الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معضلات الحوار الفلسطيني – الفلسطيني

عماد صلاح الدين

2008 / 1 / 30
القضية الفلسطينية


الرؤية السياسية عند حركة فتح
الرؤية السياسية عند حركة حماس
ما هي إمكانية التوافق في ظل هذا الاختلاف في المنهج بين حركتي حماس وفتح؟؟

تكمن المعضلة الأساسية الواقفة حقيقة في وجه أي حوار فلسطيني داخلي ، واقصد هنا على وجه الخصوص بين طرفي رحى الصراع الأساسيين حركتي فتح وحماس، بغية التوصل إلى اتفاق وطني شامل وجامع في الرؤية السياسية لكلا طرفي المعادلة الذين خصصتها كطرفين بارزين في الساحة الفلسطينية ،ومعهم بالطبع جميع أطراف وجهات العمل السياسي والوطني الفلسطيني.

الرؤية السياسية عند حركة فتح

في الحديث عن الرؤية السياسية أو الاستراتيجيا السياسية التي تقوم عليها حركة فتح ينبغي التمييز والتفرقة بين مراحل بعينها مرت بها الحركة منذ انطلاقتها الأولى ، أما المرحلة الأولى فكانت حركة فتح في حينها وطبقا على الأقل لبيان انطلاقتها في عام 65 من القرن الماضي تنادي بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر أي جميع ارض فلسطين التاريخية ، وكانت تعتبر الكفاح المسلح الأداة والوسيلة الوحيدة لتحقيق التحرير وإقامة دولة فلسطين المستقلة على كامل التراب الوطني . لكن فتح في المرحلة الثانية من قيامها ووجودها وتحديدا في فترة السبعينيات أخذت تنادي بالدولة الديمقراطية لجميع سكان فلسطين سواء كانوا يهودا أو عربا مسلمين ومسيحيين ( دولة ديمقراطية ثنائية القومية) . أما المرحلة الثالثة فكانت بين التبطين في القبول إلى درجة الوصول إلى الإعلان الصريح بقبول الدولة الفلسطينية المستقلة في إعلان الجزائر عام 1988 في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني التاسعة عشرة ، وهو ما مهد للدخول في المفاوضات وعملية السلام في مدريد وأوسلو بالاستناد إلى قبول واعتراف منظمة التحرير المسبق بالقرارين 242 ، 338 كمرجعية لعملية السلام في حينها .

بالنسبة لرؤية حركة فتح الأخيرة المتعلقة بقبول فكرة الدولة المستقلة على الأراضي المحتلة عام 67 ، تنبغي الإشارة هنا إلى مرحلتين متتاليتين في ما يتعلق بالتوجه نحو سياسية أو إستراتيجية هذه الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة "إسرائيل" . أما المرحلة الأولى فهنا نتحدث عن توجه الراحل ياسر عرفات بشأن الوصول إلى هدف الدولة ذاتها ، فالرئيس أبو عمار كان براغماتيا إلى ابعد الحدود ، لكن الرجل كان يحكمه حد معين لا يمكن تجاوزه في إطار هذه البراغماتية و في ظل المعطيات في ميزان القوى الإقليمي والدولي اللذين يصبان لصالح الولايات المتحدة الأمريكية ولحليفتها الإستراتيجية إسرائيل . وبسبب هذه البراغماتية التي كانت تتطلع إلى تحقيق حلم الدولة المستقلة على كامل أراضي ال67 أو مع تعديلات طفيفة في سياق ما يسمى بتبادلية الأراضي مع تحقيق نوع من حل رمزي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فان الرئيس الراحل ياسر عرفات قدم التنازلات المسبقة والتي تتعلق بالاعتراف بإسرائيل والعمل على مكافحة وملاحقة الأطراف المقاومة على الساحة الفلسطينية كاستحقاق امني على منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو المؤسس لهذه الأخيرة ، وكانت كل هذه التنازلات والضمانات بما فيها شطب مواد كثيرة في الميثاق الوطني لمنظمة التحرير عام 1996 من اجل تحقيق ذلك الحلم والمنى الذي كان يتطلع إليه عرفات المتمثل بالأساس في الدولة المستقلة . والنتيجة المعروفة لمسيرة الراحل عرفات في مشروع التفاوض مع إسرائيل هي النتيجة المعروفة عند الجميع ، وهي أن إسرائيل كانت تخادع وتماطل وتكذب وتمارس الدجل السياسي والتفاوضي من اجل تثبيت دعائم وجودها في الضفة الغربية التي تعتبرها عمقا استراتيجيا لها ، بمعنى أنها لا تريد تمكين الفلسطينيين من الدولة المستقلة بالانسحاب حتى ما دون الحد الأدنى بقليل كما بدا ذلك في الليونة التي قدمها عرفات في طابا ، والسبب أنها تعتبر الضفة الغربية عمقا استراتيجيا لها . والكل يذكر في كامب ديفيد كيف جرى الحديث عن تقسيم الأقصى والحرم ما بين تحت الأرض وفوق الأرض من اجل دفع المفاوض الفلسطيني لتفجير المفاوضات بسبب هذه المطالب التي لا يمكن القبول بها فلسطينيا ، وهو ما حصل بالفعل وتم تحميل المسؤولية للراحل عرفات إلى أن جرى تسميمه وقتله محاصرا في المقاطعة برام الله من الضفة الغربية المحتلة .

والمرحلية التالية أو الثانية والتي تتعلق بتوجه الرئيس عباس ومن حوله من طاقم المفاوضين سياسيين وأمنيين ، وهذا التوجه بالنسبة لفكرة ومشروع الدولة المستقلة عليه ملاحظتان من خلالهما سيتضح مدى الفارق بينه وبين توجه الراحل عرفات.
1- إن الرئيس عباس ومن حوله من طاقم المفاوضات لم يتعلموا من تجربة الراحل في تقديم التنازلات والاعتراف والضمان الأمني لإسرائيل دون أن يكون هناك في النهاية ثمن حقيقي لصالح المشروع الوطني الفلسطيني مقابل هكذا تنازلات والتزامات مسبقة . ولو أن الراحل عرفات كان أجله فوق ما هو له مكتوب ، اعتقد انه كان سيسارع إلى تغيير قواعد اللعب مع إسرائيل بشأن تقديم التنازل والاعتراف المسبق ، لان عرفات كما أوضحنا كان قد اتبع ذلك من باب ما تفرضه البراغماتية والواقعية ومن باب التجربة ليس إلا . وبالفعل فقد آثر الراحل الصمود والثبات على حد معين إلى أن تمت تصفيته سياسيا وجسديا.
2- إن الرئيس عباس وطاقمه المحيط به يعتبرون أن التفاوض خيار تاريخي واستراتيجي نهائي والى الأبد ، دون أن يغيروا في قواعد ومنهج التفاوض السابق الذي جلب الويلات والكوارث بحسب ما يشهده الواقع على الأرض في الضفة المحتلة والقدس من توسع الاستيطان وتسارع وتيرة عجلته برغم لقاءات ومؤتمرات السلام من أنابوليس وما قبله إلى باريس وجولة بوش وما تلاها من جرائم وتوسع استيطاني وغيرها ، والمعنى أن المفاوض الفلسطيني المقيم الآن في رام الله بعد أحداث 14 حزيران من العام الفائت يؤمن بما تتمخض عنه الرؤية الأمريكية والإسرائيلية للحل . ولو كان الأمر غير ذلك ، لكان منه موقفا واضحا بشأن الاستيطان وازدياده في القدس الشرقية تحديدا، ولكان منه موقفا واضحا بشأن الجرائم والمجازر بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة المحتلة ، ولما قبل في الأساس أن تكون رؤية بوش وخريطة الطريق طريقين للحل ، والكل يعرف ماهية وحقيقة هاتين الطريقين !.

الرؤية السياسية عند حركة حماس

تقول حركة حماس في أدبياتها السياسية المتعلقة بالحل للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي ، أنها ليست على استعداد أن تقدم على تقديم التنازلات المجانية للاحتلال ، وتقصد هنا تقديم الاعتراف بإسرائيل وغيره المسبق . وهي تقول أن التجربة خير دليل وبرهان من خلال ما جرى من مسيرة المفاوضات السابقة ، وما يجري من لقاءات التفاوض الحالية. وكان الشيخ احمد ياسين قد طرح رؤية للحل والتي تتمسك بها الحركة فيما بعد ، وهي قبولها بالحل المرحلي المقرونة بالهدنة طويلة الأمد مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي المحتلة عام 67: الضفة الغربية وغزة والقدس المحتلة وضمان حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة استجابة لحقهم الطبيعي في ذلك وبما جاءت به الشرعية الدولية في قرارها 194 لسنة 1948. وهو مطلب مقبول ويلقى إجماعا شعبيا باعتبار انه يمثل الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني ، وهو يقطع الطريق على التلاعب والخداع الإسرائيلي من خلال عدم تقديم التنازلات المسبقة ، لأنه كما أسلفنا فإن إسرائيل في حقيقة الأمر لا تريد انسحابا من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية لما تعتبره تهديدا استراتيجي عليها . وهي في كل الأحوال تريد حكما ذاتيا للفلسطينيين يقع كليا تحت السيادة الإسرائيلية تدخل إليه متى تشاء وتخرج منه متى تشاء .

ما هي إمكانية التوافق في ظل هذا الاختلاف في المنهج بين حركتي فتح وحماس؟؟.
في ظل الاختلاف الواضح بين المنهجين على صعيد الاستراتيجيا في تحقيق الحقوق الفلسطينية ومدى هذه الحقوق ، باعتبار أن حماس ترى في المقاومة خيارا استراتيجيا وأساسيا ، بينما حركة فتح بقيادتها ترى أن التفاوض خيار استراتيجي لا رجعة عنه . هذا من جهة ومن جهة مدى الحقوق الفلسطينية ، ترى حماس بأنه كامل أراضي ال67 مع ضمان حق العودة دون تقديم تنازلات ، بينما ترى حركة فتح انسحابا من الأراضي المحتلة عام 67 مع إبداء بعض مرونة وتحديدا فيما يتعلق بتبادلية الأراضي ، وحل متفق عليه للاجئين الفلسطينيين وليس ضمان عودتهم جميعا ، في ظل هذا الاختلاف السابق وما نتج عنه من تفاعلات على الساحة الفلسطينية في الداخل من انقسام ما بين ضفة فتح وغزة حماس ، فإننا نرى بأنه لابد من الأتي :
1- لابد من الاتفاق أولا على الرؤية السياسية من ناحية المضمون المتعلقة بالحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني والمتمثلة هنا والمصرح بها من جميع الفصائل والتوجهات السياسية والحزبية على الساحة الفلسطينية ،وهي الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 67 مع ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين ، وهذا الاتفاق اعتقد انه موجود من خلال وثيقة الوفاق الوطني التي وقعت عليه جميع الفصائل والقوى الفلسطينية بما فيها حركتا فتح وحماس في عام 2006 .
2- بما أن هناك اختلافا في الالتزام أو عدم الالتزام بين حماس وفتح في الاعتراف المسبق بإسرائيل وغيرها من الالتزامات المسبقة ، فانه من الأفضل أن تبقى إدارة قطاع غزة تحت سيطرة حماس والضفة الغربية تحت سيطرة حركة فتح كمرحلة مؤقتة . وبالإضافة إلى ما سبق فان الاتفاق على حكومة وحدة وطنية ربما يقود حملة حصار جديدة ضد الشعب الفلسطيني بحجة أن حماس طرف فيها ، ثم إن حماس لازالت متوجسة من تجربتها السابقة مع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة.
3- ُيعطي الرئيس الفلسطيني محمود عباس وطاقمه المفاوض الفرصة من جديد لقيادة عملية تفاوض مع إسرائيل من اجل تحقيق الرؤية السياسية المتفق عليها في وثيقة الوفاق الوطني محكومة بجدول زمني . ويجب من الآن الاتفاق على البديل أو البدائل في حال فشل خيار التفاوض مع إسرائيل ، وقد يكون البديل مثلا خيار المقاومة أو تحويل التفاوض وتفويضه للجامعة العربية أو مؤتمر القمة الإسلامي باعتبار أن الأقصى و القدس وفلسطين ليست ملكا للفلسطينيين وحدهم بل هي أيضا ملك الأمة العربية والإسلامية ، ومن باب أن الضغط والقوة التي ستمارسها الجامعة العربية أو مؤتمر القمة الإسلامي الممثلة لشعوب الأمة العربية والإسلامية سيكون أقوى وأكثر تأثيرا على المستوى الإقليمي والدولي من المفاوض الفلسطيني .
4- بالتزامن مع كل ما سبق وكخطوة أولى يجب إطلاق سراح كل المعتقلين سواء من فتح أو حماس ووقف كل أعمال الملاحقة سواء التي تجري في الضفة الغربية أو في قطاع غزة ، ويجب كذلك وقف كل الحملات الإعلامية المتبادلة من تحريض إعلامي وغيره. وعلى العموم يجب وقف استهداف النشاط السياسي لكلا الفصيلين الكبيرين على الساحة الفلسطينية.
5- مطلوب من السلطة الفلسطينية في رام الله أن تعلن عن وقف التنسيق الأمني مع حكومة الاحتلال الإسرائيلي ، ولان السلطة في رام الله عليها التزامات بهذا الشأن ، فان من الممكن تلافي هذه الإشكالية من خلال الاتفاق على هدنة شاملة ومتبادلة ومتزامنة مع الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة ، يتناسب مداها الزمني مع الفرصة الزمنية المتاحة للرئيس عباس لتحقيق رؤيته للحل القائم على التفاوض .

كاتب وباحث فلسطيني
29- 1- 2008








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن