الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


...في نماذج «الديمقراطية» الأميركية

رشيد قويدر

2008 / 1 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


إثر إعلان نتائج الانتخابات المبكرة في جورجيا مطلع شهر كانون الثاني (يناير), التي دعا لها الرئيس الجورجي ميخائيل ساغاشفيلي، والتي أكدت فوزه بنسبة 53 بالمئة، قرعت إدارة الرئيس بوش طبول «الديمقراطية» مؤكدة بركاتها: «إنها نموذجاً للنجاح الديمقراطي في منطقة يعتبر فيها مثل هذا النجاح أمراً نادراً».
ساغاشفيلي من خريجي جامعة كولومبيا الأميركية، وسبق له العمل في إحدى المؤسسات القانونية في مدينة نيويورك، وجورجيا ثالث أكبر دولة من حيث المساهمة في احتلال العراق، بنشرها ألفيّ جندي بعد الولايات المتحدة وبريطانيا، وسبق لساغاشفيلي أن أطلق اسم الرئيس بوش، على أحد شوارع العاصمة تبليسي. أما الانتخابات ذاتها فقد استبقها بإعلان حالة الطوارئ منذ الخريف.
لم تشفع بركات إدارة بوش من اندلاع مظاهرات شعبية حاشدة بعد إعلان النتائج، شككت بنزاهة الانتخابات، وقد تعرضت للقمع الشديد من قبل الأجهزة التنفيذية. ونقلت وكالات الأنباء أن المعارضة سجلت حدوث عمليات تزوير، من بينها تحويل ساغاشفيلي الباصات العامة عن مسارها المعتاد، لنقل أنصاره إلى المراكز الانتخابية المتعددة للتصويت، ثم الانتقال من مركز انتخابي إلى آخر، وأكدت وزارة العدل القبض على رجل يقوم بتعبئة صناديق الانتخابات ببطاقات مملوءة سلفاً. وعبرت «هيومن رايتس ووتش» الناشطة في مجال حقوق الإنسان عن استنكارها لاعتداء الأجهزة التنفيذية على الصحافة والمواطنين، وسجلت إصابة أكثر من (500) من المواطنين الآمنين نقلوا إلى المستشفيات. هنا اكتفى دعاة الديمقراطية في الغرب بمناشدة ساغاشفيلي بـ «ضبط النفس»، وبالتأكيد أن «هيومن رايتس ووتش» ليست موالية لموسكو، الاتهام الذي جرى توجيهه للمعارضة.
يحتشد في «الديمقراطية» الأميركية مفارقة المأساوي والهزلي في منحى متبادل، سياقات العنف الذي خلفته الليبرالية المتوحشة بلغ حداً من الهول، أما سيرورتها فقد أخفقت بعد اختزالها للعقل والواقع، مفارقة معايير «الديمقراطية» البوشية ومنحاها المأساوي التبادلي الهزلي، وقد وصلت في جورجيا إلى إغلاق محطة تلفزيونية إخبارية، يملكها قطب صناعة الإعلام الشهير روبرت مردوخ بتهمة التحريض على الإضرابات، رؤية الليبرالية المتوحشة التي تنظر إلى ما عداها كطراز عتيق من الآفلين ومن ذرية منقرضة في الصراع بين أجنحتها.
يمكن الإشارة إلى أن مجموعة المعارضة الرئيسية في جورجيا، أنها عبارة عن تحالف مكون من تسعة أحزاب سياسية موالية للغرب، وتؤيد محاولة جورجيا للانضمام إلى حلف الناتو، الأمر الذي دفع رئيس الحزب الجمهوري ديفيد يوساغاشفيلي إلى تحديد السبب بالقول: «إن علاقة ساغاشفيلي الوثيقة مع إدارة بوش، قد أعمت الولايات المتحدة عن الميول الاستبدادية الموجودة». بيد أن الميول الاستبدادية هي في جوهر الليبرالية المتوحشة. أما ساغاشفيلي فهو تابعها حتى النخاع، سبق وأن تعهد في برنامجه الانتخابي الذي أوصلة إلى السلطة، على توفير وظائف العاطلين عن العمل جراء عمليات الخصخصة التي جرت في عقد التسعينيات، وذهبت وعوده كلها أدراج الرياح.
يندفع الاهتمام الأميركي بهذا البلد لأسباب أخرى، وصولاً إلى إلغاء القانون الأميركي (جاكسون ـ فانيك) لعام 1975، والذي يربط التعاون التجاري بـ«تقدم حقوق الإنسان» في دول الاتحاد السوفييتي السابق، وحيث تقوم الآن إستراتيجية موسكو على حشد دول الرابطة حول روسيا، وإدماجها في الاقتصاد الروسي، لعبة شد الحبل لإخراج واشنطن من فلك دول الرابطة والاتحاد السوفييتي السابق، ومنها جورجيا وأوكرانيا.
إن التعريف البوشي وحاشيته للديمقراطية، هو صعود وكلاء واشنطن إلى السلطة، وهي مدعاة اهتزازات باروميتر «النزاهة» الأميركي صعوداً أو هبوطاً، حيث تقرع الطبول ابتهاجاً وصلفاً أو وعيداً، أن تتحول الشعوب إلى «رعاع ودهماء» ينبغي نقلهم إلى جنة ما بعد الحداثة، عندما تناقض مع أهدافها ومشيئتها، ويصرف التمويل السخي للتأثير على الانتخابات، فلا مانع من قمع «الرعاع والدهماء» بكل الوسائل ومنها المال السياسي واقتصاد «البقشيش» الذي يؤدلج شعارات الديمقراطية الأميركية الزائفة، بدلاً من البرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعلنة. وتتدخل مؤسسات «دعم الديمقراطية» الأميركية، التي لا تتبرأ من تهمة التدخل السافر والمباشر، على نحو الانقلاب الفاشل في فنزويلا هوغو تشافيز الذي أحبطه الشعب الفنزويلي، كذلك «دعم الديمقراطية» في أوكرانيا التي انتهت إلى صراع المدعومين على «المال الديمقراطي». وفي محاولة «شرعنة» وتسويغ قوى أبعد ما تكون عن الديمقراطية المرتبطة بمصالح أوطانها، حيث تكون «طلة بوش» من علائم العصر ما بعد الحديث، تلك التي دفع ثمنها عبد الستار أبو ريشة مباشرة بعد تحديده محاسنها، رغم تدميرها للعراق وسفك زهاء مليوني عراقي دماً وسجوناً في أبو غريب وبوكا وغيرها في آخر تقليعاتها.
تعني الديمقراطية الأميركية التدخل السافر بالشأن الداخلي للدول، والاتصال بقوى سياسية واجتماعية غير رسمية في داخلها، دعماً لأهداف السياسة الخارجية الأميركية، الأمر الجليّ في الأزمة اللبنانية الراهنة، في ارتباطها بالصراع على هوية الشرق الأوسط، وجعل النظام الإقليمي العربي تحت التهديد، بعد فشل الحرب والعدوان الصهيوني على لبنان صيف 2006، والتي هدفت إلى إطلاق السياسة الأميركية في المنطقة، من دون رادع نابع من إرادة شعوبها، والهيمنة عليها وحجرها عن دور سياسي إقليمي مؤثر. وبعدما سقطت أهدافها تجري محاولات فرضها بوسائل أخرى مختلفة لا يمكن لها أن تنجح.
وفي الديمقراطية الأميركية حمامات الدم الفلسطيني تحت الاحتلال الصهيوني، والحصار البعيد عن أي معيار أخلاقي ومنطقي ومسلة القانون الدولي وإعلان حقوق الإنسان، دماء تسفك على مذبحها بقلب صهيوني بارد، بتشجيع وضوء أخضر من «الحَكَمْ الأميركي النزيه»، وزيارته الأخيرة للشرق الأوسط، ابتداعات في الإبادة والعقاب الجماعي وتهديد الشعوب في أوطانها، إذا لم يخضعوا لأهواء ومقاييس الديمقراطية العتيدة، يؤكده التصريح الرسمي للاحتلال الصهيوني بأن هذه المذابح «روتينية»، أي عمل منهجي ومستدام في إرهاب الدولة، عبر المصلحة المشتركة بين الحليفين بتغييب الشعوب عن تقرير مصيرها وحماية وصيانة أوطانها.
في زيارته الأخيرة حمل بوش معه كل متاع ومنطق المحافظين الجدد في واشنطن، ورقص بالسيف العربي مهتزاً من منكبيه حتى جذعه، حائلاً دون بلورة سياسة عربية إيجابية فاعلة، تواجه الاستخفاف بالحق العربي، فهل سمع من أحد القول العربي: «ما هكذا يا بوش تورد الإبل»!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى سيارة بيك أب بشعبية كبيرة؟ | عالم السرعة


.. -بقنابل أمريكية تزن 2000 رطل-.. شاهد كيف علق حسام زملط على ت




.. عودة مرتقبة لمقتدى الصدر إلى المشهد السياسي| #الظهيرة


.. تقارير عن خطة لإدارة إسرائيلية مدنية لقطاع غزة لمدة قد تصل إ




.. قذائف تطلق من الطائرات المروحية الإسرائيلية على شمال غزة