الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيف عنترة

عمر حمّش

2008 / 2 / 6
الادب والفن


اليوم أطبق علىّ الاختناق، فهّربتني ساقاي، ترنحت، حتى غامت العينان في جمهرة محتشدة حول طاولة عملاقة، يعلوها سوقي، تلوح يداه ، كان يفجر فوق الرؤوس، قميص ينفع لعامل طوبار ، قميص بشاقل، شاقل ونصف، شاقلان ، ترتفع ذراع من بعيد ، يزداد السعر بطيئا، يزداد الاختناق، يحذف القميص فوق الجمهرة، تتلقفه يد وتقلبه، قميص آخر، بنطال يصعد العالي، شاقل، تعوم العينان، هذا الانقباض داء شخصي يخصني، يتلقفني، ليتلذذ داخلي، منذ الليل إلي الليل، يقبضني حتى تهتزّ الساقان، حتى تخذل الذراعان، وتنطفئ العينان، الوجوه تعوم، كلّ شيء أبيض يهتزّ، أو أسود داكن في كلّ شيء ، السوق لا تفرّج الكرب، والاختناق يحتلني وسط المزاد..
الدلال همجيّ يجأر، الناس أصنام عمياء تحملّق في خرق بالية قادمة من إسرائيل، ملبوسات ممسوحة، أو أحذية مثقوبة، والهمجيّ يصيح بإتقان تعوّده، ذراعاه تعومان، يقلب بضاعته ، أحيانا يلبسها ويهيج كعارض أزياء، فتهيج الأصنام.
أترنح أنا تحت رأسي، وأجلس بين السيقان.
يا عينيّ رأسي المطفأ تين، يا ظهري المسنود إلى حائط ، يا روحي الغائصة في بئر بلا قرار.
أذهب داخل بئري، أغوص لتلاحقني الجمهرة ، تطبق داخل صدري، والحشد يزيد ، قمصان تتناثر لتلطم الرؤوس، معاطف وسراويل تطير،أحذية تلاطم الخدود، وأنا عصفور أسود يرقب الهمجي ويدقق فيه.
ويا عجبي! صار لأسفل خدّيه ذؤابتان ، رأسه ازدان برقعة مستديرة سوداء، رفع من بين ساقيه سيفا طويلا، رغم الصدأ لمع حدّاه ، حمله ثقيلا ولاح به، وهويت أنا ، اختناقي ازداد، ضرب الهواء، فسمعت صليلا، أحسب أني أعرفه.
صاح الهمجيّ : سيف عنترة !
وصاحت الناس : سيف عنترة!!
هللوا ولا أعرف ماذا قصدوا!
عاد يضرب الهواء وينادي : سيف عنترة!
جاء من لم يأت، احتشدت السوق، وحسبت الدنيا احتشدت .
شاقل ! سيف عنترة !
وأنا عصفور أسود أتراقص فوق الحدّ، أتشممه، أتذوقه للحظة ثمّ أطير، تزايد التهليل، وارتفع صوت : شاقلان !
رأيت مرحا في العيون ، فضاعت عينايّ ، ويا عجبي في أقصى الحشد رأيته ! كان عبدا ذاويا، ينحني على خجل بين السيقان ، رنت عيناه الواسعتان إلى السيف ، فسكبت أنا ما تبقى من دمي، كدت أحادثه فلم أقو ! كدت ألثم شعره المجعد، فلم أقو ، وارتفعت يد، صار السعر ثلاثة!
ضرب الهمجيّ بالسيف ، وأرسل صليلا ، ثلاثة ،
أنا مذبوح .


يا ربى، العبد الأسود يذوى، وأنا أذوى، ولا عينين تشبهان عينيّ، بل
مرح يعلو ، هذا سيف عنترة يا ناس ، أربعة!
الذؤابتان تتراقصان ، القبعة تتطاير معلقة بدبوس يشجنى ، في عنق العبد الأسود حبل، وعلى خجل يرنو ، أين أنت يا عزرائيل ، القبر أمنية الأمنيات، رغبة الرغبات ، طريق النجاة لعصفور ممزق ، يا موت الصالحين اقترب، خمسة شواقل.
الهمجيّ يعربد ، يتراقص، يطير ثقيلا، ويهوى فوق الرؤوس، أفسحوا المكان ، يدبّ على الأرض ويمزق بسيفه الصفوف، يصل العبد فيجرّه ، يهتف وعنترة معه : السيف وعنترة !
يصفق الناس! يحمل عنترة السيف ثقيلا، ويدور به ، يقصفه الهمجيّ بعصا ويقهقه ، ستة ، سبعة ، عنترة يعوى، وأنا مذبوح ، ثمانية شواقل. عزرائيل لم يأت، يا مريح التائهين ، يا مغيث!
يتخلى عنى عزرائيل في أوج العوز! .
أغوص في بئري ، تلاحقني عيون عنترة ، السعر يزيد بطيئا, المجنون يقهقه ، أغوص، أغوص . أصل شاطئ بحرنا ، أدخله على عجل ، تدفعني الأمواج ، فأعود عنيدا ، أقذف روحي داخلها ، أضرب رأسي في صخرة فلا تنفجر ، أبحث عن جوف حوت فلا أجد ، تسحبني القهقهة ، القبعة المتطايرة ، الذؤابتان ، اللكنة غير العربيّة ، عينا عنترة الذبيحتان، يتردد صدى صراخي ... يا عزرائيل..!. فتدوسني أقدام في الحشد لتوقظني ، تسحبني من بئري .
أحدهم يتلمس وجهي ... يا أخ!
فألملم نفسي عن الحائط، وأقوم ،لأجر جسدي مبتعدا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط


.. فيلم تسجيلي عن مجمع هاير مصر للصناعات الإلكترونية




.. جبهة الخلاص الوطني تصف الانتخابات الرئاسية بالمسرحية في تونس


.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل




.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة