الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن و إسرائيل: حرب دائمة؟

عبد الرحيم الوالي

2008 / 1 / 31
الارهاب, الحرب والسلام


حلت يوم 27 يناير ذكرى الهولوكوست، أي المحرقة التي أقامها النظام النازي في ألمانيا في الفترة الممتدة من 1938 إلى 1945، و التي ذهب ضحيتها اليهود و الغجر و شعوب أخرى إضافة إلى الأشخاص المعاقين.
ذكرى الهولوكوست هذا العام تأتي في ظل تصعيد خطير على مستوى الأراضي الفلسطينية و إسرائيل إثر سيطرة حركة حماس على قطاع غزة و فرض إسرائيل حصاراً على هذا الأخير. و ينضاف إلى كل هذا الوضع القائم بين إيران من جهة و إسرائيل و الولايات المتحدة و الدول الأوروبية من جهة أخرى، و الوضع المعقد في لبنان، و حمام الدم المتواصل في العراق.
بالطبع، فهذا الوضع يدفع الكثير من المتطرفين ـ في العالم العربي و الإسلامي و إسرائيل و الولايات المتحدة و أوروبا ـ إلى التشبث ببعض المقولات الغيبية. ففي إسرائيل لا يزال هناك مَنْ يحلم بإقامة "إسرائيل الكبرى" الممتدة من النيل إلى الفرات، و في العالم العربي هناك مَنْ لا يزال يحلم بإبادة إسرائيل، و في أمريكا و أوروبا لا تزال طوائف مسيحية تؤمن ب"إقامة مملكة الرب" على الأرض في الألفية الثالثة بعد تجميع اليهود في الأرض المقدسة ليسهل القضاء عليهم.
غير أن كل هذه الدعوات، سواء كانت باسم الإسلام أو اليهودية أو المسيحية، تظل مغرقة في الغيبيات و لا تتجسد في الواقع إلا كممارسات عنصرية تتناقض مع دعوة الديانات السماوية الثلاث إلى التآخي و المحبة و السلام، علاوة على كونها تتناقض مع قانون التاريخ الذي أثبت دائما أن عمر الحروب أقصر بكثير من عمر السلام. فعبر التاريخ الإنساني الطويل لم تكن هناك حروب دائمة بين أي من الأمم و الشعوب. و بالنتيجة فلن تكون هناك حرب دائمة بين العرب و الإسرائيليين، و لا بين غير هؤلاء و أولئك من باقي الشعوب.
منذ 1948، تاريخ قيام إسرائيل، أي على مدى ستين عاماً، لم تفض الحرب بين العرب و الإسرائيليين إلى أي نتيجة سوى الكراهية المتبادلة و القتل المتبادل. و نحن في العالم العربي لا نعرف ـ بحكم ما تلقيناه عبر القنوات التربوية و الإعلامية ـ إلا الجانب السلبي من إسرائيل. فهي في نظرنا "دولة عنصرية"، مواطنوها جميعا قتلة و سفاكون للدماء، و كل المصائب التي تصيبنا كشعوب عربية تأتي من إسرائيل و الإسرائيليين. و أكثر من ذلك فالأمر يتحول إلى تكريه اليهود عامة في نظر العرب و المسلمين و ليس فقط الإسرائيليين. أما الإعلام الإسرائيلي فنحن لا نعرف عنه شيئا لأن أغلبه يصدر باللغة العبرية التي لا تعرفها إلا قلة قليلة في العالم العربي.
نفس الشيء يحدث أيضا مع الإسرائيليين الذين يرون في كل العرب أعداء يتربصون بهم لإبادة إسرائيل و إلقاء اليهود في البحر أو ربما إقامة هولوكوست جديدة لليهود. و نتيجة كل هذا سادت حالة عامة من الجهل بالآخر لدى الطرفين و حوربت (و تحارب!) كل محاولة لمعرفة إسرائيل و اليهود في العالم العربي بدعوى "مقاومة التطبيع". و بفعل هذا الجهل بالآخر، بل مقاومة معرفة الآخر، بقيت اللغة الوحيدة السائدة بين الوعي الجماعي العربي و الوعي الجماعي الإسرائيلي هي لغة المتطرفين أنفسهم، أي لغة الرصاص و القنابل و الصواريخ و الدماء و الرفض الأعمى.
و الآن، بعد ستين سنة من الحرب، ألا يجدر بنا أن نعيد طرح الأسئلة من جديد و أن نبحث عن إجابات بالهدوء العقلي و العلمي اللازم. فهل يمكن اليوم لإنسان عاقل أن يتخيل قيام دولة "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل؟ و هل يمكن لإنسان عاقل أن يتخيل إبادة إسرائيل و إلقاء مواطنيها في البحر؟
إذا ما تركنا التيارات المتطرفة في الجانبين العربي و الإسرائيلي، و أصغينا إلى الأصوات الواقعية داخل الطرفين، فكل ما يطالب به الإسرائيليون هو دولة إسرائيلية آمنة تعيش في سلام و تعاون مع جيرانها. و كل ما يطالب به الفلسطينيون هو دولة فلسطينية مستقلة و كاملة السيادة تعيش في سلام و تعاون مع الإسرائيليين. و إسرائيل وقعت معاهدتي سلام مع مصر و الأردن مما يعني عملياً أن فكرة "إسرائيل الكبرى" ليست إلا شعارا ترفعه فصائل يهودية متطرفة مثلما يرفع المسلمون و العرب المتطرفون شعار "إبادة إسرائيل" و "إبادة اليهود" الذي لا أصل له في الإسلام. فلا توجد آية واحدة في القرآن الكريم تدعو إلى قتل اليهود و لا إلى قتل غيرهم من معتنقي الديانات الأخرى سواء كانت سماوية أو وضعية. و كل مَنْ درس تاريخ الإسلام يعرف أن الأمر بالقتال نزل دفاعا عن حرية الاعتقاد لا من أجل مصادرتها. ذلك أن المسلمين في ذلك الوقت هم الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب عقيدتهم من طرف الوثنيين في مكة. و قد جاء هذا واضحاً في تعليل الإذن بالقتال في القرآن حيث قال الله تعالى: "أُذن للذين يُقَاتَلون بأنهم ظُلِموا و أن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله". فالوثنيون في مكة هم الذين لم يعترفوا بحرية المسلمين في الاعتقاد بعقيدتهم و التدين بدينهم و قاموا بتعذيبهم و تقتيلهم و تهجيرهم. و بالتالي فمبدأ الحرب في تاريخ الإسلام هو أنها كانت حرباً لحماية حرية العقيدة لا للإجهاز عليها. و إذا كان الأمر هكذا، فليس منطقياً تماماً أن يقبل الإسلام بمحاربة أحد بناء على اختلافه في العقيدة مع المسلمين، و لم يثبت أبدا أن الحروب التي خاضها نبي الإسلام كانت حروباً لنشر الدعوة، أي أنها لم تكن حروبا دينية. و هذا موضوع آخر سنعود إليه لاحقاً.
ما يهمنا هنا هو أن فكرة "إبادة اليهود" لا أصل لها في الإسلام. و في فترات تاريخية طويلة عاش اليهود و المسلمون في ظل دولة واحدة كفلت للطرفين حرية الاعتقاد و التدين، و لم تميز بين مسلم و يهودي في تقلد المناصب، فكان هناك رجال دولة من اليهود في العديد من ممالك الأندلس و غيرها. و في المغرب عاش المغاربة دائما مسلمين و يهودا في سلام و وئام و جاور بعضهم بعضا حتى أن عائلات مسلمة و يهودية كثيرة كانت و ما تزال مرتبطة بعلاقات حميمية نادرة. و على امتداد هذا التاريخ الطويل لم يحدث أن دعا إمام واحد من أئمة المسلمين إلى "إبادة اليهود". و هو ما يعني أن هذا الشعار ـ مثل شعار "إسرائيل الكبرى" ـ ليس سوى نتاج للدعاية المتطرفة.
لا يهمنا هنا أن نخوض في الجزئيات بقدر ما يهمنا أن نبين أن أصل العداء و الكراهية بين العرب (وأغلبهم مسلمون) و الإسرائيليين ليس نتاجا للإسلام و لا لليهودية و إنما هو نتاج أيديولوجيات عنصرية متعصبة هيمنت على الساحة في غياب تام لأصوات الاعتدال و العقل و السلام. فنحن كجيل عربي ولد في الستينيات من القرن الماضي لم نعرف من إسرائيل إلا الذين ارتبطت أسماؤهم بالمذابح في دير ياسين و بركة القمر و صبرا و شاتيلا و قانا الأولى و الثانية و غيرها. و بالمقابل، فنحن لم نعرف أدباء إسرائيليين و لا فنانين إسرائيليين و لا مثقفين إسرائيليين من دعاة السلام، و من المؤكد أن كل ما يعرفه الرأي العام الإسرائيلي من العالم العربي هو أسماء الذين يدعون إلى "إبادة اليهود" في هولوكوست جديدة.
غير أن التاريخ، كما تقدم، يعلمنا أنه لا توجد حروب دائمة. و مهما طالت الحرب بين العرب و الإسرائيليين فسيكونون يوماً مدعوين إلى صناعة السلام. و السلام لن يصنع فقط بين الحكومات و إنما ينبغي أن يصنع بين الشعوب لأنها دائما أبقى من الحكومات. لذلك فلابد من القيام بمبادرات للحوار بين المثقفين العرب و نظرائهم الإسرائيليين حتى يكون هؤلاء و أولئك قادرين على رسم صورة إيجابية عن الآخر سواء في العالم العربي أو إسرائيل، و بناء آليات للمصالحة التاريخية بين الطرفين. فنحن في العالم العربي عانينا نفس الويلات التي عاناها اليهود من النظام النازي في ألمانيا و مات آلاف العرب في مقاومة النازية و بسبب المجاعات و الأمراض التي جلبتها الحرب آنذاك. و نحن و الإسرائيليون نعاني منذ ستين سنة من حروب لا نتيجة من ورائها إلا مزيد من سفك الدماء و تهديد الأمن و الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إن لم نقل في العالم برمته.
ذكرى الهولوكوست هي مناسبة للتوقف و التأمل و استخلاص العبر مما يمكن أن تفضي إليه الأيديولوجيات العنصرية مثل النازية. و هي ذكرى ـ بقدر ما تدعونا إلى الوقوف إجلالا لأرواح ضحاياها من اليهود و غير اليهود ـ تدعونا أيضا إلى عمل كل ما يمكن لتفادي تكرارها سواء في حق اليهود أو في حق غيرهم من أبناء الإنسانية. و السبيل الوحيد إلى ذلك هو الاعتراف بحق الجميع في الوجود و الحياة الكريمة على الأرض، و ترجيح كل ما هو إيجابي و جميل في تراث و ثقافة و تقاليد كل طرف وصولا إلى بناء ثقافة إنسانية واحدة للسلام و التعايش و نبذ العنصرية و التطرف.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. معاناة متفاقمة للفلسطينيين وتعثر التهدئة بسبب مواقف نتنياهو 


.. مصرع المئات بعد فيضانات مدمرة في أفغانستان ?




.. مشاهد لنسف الجيش الإسرائيلي بقايا مطار ياسر عرفات الدولي شرق


.. حزب الله: هاجمنا 3 أهداف إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة وثك




.. يوم ملتهب في غزة.. قصف إسرائيلي شمالا وجنوبا والهجمات تصل إل