الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رفع الحصير

صفوت فوزى

2008 / 1 / 30
الادب والفن


زاحفاً ... بلونه الترابي وسحنته المغبرة ... يُقبِل اليوم الثالث ... ساعات ... وينفض المعزون كل في طريق ... وتُرفَع الحُصر ... وتبقي الحسرة ... جرح نازف ... ولوعة لا تطفئها الدموع .
توقف برهة أمام الباب ... غمرته رطوبة المدخل ... مشط لحيته البيضاء بأصابعه ... زفر ... استند علي الدرابزين العتيق ... وبخطوات متئدة وقورة صعد السلم الضيق يخب في جلباب أسود وعمامة سوداء منفوخة ترتكز علي أذنين نافرتين ... في فضاء الشقة التي تجردت من معظم أثاثها وفرشت أرضيتها بحصير متعدد الألوان والخطوط ... دب بقدميه الغليظتين وقد تركزت عيناه المداهنتين الودودتين علي الأطفال الذين أسرعوا يقّبلون يده الممدودة الشبعانة ... فيما كان " مينا " ابن الثالثة يمتطي صهوة جواد بهتت ألوانه في فضاء الحصير الممدود ، وانمحت بعض أجزائه كاشفة عن بلاط تآكل سطحه وإمتلأ بندوب صغيرة نصف مردومة .
في منتصف الحجرة المجللة بالصمت ، وضعت مائدة تفترشها بضع حزم من البقدونس المرشوش بالماء ، وأمامها طبق ملء حتي منتصفه بالزيت زرعت فيه سبع نتف من قطن مبروم مغموس أسفلها في الزيت ، ودورق ملء لحافته بالماء ... يُسرج الرجل القناديل السبعة فتصنع صليباً من لهب يتطاوح ضوؤه مع النسمات ... كبش بيده حفنه بخور ألقاها في مجمرته المشتعلة ... فتضوع المكان برائحة البخور وانسابت سحب الدخان تتدحرج وتلاحق بعضها وتذوب في الفضاء ... رسم علامة الصليب وفتح كتاباً عتيقاً وتلي :-
" هذه النفس التي اجتمعنا بسببها الآن ... افتح لها يارب الملكوت لتشارك جميع القديسين ، افتح لها يارب أبواب الراحة لترتل مع كافة الملائكة ، ولتستحق أن تنظر النعيم ... ولتدخلها ملائكة النور إلي الحياة ، ولتتكيء في حضن آبائنا إبراهيم واسحاق ويعقوب " .
الرجل العجوز ذو الوجه المنحوت من طين البرك ، المتدثر بعباءة كالحة منقوعة في التراب ... أخرج منديلاً مسح به الوجه المتغضن فيما صعّد عينيه في صورة " المرحوم " المعلقة علي الحائط ... تنبه " مينا " فمسح بكم جلبابه سائلاً لزجاً مائلاً للإصفرار تجمع تحت أنفه ... أنّت الأرملة الشابة فتقطّر الحزن علي الخدين ... توجّع القلب فاهتز العرش ... وراحت في إغماءة ...
من قلب الزمن الغارق في السبات ... المتسربل بالأزل ... من بين سحابات الدخان والبخور المتلوي الصاعد للعلا ... ينتصب كاهن قديم يتوسط حشد من المرتلين ، وقيثارة نائحة ... يعلو الصوت ... يتردد صداه في المعبد الذي يملأ المدي ... ينداح ... يملأ البراح ...
" قم ... إنك لن تفني ... إن لحمك لن يعتريه مرض ... إن أعضاءك ليست بعيدة عنك "
" ولو أنك ترحل ، فإنك تجيء ، ولو أنك تنام فإنك تستيقظ ، ولو أنك تموت فإنك تحيا "
" قف حتي يمكنك أن تري ماذا فعل إبنك لأجلك "
........
في صوت نحيل ولكنه واضح ، مؤلم الوضوح ... دائب لا يني ... مرتعش ولكنه مصمم ... كان الصغير " مينا " يسأل :-
هو بابا فين ؟
السماء فوقها متربة منيرة بالنجوم ، ونصف قمر منسي يريق ضوءه علي أسطح البيوت المكومة ، وضوء النجوم بريق يحترق من بعيد كأنه لهفة لا تنطفيء ... مسّدت بعينيها رأس الصغير ... ضمته في حضنها ... و ... بكت .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب