الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصحافة الالكترونية وسلوك الزقاق

حمزة الحسن

2003 / 12 / 7
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


إلى الكاتب عبد الزهرة الركابي
لا أدري إذا كانت هذه هي مواجهتك الأولى مع صحافة الساعات الأخيرة من نهاية العالم( العالم العراقي) الصحافة الالكترونية السياسية العراقية، النسخة المنقحة والمعدلة من صحافة الزقاق والخفة العراقية الشهيرة أم أنها الأخيرة؟ فنحن حتى في المكان الجديد، حتى في المنفى الديمقراطي نعيد إنتاج قوانين وأعراف وتشوهات المكان القديم أو ما يعرف بتلويث المكان النقي بخبرة سابقة.

فسقوط الوحش العراقي كشف الغطاء عن خبايا وأمراض وعقد ومصائب كثيرة ومنها مرض الانتفاخ المرضي وهو عاهة تكون نتيجة منطقية لحكم تأسس على نفخ روح الغطرسة ومشاعر العظمة الفارغة في عقول الناس.

إذا كان الألمان قد خرجوا من سقوط النازية بمرض نفسي هو( عقدة الشعور بالذنب) كما يقول يونج ،فإن سقوط الفاشية في العراق قد ترك خلفه عقدة الشعور بالعظمة الفارغة نتيجة سنوات التحريض الأسطوري الكريه.

ونحن لا نكون ديمقراطيين بمجرد رفع الستارة وبداية المشهد الجديد لأن الذاكرة والثقافة والتقاليد السياسية مليئة بثقافة الإثم والوصم والمحاكم المرتجلة.

يستطيع اليوم أي بائع كباب أو سائق تاكسي أو بياع خس أن يفتح( للسهولة وغياب المعايير) مؤسسة ثقافية أو مركز أبحاث أو وكالة سفر فضائية لمجرد معرفة بسيطة في تقنية الانترنت دون الحاجة إلى شهادات علمية وفكرية وثقافية وقد تكون شهادة من أصلاحية كافية أو شهادة من أحد السجون كافية أو شهادة التطعيم ضد الكوليرا كافية أو في الأخير شهادة لا اله إلا الله.

وفي كل تقاليد العالم هناك علم متخصص في( المهنة) بحيث لا يجوز جسديا ونفسيا وعقليا وأخلاقيا وعمليا لبائع فجل أن يكون موسيقيا، ولا لعالم نفس أن يكون سائق تاكسي، ولا بائع زهور أن يكون مصارعا، ولا هذا يصلح لمهنة العزف على العود....الخ.

هناك معايير تعرف( بمعايير المهنة) وهناك كذلك علم متخصص في أمراض المهنة، أي أن هناك حدودا بين المهن ولا يجوز التجاوز عليها.

هذا في مجتمعات واضحة الحدود والمعالم والقوانين والدساتير والقيم مستقرة نسبيا، أما في هذا الزمن العراقي الرديء في كل شيء، فإن في وسع كل من يريد بلا شروط ولا حسيب ولا رقيب أن يفتح مركزا للشرطة في الداخل والخارج أو مركزا للأبحاث بلا تخصص أو مدرسة للردح أو حزبا أو مكتبا للإنقاذ الوطني أو بقالية سياسية على عجل حتى بدون منهاج ولا زعيم ولا تاريخ.

إنها أخي عبد الزهرة مرحلة انحطاط المعايير التي قال عنها عالم الاجتماع الألماني الشهير درونكهايم( لا تتلاشى فيها المعايير ولكنها تتداخل) أي يصبح في وسع أي فرد أن يفسر الأشياء بناء على مقاييسه الفردية، ويمكن لبائع خضار أن يكتب في النظرية النسبية لانشتاين، أو عاشق منهار، الكترونيا، يمكن أن يصبح منظّرا في التكنوقراط أو علم النجوم البعيدة.

وبعض أصحاب الصحافة الالكترونية السياسية( وليسوا كلهم طبعا) هم نتاج منطقي لغفلتنا في الإعلام كما أن الدكتاتورية كانت نتاج غفلتنا في السياسة، فنحن نخرج الزير من البير ولا نستطيع السيطرة عليه حين يتوهم هو نفسه أنه صار قادرا على كل شيء في زمن التمادح العلني الذي يشبه حفلة عري مفتوحة ولكن مقززة.

هناك مواقع تخصصت هذه الأيام لأول مرة في تاريخ الأعلام العراقي بما في ذلك أحلك المراحل البوليسية عند الاختلاف مع كاتب في فتح النار على خصوصياته حقا وباطلا وأسرته وزوجته وأخته وأمه وعماته وهذا يحدث لأول مرة وحتى أحط فاشية في التاريخ كانت تأنف من ذلك حفاظا على ما تبقى من هيبة، فتاريخ تهم الإعلام السابق، سلطة ومعارضة، كان يقوم على خلفية سياسية لا أكثر من باب صيانة الواجهة لكن( الرواد) الجدد أبدعوا في هذه الموجة ودخلوا تاريخ البذاءة عن جدارة.

ليس ذلك فقط بل هناك عقوبات ( لأن السجن غير موجود الآن) وهي:
 الطرد
 والتشهير
 والتحريض
 والتعبئة
 ضد المخالفين لسياسة البطيخ والحمام والتاكسي وغرام الراهب حتى أن أحدهم، من باب العقاب لأني أجير عنده، قطع الربط بين موقعي وبين صفحتي في موقعه لمجرد انسحابي وهو حق لكل كاتب وزنبور وعصفور ودليل على هشاشة رصانة ملفقة وصبينة نادرة وغريبة، مع أننا، للأمانة، كثيرا ما نختلف مع الأخ رزكار عقراوي لكنه لا يخطر بباله أن يقوم بمثل هذا السلوك الصبياني لأنه حريص على كرامته، وعلى تاريخه، وعلى هيبته الشخصية، لأنه رجل تقاليد سياسية وأخلاقية.

وهذه الظاهرة بدأت تنتفخ وتتضخم في مناخ الصمت العام الذي يخلق الجريمة وقد نجد أنفسنا يوما( ما لم نتكاتف مبكرا) وقد غرقنا في محيط عفن جديد أكثر ضحالة من المناخ الوحشي السابق خاصة وان هؤلاء يستفردون كل كاتب لوحده، كالضباع رغم كل خلافاتهم الخاصة وأساسها المنافسة غير المشروعة ويساعدهم في ذلك أن المثقف العراقي( الجديد) جاهل بأن هناك تقليدا ثقافيا وسياسيا وأخلاقيا يسمى التضامن بين المثقفين  فلا يعني لأحدهم مصادرة رأي كاتب آخر مع أنهم شركاء في الحرية والأمل والمصير والمنفى والمستقبل.

هؤلاء يضعون الكاتب المختلف وغير الشبيه داخل حلقة كالضباع أيضا وينهشون به من كل الجوانب على نحو وحشي افتراسي بهيمي مع أن وطنهم( إذا كان لهم وطن) يباع ويشترى ويخرب علنا.

هؤلاء يتغذون من أيتام وتراث الإتحاد السوفيتي في ثقافة الوصم الذين عادوا من هناك بهذه( الصرماية) الصرة الوسخة بعد خبرة ومعاشرة وتجربة طويلة في قتل ومطاردة وتدمير الكتاب هناك.

الدليل، وهناك مئات الأدلة، هو كتاب الطبيب الروسي أناتولي كوياجين الذي كان طبيبا نفسيا في مستشفى للأمراض العقلية في الإتحاد السوفيتي وعنوان كتابه أو اعترافاته المرعبة هو( مرضى رغم أنوفهم أو السجون النفسية) حيث يعترف هذا الطبيب ان المخالفين هناك كانوا يجري التشهير بهم على أساس:
أولا: خصوصيات حياتهم لأن هذا أكثر إيلاما رغم شناعته الأخلاقية.

ثانيا: نشر معلومات ملفقة عنهم في كل مكان على أنهم مرضى نفسيا ومعقدين على أن يتم ذلك دون أن يعرف المواطن العادي  أو المثقف المشهر به أن هناك حملة منظمة.
 
ثالثا: إذا لم تنفع هذه الأساليب دفعهم نحو الانتحار الجسدي أو الجنون من خلال تعليمات حزبية لكل من له صلة من بعيد أو قريب بالمثقف أو الكتاب الضحية بالتعامل معه باحتقار على أن يشعر المثقف أو الضحية أن هذا الاحتقار عفوي وبسبب سلوكه هو وليس نتيجة توجيهات حزبية.

رابعا: وكخطوة أخيرة للمثقف أو الكاتب المختلف أو( المنشق) يجري إجباره على الدخول إلى مصحات نفسية خاصة ويعمل فيها أطباء حزبيون موجهون على أن يشعر الكاتب أن مرضه حقيقي وليس وهما وفي أحدى هذه المستشفيات كان يعمل كوياجين ومنها كتب اعترافاته المثيرة.

خامسا: إذا لم تنفع كل هذه الأساليب، أي أساليب التحريض والتلفيق والتشويه، يجري تصفيته جسديا. وتشير وثائق الكي،جي، بي السوفيتية بعد كشف بعضها اليوم إلى قتل وتدمير آلاف الكتاب والمثقفين والمخالفين ومن ضحايا هذه الحملات الروائي حامل جائزة نوبل باسترناك، والروائي اليا  هندنبيرغ، والشاعر المنتحر ما يكوفسكي، والروائي حامل نوبل سولجنسين وعالم الذرة زاخاروف الذي يقول عنه المؤلف أنه صمد صمودا أسطوريا أمام حملات رهيبة لدفعه للانتحار أو الجنون.
 
هناك في المناخ السياسي العراقي من نقل هذه الرذيلة إلى صحافة اليوم بدل أن يكون مربيا أو معلما ويشرح تجاربه في هذه الحياة بعد أن وضع لها شعارات جديدة زائفة للتسويق والتعريق.

نعم هناك مقاطعة علنية شجاعة لأدباء العراق لهذه المواقع نظرا للمساوئ والعاهات الكثيرة التي أدخلتها في الإعلام العراقي خلال هذه الفترة القصيرة، ولكن هذا الإضراب وحده لا يكفي بل الأهم هو:
 خلق مقاييس
 ومرجعيات
في الأعلام أو ما يعرف بأخلاقيات النشر، ومن المعروف أن الموقع أو الصحيفة تعكس الوجه الداخلي النفسي والأخلاقي لصاحبها.

والأهم إحياء روح التضامن بين المثقفين لأنها تعري وتكشف جوهر المثقف الحقيقي من المزيف وكشف هؤلاء المروجين الذين يريدون إعادة عقارب الزمن العراقي إلى الخلف من خلال خبرة التاجر المفلس في حين اندفع الفكر البشري نحو آفاق عالمية مثيرة.

 الصحيفة أو الموقع مرآة يعكس قيم ومعايير وثقافة الصانع وتربيته ومن حسن الحظ هناك صور مشرقة لمواقع رصينة وجادة وتحمل رسالة ثقافية وأخلاقية وسياسية وتلتزم بأخلاقيات الحوار والنشر لأن كرامة الناس أهم من الحقيقة كما يقول الفيلسوف برتراند راسل، لكن هذه المواقع الزاهية تضيع في هذا الزحام والإثارة وكما يقول المثل العراقي ـ بعد التحوير ـ واحد يبخّر وعشرة يطلقون روائح كريهة.

إن كل منبر إعلامي يعكس أخلاق صانعه وكل كلام عكس ذلك نفاق علني.

وإذا كان الصانع ضارب دف؟!

ليس حتما أن يكون أهل البيت شيمتهم الرقص بل قد تكون شيمة أهل البيت  الرفض والعصيان والإنكار والسخط.

إن تجربة حكم الوحش لا يجب أن تتكرر على أية صورة. وأخطر الظواهر أصغرها قبل أن تصير شجرا وحشيا عملاقا. فهل نتعلم؟!

هل نعيد، بالصمت الخجول، والتردد، إنتاج حقبة حكم القرية وجراد الصحراء على نحو الكتروني جديد ملون على شكل فراشات زرقاء هذه المرة تحمل بذاءة قاتلة وتقليدا وحشيا؟!
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بشير شوشة: -من الضروري نشر المحتوى التاريخي على جميع المنصات


.. حماس تعلن وفاة أحد المحتجزين.. وإسرائيل توسع عملياتها باتجاه




.. في ظل الرفض العربي لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية في غزة..


.. روسيا تكتسح الغرب في -معركة القذائف-.. المئات يفرّون من القت




.. جبهة لبنان على صفيح ساخن .. تدريبات عسكرية إسرائيلية وحزب ال