الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السودان : احتمالات السلام واجندة عمل مؤسسات المجتمع المدنى

احمد ضحية

2003 / 12 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


 منذ 18 يوليو 2002 عندما اجتمع الوفد الحكومي والحركة الشعبية  لتحرير السودان والوسيط الكيني بضاحية مشاكوس بكينيا بدا من الواضح إن ثمة ترتيبان تختلف عن كل ما مضى لحل المشكل السوداني فالحزب الحاكم خرج منهكا من صراعه الداخلي الدامي وفى ذات الوقت يدفع فواتير 11 سبتمبر الشهيرة بكل ما تعنيه من ضغوطات لمحاربة الإرهاب وتحقيق الحريات في العالم الثالث كما تزعم الإدارة الاميريكية ونتيجة لما اكتسبه السودان من سمعة سيئة في هذا المجال بفضل النظام الحاكم ومشروعه الاسلاموى الظلامى الامبريالى  بطبيعته النازعة للاقليمية ارتكازا على الاصولية العالمية التى خسرها بعد 11 سبتمبر  نتيجة الضغط عليه الى جانب ان ضرب الاصولية في العالم مثل  ضربة قاصمة للمشروع الاسلاموى الظلامى الذى اسمته الجبهة الاسلامية بالمشروع الحضارى منذ اعتلاءها سدة الحكم في البلاد منذ 1989اثر انقلابها على الحكومة الديموقراطية التى جاءت بعد انتفاضة ابريل 1985.. الضغوطات التى تعرض لها النظام بالاضافة الى فقدانه حلفائه ترتب عليهما تنازله عن البعد الاقليمى في مشروعه للتفرغ لترتيب أوضاع الحزب الحاكم بعد هذه المتغيرات العاصفة التى أسقطت عنه أهم مفاصله وجعلته مهددا بالزوال مما اضطره لمنح هامش حريات قابل للمصادرة كما ظل السياسيون يؤكدون متى ما شعر قادة المشروع بان وجودهم أصبح أمنا غير مهدد بالزوال
ان مشاكوس اتت في مثل هذا المناخ  فطرحت في الفضاء السوداني الاسئلة التى تلى 12 اغسطس ومن صميم الازمات التى ترتبت على المشروع الحضارى في المركزفالمشروع الحضارى استطاع ان يفرض الاسلام كمرجعية اساسية للسلوك الساسى والاجتماعى والاقتصادى وكرجعية لكل شىء فكيف سيتم التعامل مع هذه المرجعية بعد ان قطعت مفاوضات في جولاتها التى تلت جولة 18 يوليو 2002؟؟
من جهة اخرى ظلت الثقافة الاسلاموعربية مقررا اجباريا  منذ 1989 وخلال هذه الاعوام الثلاثة عشرة اعادت انتاج جيل بكامله سيتولى زمام الامور عما قريب فما هى الاجراءات التى يمكن ان يفكر فيها السياسيين في المركز بهذا الخصوص فهذا الجيل مرجعيته هى المرجعية الاسلامو عربية كما تصورها منظرى وقادة الحركة الاسلامية . من الاسئلة التى جديرة بالتاوقف عندها طويلا ايضا بعد 12 اغسطس هو كيف يتم استرداد ما نهب من مقدرات وثروات جماهير الشعب وما هو حجم النهب الذى تم بالضبط واثر هذا النهب على البناء الاجتماعى من جهة وعلى الوحدة الوطنية من جهة اخرى وموقع هذا النهب من القيم الاخلاقية والورع والتقوى التى وسمت خطابات المشروع المسموعة والمرئية والمكتوبة ؟
هذه الاسئلة لا تتعلق بالاجراءات التى يممكن ان تتخذ  فيما يتعلق بالجنوب  فقد قضى الامر فعلا ولا ندرى ما هو الثمن الذى دفعه السودان لاميركا والجوار مقابل الوضع الذى يمضى الان خلف الكواليس ؟؟!!
فمن الواضح انه ام يتم استصحاب ما كنا نكرره في كتاباتنا في الصحافة السودانية
ويبدو ان الحكومة ورطت السودان في اتفاقيات غير عادلة وضد تطلعات شعبه الحقيقية مقابل عدم محاسبتها وضمان استمرار تنظيم السلطة مستقبلا  ومن الجانب الاخر دخول البتلرول منذ وقت بعيد كعنصر حاسم في المعادلات السياسية في الاقليم والعالم بما جعل الاميركان يوقعون اتفاقا مع الحكومة التشادية ينص على ان تتم مشاريع التنمية والنية التحتية تحت اشراف الشركات المستخرجة للبترول ولا تحصل الحكومة التشادية الا على 5% فقط من عائدات البترول لتسيير شؤؤنها هذا الاتجاه ايضا جدير ان يؤخذ قيد الاعتبار عند النظر للمسالة السودانية منذ 12 اغسطس لانه يرتبط بالفساد والنهب الذى تمارسه الانظمة الافريقية ضمنها السودان
اذن جاءت مفاوضات مجاكوس في مناخ مشحون بقدر لا يستهان به من القلق والتوتر والضغوطات والاتفاقيات السرية فافضت الى ما افضت اليه : مستقبل غامض لاستقرار ووحدة البلاد !!
فمفاوضات مجاكوس شروطها جديدة تختلف عما سبق الاعتياد عليه لدرجة اصابة البعض بالصدمة كلما تقدمت خطى المفاوضات في العواصم الافريقية حتى لحظة التوقيع على الوثيقة الاطارية في الخرطوم مؤخرا
ان احد اهم مفاصل المشكل السوداني واكثرها تاثيرا الحرب في الجنوب فقد ارتبطت هذهالحرب بقيم ومصالح تحول دون تحديد علاقة الدين بالدولة اذ ظل الدين في السودان يتعرض للتوظيف الايديولوجى لاغراض التجييش والتعبئة الى جانب تطابقه مع الهوية في الشمال فالمسلم هو العربى والعربى هو المسلم مع ان السودان هو قطر افريقى اكثر منه عربى ومن هنا تاتى علاقة الدين بالدولة في مقدمة الهموم والقضايا التى ستشغل اجندة مؤسسات المجتمع المدنى في السنةات القادمة اذ لا يكفى مجرد  تحديد طبيعة هذه العلاقة نظريا طالما هناك قنابل موقوته هى جماعات الاسلام السياسى التى لا تزال حتى الان تؤدى دور اللمتلك للحقيقة المطلقة وتقوم بحملات التكفير  واهدار الدم المروعة فالدين ظل بالنسبة لقوى السودان الرجعية بمثابة راس المال الرمزى الذى يتم توظيفه لمصالح انية وذاتية وتلك هى احد المعارك الاساسية التى ستواجه القوى التقدمية ومؤسسات المجتمع المدنى في سبيل البناء لدولة مؤسسات مدنية تتمتع فيها الهويات المختلفة بحقوقها الثقافية وحرياتها الاصيلة والمكتسبة
ان السمعة السيئة التى اكتسبها السودان في الحرب بين الجنوب والشمال نتيجة ما يسمى بالمشروع الحضارى المبنى على الاسلمة والتعريب القسرى تظل احد الدوافع لاستمرار الضغط الاميركى على طرفى النزاع    ولافت للنظر استقبال الاوساط السياسية والثقافية لمجريات الامور بعد مجاكوس وصولا الى وصول وفد الحركة الشعبية الى الخرطوم في الايام الماضية بمشاعر متباينه لاحساسهم ان ورقة التوت التى كانت تختبىء خلفها الحركة الساسية في المركز قد سقطت اخيرا وانهم بحاجة لان يقرروا مصيرهم كمركز تاسس على الثقافة الاسلاموعربية انطلاقا من السؤال التالى : هل بامكان اى دولة دينية في السودان الا تكون ديكتاتورية مستبدة مهمومة بالحزب ولا تتمثل فيها قيم الوطن والمواطنة ؟؟؟ اذا اختبات الحركة السياسية في المركز ( كل تيارات الفكر السياسى وروافده )طوال تاريخها خلف الحديث المعمم عن الاصولية الاسلامية او التفسير الخاطىء للاسلام او استغلال الدين في السياسة ولم تجرؤ على تحليل المشروع الاسلامى ,الصحوة الاسلامية , الجمهورية الاسلامية , المشروع الحضارى ..الخ
المثقفون والسياسيون وموسسات المجتمع المدنى مواجهون الان بهذا السؤال وهذا بالضبط ما يبعث على القلق في اوساط المتاسلمين والقوى التى تعتمد على الدين كراسمال رمزى لاحتكار الثروات الزراعية والتجارية فمنذ الان وصاعدا ليس من الممكن الاختباء خلف شعارات الحركة الشعبية فقد حسمت الحركة خيارها وتبقى على الحركة السياسية في المركز هى الاخرى ان تحسم خيارها عمليا بعد ان نبات الامور الان عن غموض مريب   يثير القلق على مقبل الايام
لقد استغرقت اوروبا خمسة قرون من الزمن حتى تتمكن من اعادة تشكيل وصياغة مجتمعاتها على نحو مدنى يحترم حقوق الانسان ويحقق اماله وتطلعاته في التنمية والرفاهية وفى سبيل ذلك اريقت الدماء وقطعت الاعناق فهل الساسة والمثقفين في المركز على استعداد  لدفع ضريبة الاصلاح الدينى والتنوير والتحديث والتجديد .. اشك  في ذلك !  انطلاقا من فكرة التطابق بين العقيدة والهوية وتحديد علاقة الدين بالدولة والاعتراف بالحريات وحقوق الانسان عمليا والتنمية والرفاهية والديموقراطية
انها حرب طويلة زبدة القول ان الزراع القوى الذى كانت تختبىء خلفه تيارات عريضة وواسعة منظمة وغير منظمة زراع الحركة الشعبية لم يعد يعبر سوى عن اشواقه هو ومطالبه هو  وعليه من الان فصاعدا عليهم التخلى عن جبنهم والتعبير صراحة عن افكارهم واضافاتهم في سودان على اهبة التحول الذى ربما يكون  تحولا الى المربع الاسوا ان الاوان للقوى السياسية ان تحمل عبء شعارات التحديث والديموقراطية وان تدفع ثمن ذلك فتلك هى الضريبة في كل زمان ومكان فمجاكوس وما تلاها من جولات اسقطت القناع وليس ثمة مهرب من مواجهة القدلر التاريخى للمركز في ظل عالم يتقلص تجاه بعضه ولا يتحمل الردة الى القرون الوسطى اذن من الان فصاعدا سيجد الساسة انفسهم مضطرين للتعبير عن افكارهم الحرة في الاصلاح والتحديث والتجديد هذا اذا كانت لديهم افكار حرة فعلا في واقع ملىء بالقنابل الموقوته (جماعات وحركات الاسلام السياسى )..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا