الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-علام الضجة فهم مجرد 13 قتيلا؟-

برهوم جرايسي

2008 / 2 / 1
القضية الفلسطينية


يتجه فلسطينيو 48 في نهاية الأسبوع الجاري إلى إضراب عام، احتجاجا على قرار المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، ميني مزوز، وبصفته مدعي عام أعلى، بعدم محاكمة عناصر شرطة وجنود قتلوا 13 شابا من فلسطينيي 48 خلال مظاهرات أكتوبر 2000 التي اندلعت لعدة أيام، احتجاجا على اندلاع العدوان الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة.
ففي تلك المظاهرات تلقى عناصر الأمن أوامر واضحة بإطلاق النار الحي، بما في ذلك استخدام القناصة، لمواجهة مظاهرات سلمية، ليس فيها أية قطعة سلاح واحدة، في محاولة "لتلقين" فلسطينيي 48 "درسا"، ولردعهم مستقبلا عن التضامن مع أبناء شعبهم في مناطق 1967.
وبعد ضغط شعبي فلسطيني، أقرت الحكومة الإسرائيلية، في حينه، إقامة لجنة تحقيق رسمية استمرت في عملها ثلاث سنوات، وأصدرت تقريرا فيه الكثير من محاولات تخفيف حدة الجريمة، ورغم ذلك فقد أشارت بوضوح إلى القتلة والى المسؤولين عنهم.
إلا أن الحكومة الإسرائيلية وبعد أن تسلمت التقرير أقامت لجنة وزارية لتمييع ما جاء في التقرير والتهرب من توصياته، وفي المقابل فقد عملت وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة والجيش على مدى عامين، في محاولة لتشويه الأدلة، وأصدرت قرارا يقضي بإغلاق كافة ملفات التحقيق مع عناصر الأمن.
وفي حينه شرع فلسطينيو 48 بتحركات شعبية ضاغطة، من بينها إضراب متواصل عن الطعام للقادة السياسيين، انتهى بقرار المستشار القضائي بإعادة النظر بقرار وحدة التحقيق، ووعد بأن يصدر قراره خلال ستة أشهر، إلا أنه أصدر قراره في مطلع الأسبوع الجاري، أي بعد عامين ونصف العام.
بطبيعة الحال لم يتفاجأ أحد من القرار المتوقع، فهذا قرار ينسجم مع العقلية العنصرية التي تقود وتوجه قادة إسرائيل وسياستهم على مدى السنوات الستين.
كذلك فإن عدم المفاجأة نابع من سلسلة قرارات صادرة عن مزوز نفسه، ومن أبرزها أنه رفض ثلاث مرات إجراء تحقيق جنائي مع الوزير السابق العنصري أفيغدور ليبرمان، بتهمة التحريض على قتل أعضاء كنيست عرب، معتبرا أن تحريضا كهذا هو "حديث شرعي" ويندرج في إطار "الديمقراطية"، ورأيه هذا كان أيضا لدى تحريض آخر على العرب، مثلا، حين قال عضو كنيست يهودي إن العرب هم ديدان، وآخر دعا جهارة إلى طرد كل الفلسطينيين من وطنهم والقائمة تطول.
وهذا القرار ينسجم أيضا مع ما أثبته بحث أكاديمي جرى في جامعة حيفا الإسرائيلية، وظهر قبل نحو ثلاثة أعوام، يؤكد مدى تغلغل العنصرية ضد العرب في الجهاز القضائي الإسرائيلي، وهذا بعد أن قارن البحث بين أحكام فرضت على عرب ويهود في مخالفات أو جنح بنفس المستوى، إذ كانت الأحكام على العرب أقسى بثلاثة أضعاف من تلك التي فرضت على اليهود.
وينسجم أيضا مع حجم الأحكام التي تفرض على إرهابيين يهود قتلوا فلسطينيين، فقط لكونهم عربا، ومع كيفية التعامل مع هؤلاء الإرهابيين الذين يمضون بضع سنوات في سجون مفتوحة، مع كل وسائل الترفيه، وكثرة التواجد في بيوتهم وبين مجتمعاتهم.
وأمام هذا الوضع هناك اجتهادان بين فلسطينيي 48، الاجتهاد الأبرز والمنتشر أكثر، خاصة لدى قيادة فلسطينيي 48، هو الإصرار على إجراء المحاكمة، وأن تكون محاكمة رادعة، مع الاحتفاظ بموقف يقول، إنه على الرغم من أنهم يطالبون محاكمة القتلة الذين نفذوا القتل، إلا أن المجرم الحقيقي يبقى من أصدر الأوامر، ولم يمثل للمحاكمة.
أما الاجتهاد الثاني، وإذا جيز لي فأبوح بأنني أتبناه، فإنه يرى أنه في ظروف القضاء الإسرائيلي والسياسة الإسرائيلية العنصرية بمجملها، والتجربة في مثل هذه الحالات، يجب عدم التوجه إلى القضاء الإسرائيلي لأنه في محاكمة كهذه لن يتم محاكمة القاتل الحقيقي لهؤلاء الشبان.
فعناصر الأمن وضعوا أياديهم على زناد أسلحتهم وقتلوا بدافع الأوامر، ولكن أيضا بدافع أحقاد عنصرية تربوا عليها منذ طفولتهم، وهذا ما تثبته طبيعة المنهاج التعليمي الإسرائيلي، الذي في مركزه "فوقية اليهود" و"كشعب فوق كل الشعوب"، وليس فقط ما يسمى بـ "شعب الله المختار" (الصهيونية واليهود في العالم يعتبرون أنفسهم شعبا وليس فقط ديانة).
كذلك الأمر فإن القيادة العسكرية والسياسية التي أصدرت الأوامر، لم تختلف عن كل من سبقها أو خلفها من قيادات، ولهذا فإن القاتل الحقيقي فهو الفكر والعقلية الصهيونية العنصرية، المتغلغلة في الشارع الإسرائيلي والمؤسسة الإسرائيلية، وتوجه تحركاتها، وهذا الفكر هو في صلب سياسة التمييز العنصري الخطيرة التي يواجهها فلسطينيو 48 على مدى 60 عاما، وتجعلهم مواطنين بدرجتين أقل وأكثر، وتحرمهم من العيش بظروف طبيعية في وطنهم، وما يزالون يواجهون عقلية الترحيل بوسائل مختلفة.
وهذا الاجتهاد يحذر أيضا من أن محاكمة كهذه، وفي حال لو جرت، لكانت إسرائيل ستسعى إلى تنظيف نفسها من الجريمة، تماما كما فعلت قبل 51 عاما، في محاكمة ضابط الاحتلال يسخار شدمي، الذي أمر بتنفيذ مجزرة كفر قاسم، التي راح ضحيتها 49 مواطنا، إذ حكمت عليه المحكمة الإسرائيلية "بعقوبة" دفع غرامة قرش واحد.
ومنذ ذلك اليوم أصبح مصطلح "قرش شدمي" يستعمل كتعبير عن العنصرية الإسرائيلية الصهيونية.
مهما كان، فلا تصادم بين الاجتهادين، وعلى أي حال فإن محاولات الاجتهاد الأول ساهمت في تقديم إثبات جديد على أن إسرائيل والصهيونية هي أخطر عنصرية في عالمنا المعاصر.
من السخرية أن هذا القرار صدر في نفس اليوم الذي نشرت فيه الوكالة الصهيونية احصائياتها لعدد الاعتداءات على اليهود في أنحاء العالم في العام 2007، تحت شعار مناهضة ما يسمى بـ "اللا سامية".
قرأت تعليقا باللغة العبرية على نبأ المستشار القضائي، في أحد أبرز مواقع الانترنت الإخبارية الإسرائيلية، يقول: "علام الضجة فهم مجرد 13 قتيلا؟"، ولا يوجد تعبير أدق من هذا عن حالة رد الفعل في الشارع الإسرائيلي، لطالما أن القتلى عرب.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية