الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في ذكرى وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948

موسى جعفر السماوي

2008 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


الشعب يرفض الوجود الاستعماري في بلاده ويعارض معاهداته غير المتكافئة التي يصر عليها الاستعمار لإضفاء الشرعية الدولية على وجوده وتعطيه حرية توسيع نفوذه السياسي والاقتصادي والثقافي والعسكري وحق الاستثمار الاحتكاري لموارد البلاد الطبيعية والبشرية. ومن جهة أخرى يرى النظام الملكي ـ الإقطاعي أن الوجود الاستعماري يوفر له حماية بقائه في السلطة ويعزز من قدراته على حكم البلاد.
إن توحد المنفعة والمصير دفع بالنظام المتخلف إلى توظيف نفسه حارساً وراعياً لمصالح الاستعمار البريطاني وتعمد التفريط بحقوق الشعب الذي تحمل أعباء ظلمه واستبداده. من أجل ذلك وتوطيداً للعلاقة المشينة غادر "صالح جبر" رئيس حكومة النظام الملكي ـ الإقطاعي متوجهاً إلى بريطانية للقاء وزير خارجيتها "بيفن" في ميناء "بورتسموث" المطل على بحر المانش لاستبدال معاهدة 1936 بمعاهدة أخرى تلائم الوضع الدولي وتفي بأغراض إحكام سيطرة الاستعمار البريطاني ويقوى نفوذه ويضمن لمصالحه وضعاً أفضل دون أن تقيم فيها وزناً أو نفعاً لشعب العراق الذي عبر بمختلف وسائل النضال المشروعة عن رفضه لمعاهدة 1936 وكان يطمح بإلغائها لا إستبدالها كخطوة متقدمة في الطريق نحو تحقيق السيادة الوطنية والاستقلال التام. وتحدياً لإرادة الشعب واستهانة بتضحياته وحقوقه الوطنية أبرم "صالح جبر" المعاهدة التي أعدتها بريطانيا وهي الأكثر جوراً من سابقاتها وسميت بمعاهدة "بورتسموث" أو معاهدة "جبر ـ بيفن".
وكان للشعب بأحزابه السياسية الوطنية ونقاباته واتحاداته النسائية والطلابية والشبابية رأي آخر هو إلغاء المعاهدة وإسقاط الحكومة ومجيء حكومة وطنية تعيد للشعب حقوقه وحرياته الديموقراطية واستقلاله الوطني. وسرعان ما غصت شوارع بغداد وساحاتها وفي بعض المحافظات بمظاهرات جماهيرية صاخبة ارتفع مستوى مواجهتها ضد قوات الحكومة القمعية التي رغم استخدامها لأقسى أساليب القمع والإرهاب شراسة وتضليل الرأي العام وحملات المداهمة والاعتقال، فإن وثبة الشعب الخالدة قد بلغت أوجها في معركة جسر الشهداء حيث عسكرت مجموعة من الشرطة مجهزة بالرشاشات على منارة الجامع المطل على دجلة بمحاذاة الجسر من جهة الرصافة. وعندما باشرت مظاهرة جماهير الكرخ بالعبور للانضمام إلى مظاهرة جماهير الرصافة، أمطرتها قوة الشرطة المتمركزة فوق المنارة بوابل من الرصاص وكانت مجزرة رهيبة حصدت أرواح العديد من أبناء العراق البررة وجرت دماؤهم الزكية على الجسر وبقدر ما هي ملحمة تأريخية يفتخر ويعتز بها الشعب كانت وصمة عار لطخت بالوحل نظام التخلف والفساد تضاف إلى جرائمه الموغلة في كره الشعب. وبإصرار وطني وبسالة قل نظيرها أكملت مظاهرة الكرخ عبور الجسر والتحمت بمظاهرة الرصافة، إنها أجمل تعبير عن المعاني السامية للوحدة الوطنية من اجل تحقيق أهداف الشعب.
وفي الوقت الذي كانت تسيل فيه دماء العراقيين، كان "صالح جبر" من بريطانيا يهدد ويتوعد بإنزال العقاب الصارم بكل معارض للمعاهدة ووصف الوثبة الخالدة التي عبرت عن إرادة الشعب في تصفية الوجود الاستعماري بأنها من تدبير الحزب الشيوعي للإخلال بالنظام وأنه سيصل إلى بغداد وسينتقم من الذين كانوا وراءها. لكن الجماهير الغاضبة إعتبرت صيحاته استهانة بمشاعرها الوطنية من جهة وتعبيراً عما يجتاح داخله من رعب وفزع خشية فشله في تحقيق مشروع يقرر مصيره السياسي ليثبت من خلاله أنه أقدر من أسلافه في رعاية المصالح البريطانية في العراق من جهة أخرى مما زاد في إندفاع الجماهير وإصرارها على مواصلة الكفاح وتحمل تضحياته.
وعندما وجدت الطغمة الحاكمة نفسها في مأزق حرج وأن قواتها القمعية لم تعد قادرة على مواجهة الزخم الجماهيري للوثبة التي باتت تهدد نظامها وقد تعصف به في أية لحظة، بادر "عبد الإله"، الوصي على العرش، مكرهاً إلى إصدار بيان أذيع من دار الإذاعة العراقية يعلن فيه إلغاء معاهدة "بورتسموث" وإعفاء الحكومة وتكليف السيد "محمد الصدر" بتشكيل الحكومة التي أطلق عليها لحظة تشكيلها بـ "الحكومة التسكيتية".
إن بيان الوصي وما أعقبه من إجراءات قد أطفأت جذوة الحماس وحالت بين الوثبة وبين تحقيق أهدافها المشروعة في الحرية والاستقلال الوطني. وعاد "صالح جبر" خائباً مخذولاً بطائرة حطت به في مطار القاعدة العسكرية البريطانية في الحبانية ومنها تسلل خلسة تحت جنح الظلام إلى بغداد بمصفحة بريطانية في وضع لم يحسد عليه غاضباً على حكومته لأنها بعد كل ما قامت به من أعمال القتل والمداهمات والاعتقالات كانت مقصرة في نظره، عجزت عن تصعيد شراستها إلى مستوى سحق الوثبة! معتبراً فشله بأنه مؤامرة من تدبير "نوري السعيد" (خصوم في طغمة حاكمة واحدة توحدهم معاداة الشعب).
ورغم أن الوثبة الخالدة لم تحقق كامل أهدافها لكنها كانت ملحمة تأريخية باسلة وصفحة ناصعة البياض في سجل نضال مشرف للعراقيين الذين ضحوا بدماء أبنائهم في معارك بطولية على جسر الشهداء وفي شوارع بغداد وعدد من المحافظات، لقنوا فيها طغمة النظام الملكي ـ الإقطاعي درساً بليغاً وتعريته كنظام رجعي غير شرعي مستبد سخر نفسه لحراسة ورعاية مصالح الاستعمار البريطاني في البلاد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل