات.  و بـ"التصويت"، التصويت الحر و المباشر من كل مواطن و كل مواطنة، يتمكن الناس، و تتمكن مختلف مؤسسات المجتمع المدني، من  الحوار مع السلطات، و من تبليغ مطاليب الناس.. و شكاواهم، و طموحاتهم.
 
   و بعد، فهل لي -في هذا السياق- في المناسبة السنوية، 10 من ديسمبر، اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أن أُعبِّر هنا بأبيات تشرتُها في ديسمبر1990م:
 
حـرية التعبيـر، أين تُــزارُ؟!
أين الدليلُ، و هل هناك مزارُ؟
 
إن الصحافةَ منبرٌ بين الورى
رغمَ الرقــابة تظهرُ الأخبـارُ!
 
إن الحقيقةَ دُرةٌٌ بين الدجى
مثلُ الثــريا..مــا لها أسـتارُ
 
هـي لـلئـيم مَـضرةٌ و أذيـةٌٌ
و هي المنار يؤمُّه الأخـيارُ
 
ما مـرَّ يومٌ لـلمحبة عـندنا
إلاّ  وقـام بـنعـيـهِ الأشـرارُ
 
أمـا الوفاءُ فـلا مِـراءٌ بيـننا
فألشأن بانَ، و ما عليه غبارُ
 
فالرأي عِزٌ بالتراضي بيننا
و الأمر شورى دائماً و قرارُ
 
طبـع الـتآخي بيننا هو شِرعة
و الهامُ عن عرض الديار شعار
 
إنا سنعلوا في ربوع ديارنا
و الله يشـهـدُ أنـنـا أحـرارُ!
 
الدكتور إبراهيم عباس نـَـتـُّـو
البريدون  [email protected]
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار


.. بقيمة مليار يورو... «الأوروبي» يعتزم إبرام اتفاق مع لبنان لم




.. توطين اللاجئين السوريين في لبنان .. المال الأوروبي يتدفق | #


.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا




.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3