الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خليل الاسدي في(ويظل عطرك في المكان) يروي ما كان ويرى ما كائن من الرماد

جمال كريم

2008 / 1 / 29
الادب والفن


خليل الاسدي في(ويظل عطرك في المكان) يروي ما كان ويرى ما كائن من الرماد
جمال كريم

(ما كان يحزنني كثيراً..
انني لوحت للماضي بكف غائمة..
واقمت في غزلات نفسي..
نابذا كل المباهج من نوافذها..
مترقباً خطوات ذكرى قادمة..
ذهب الجميع الى الابد..
وبقيت انت..
على وسادة ذكرياتي..
نائمة)..
ص11 قصائد حب (ويظل عطرك في المكان)
قد يكون النص الشعري، عموما، حاملا الغازه في ذاته، او في حركيته بين مديات تفضي الى تجارب انسانية لا محدودة، فيكون – أي النص – كالموجة لا تطمئن الى هدوء واهتياجات البحر ولا الى ضفة الشاطئ وسكونيته الصامتة، من هنا اقول اذا اتفقنا على ان اللغة الشعرية تشكل محتوى معمارياً ،جماليا، لهذا اللغز – مهما كانت طبيعته الانسانية – فان مهارة الشاعر الحاذق في اداواته الفنية، لغة وعاطفة ومجازات وصورا بلاغية، فضلا عن مختزناته الحياتية في الواقع والمتخيل، ماضيا كان ام حاضراً واستشرافاً للمستقبل، اقول ان المهارة في كل ذلك، تلعب دوراً كبيراً في استدعاء تلك العناصر ومن ثم تفاعلها.
ان قراءة ذائقية جمالية اولية واخرى بحثية، استكشافية، معرفية، لمجموعة الشاعر خليل الاسدي (ويظل عطرك في المكان)، الصادرة عن دار الشؤون الثقافية العامة، ربما تجعلنا نتفق على ان الشاعر الذي هندس ما كان من الحب مع امرأة كانت.. قصيدة حب واحدة طويلة، كتبت لفترات زمنية متباينة ومضطربة، بل قلقة، وبعناوين متعددة وتحمل صفة التجزيء للحكاية ومن ثم توزيعها تحت عتبات العنونة!
وعندما نتفق حول ذلك، ستلوح لنا في الافق مدلولات الحب بعد ان نتقصى عنها في ذاكرة الشاعر الاختزالية ومن ثم استحالتها الى مدونة شعرية ذات ايقاعات تساردية بين مراحل زمنية مختلفة، وصولا الى شراسة المعيش الذي لم يستطع ان يخفي توامض الحياة التي تقاوم الافول والموت وتعيد النظام الى بعثرة الاشياء، من خلال منظومة هذه الدلالات المتناقضة والمنسجمة في آن معا: (الموسيقى / خارج الاشياء/ داخل الاشياء/ الغموض/ الوضوع/ المرأة/ المكان/ العطر/ المطر/ الفوضى/ الاغتراب/ الروح/ العشب م المنفى م العبارة/ التواريخ / الصحراء / السهول/ الجبال... الخ) ان كل تلك الدلالات تتناسج بوضوح في تامل واقتناص او التقاط (حالة تذكرية)، تنطوي فيها صفحة الحب يتراتبها الزمني الذي عبر على الشاعر، جسداً وذاكرة ومخيلة وواقعاً. اذا هي مدونة حب شعرية في زمن مختلف ومغاير، جعل المرأة التي كانت والمتخيلة الان، عنصر توازن وجودي، يسعى الاسدي من خلاله الى ملء فراغاته ووحدته، معتمدا في ذلك على قدرته الاستراجاعية، لكن ليس استرجاع العاطفي فحسب، بل استرجاع عناصر ومكونات حياتية اخرى، اشحبتها السنون وزحزحتها المحن والاحداث، ان هذه القدرة الموجهة بتركيز عال لاستحضار المرأة/ الحبيبة بشكل خاص تجسد المعادل الموضوعي لتبديد سلطة المعيش المهيمنة وترويض وحشيتها في العزلة والوحدة والعبث والفوضى، ولعل اشد ذلك، الفاتا وتساؤلا، صورة العبث بالزمن ولا جدوى الانتظار في احاييزه المكانية:
(تتسللين من القصائد..
هاربه..
واظل اعبث بالدقائق..
امنح الاوقات لا جدوى انتظاري في مقاه..
لا تطل على سواحل ..
لا تجاوز ما له معنى..
ولا تفضي الى طرق تؤدي نحو مملكتك)...
في هذا المقطع، عابد ومعبود وما بينهما الزمن واالشعر والاسدي، هنا يعبث بالاول، ويهندس عمارة عشقه بالثاني، لكنه يقر بالاجدوى في الوصول معبودته الغائبة والهاربة من بين القصائد..! بلا شك، ثمة مرموزات مادية وروحية وبخاصة حين يتعلق الامر بمعشوقة غائبة في الواقع الراهني للشاعر، لكنها مازالت تحيا في قلبه وتمثل بكليتها في ذاكرته الشعرية، موشحة صوره بالحزن الشفيف والشعور بالوحدة واللامعنى...
(حين قالت:
وداعاً..
مضى ظلها..
موغلا في المسافات..
متسعا..
لايحد...
بينما...
سوف تبقى هنا.. دائماً..
في المكان الذي كنته..
محض ماض..
غداً..
في قميص من العطر...
اسطورة للابد...) ص25
في الحقيقة هناك اكثر من عنصر في مجموعة (ويظل عطرك في المكان) يشترك في تاثيث ما يشبه اللوحة الباذخة الالوان والجمال، لوحة بصرية اسرة جمعت العناصر المعمارية لشعرية الاسدي بعد ان اضفى على مشهديتها الحركة والحياة، مستندا في ذلك على زخم عاطفي من التداعيات الوجدانية التي ما زالت تتعالق بحميمية مع الآخر، المرأة / المعشوقة تحديداً والمكان / الزمان، منضافا اليهما الحلم، ولم يكن امام الشاعر اللاجيء ولا اقول الهارب الى عناصر قصيدته الاساسية، المرأة/ المكان/ الحلم/ إلي لكي يختصر المسافة في الوصول الى عالمه الذاتي الانعزالي وان شئت ان تقول المازوم. فالاسدي، هنا ، راو ، يروي ما كان من الحب ويرى ما كائن من رماد العمر!.
(تسللين..
وما تبقى من نهارك ما يضيء..
نهار عينيك اللتين تناءتا عني..
افل..
وجمال اغنيتي رحل..
وما عاد انعتاقي من مدار الموت يوغل في فضاءات
الامل.... ) ص 16 – 17
ان من يقرأ مجموعة الاسدي بتأن، يكتشف ان قصيدته في الحب، ترتكز على السيرة الذاتية والذاكرة المختزلة ، والحياتي المعيش والمتخيل، ويسرد كل تلك الموجودات الذاتية والموضوعية بما يمكن ان نسميه – ان صحت التسمية – (قصيدة الحالة) واعني بها (الحالة الشعرية) والتي طغت على اغلب نصوص المجموعة، بما في ذلك القصيدتين العموديتين الاخيرتين، (ياغصونا) و(كوني معي)، ثم لتصير هذه الحالة، قصيدة شعرية تنثر الحب في عمق الذاكرة الذاتية..
(ماذا تبقى من بلابل صوتها..
تلك التي احببتها..
قبل انسحابي نحو مائدة الورق..؟
مخلفا ذكرى سخام...
فوق ما ترك الشفق.. ) ص31
وقوله في الصيدة ذاته،
(وغادرت المراحل تحترق..
ذهب الصديق الى القصائد..
والعشيقة للتجاعيد التي دبت على جسد ارق
ذهب الجميع مع الدقائق..
عابثين بخلصة الشعر القديمة...
والمقاهي
والشوارع...) ص35
اذا ، ثمة ذات و سيرة ، تهيمنان تبئيريا على (الحالة الشعرية) لدى الاسدي، عبر رحلته الشعرية الكاشفة عن صراع محموم بين موجوداته – كما يراها شعريا – ينسحب بالمحصلة لذات الشاعر في بحثها وقلقها الدائمين والمنقبين عن الحبيبة التي اكلت الاعوام ذكراها وحولتها الى مجرد استذكارات ومناجاة روحية وحنين ونداءات وكشف لمخبوءات نفسية ظلت مكبوتة ومرهونة بشرط تحقيق وجودها الموضوعي، ولتاكيد هذه الرؤية، يوظف الشاعر، الكنايات الترميزية، ضمائر المتكلم والمخاطبة والغالبة وافعال تحمل دلالة النداء والانجذاب والحنين، ومن ذلك ما جاء في قصيدة (طبعا احبك)،
طبعا احبك..
ما الذي الذي يدعوك للشك..؟!
الانني ما عدت اوقد في دمائك نار محرقي..
الان مملكتي الصغيرة لم تعد ملكي...؟!
الانني غادرتها..
تلك امراحل
دون ان ابكي... ؟!) ص25
وكذلك قوله: (تذكرت.. / انك لابسة معصم الوقت/ هذا الذي بات يفضي الى زمنك/ انت تبقين خالدة../ في معاصم ازمنتي الخالدة..) ص45، وايضا قوله: (انى ذهبت.. / فانت مملكتي التي تسعى معي وغصون غاباتي/ ومعناي الذي لا ينتمي/ الا لمملكة الجمال) ص 49، وايضاً: (حدفت في لاموعد.. / فرأيت حبك../ بازغا من فجره الازلي/ يحمل غصن زيتون/ وطوقا من قرنفل..) ص62 او قوله: (لاجلك .. / من اجل عينيك.../ ما عاد وقتي حزينا../ انا الافتتاح الكبير لكل الهزائم..) ص70، وايضا قوله: (الى متى يبقى انتظاري.. / يا ايها الماضي استعدني../ طفلة الحب التي.. / هي كلما فرت الى حلم سواه.. / ما كان يجديها اللجوء الى الفرار../ هي دائما تاتيه صاغرة.. كما تاتي السفائن.. ) ص77.
هكذا اتتوارد الافعال والضمائر حاملة اشارات الانفعال والانجذاب والوجد والقلق والياس. هي شبكة من المعاني، هي حالات شعرية يحاول الاسدي عبرها ان يرأب بعضا من تصدعاته الروحية ويكسر ايضا، طوق عزلته النفسية، الشاعر المرنو اليه عبر نافذة الذاكرة، وهي ملاذه الذي يطل عليه بين حالة شعرية واخرى، حالات تشكل علامات تواصل مع المرأة العاشقة والمعشوقة، وعلامة انتصار على ازمنة الانكسارات والخيبات..، هي حالات توصل الشاعر بالاخر والحياة من خلال استحضار الحب وازاحة الستار عن زمنه الجميل، عبر اشراقات الشعر وقدرته على استشراق الجمال والتحرك باتجاه الحياة.
1- فرحي انت حين تكتب شيئا يرتقي بالجمال نحو الضرام
2- رفعة الوقت حشدت بملوك ان يكونوا باي حال مرامي
3- فاضئي ما قد يضاء فاني للجمال العظيم مازلت ظامي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا


.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط




.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية


.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس




.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل