الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في -حامل الهوى-سرديات مشهدية تفضي الى تضاديات شرسة بين الذات والاخر

جمال كريم

2008 / 2 / 3
الادب والفن



بداية اذا أخذنا رواية( حامل الهوى)، 278 صفحة من الحجم المتوسط ، للقاص والروائي أحمد خلف،الصادرة عن مؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون، وفق مقاييس الرواية بتقنياتها الكلاسيكية ، لا الحداثية التجريبية في فنون السرد ، سنكون أمام قص ومحكي ، يندرج تحت عنوان الرواية المهيمن والمتشعب في تفاصيل المعيش ، لكنايات اجتماعية متصارعة وشاذة ، ثم لنكتشف أن هناك خيطا محوريا ، يبتديء مع كل شخصية من شخصيات الرواية التي توزعت بين مساحة فصولها الخمسة ، هذا الخيط يقودنا الى محور تلاقيها في الموضوع ، و تمايز في الرؤية والتفكير تجاه عالمها الموضوعي ، واذا اتفقنا منذ البدء ايضا ، ان المندرج تحت العنوان هو فن سردي لمشاهد من الحياة ، سيبدو للوهلة الاولى ، منغلقا ، لكنه سيتراجع أمام هذا الانغلاق من خلال مفتاح عتبة النص ، واعني بذلك العنوان الحامل للرواية وليس الهوى! الذي سيأخذ الوجهة والدليل للمتلقي في أي مستوى قرائي يسعى الى تفكيك النص وتحليله ومن ثم فهم دلالاته ومقاصده ، من هنا فأن الامعان في( الحامل) وحده ،يثير فينا تساؤلات كثيرة ومهمة من أجل التأويل ، ووصولا الى الفهم ويقع في مقدمتها محمولا الكلمة الاشتقاقي ، أي صفتها على وجه التغيير والحدوث والتحول ، لا التثابت والثبوت ، وعندما ينضاف اليه محمول آخر هو (الهوى) فأنه يتعالق مع الاول ويتناسب معه ، فان التساؤل سيكون أكثر الحاحا عن ماهية الترابط بين هذا (الحامل) و(هواه) الذي لن يكون بكل تأكيد ، ترابطا بالمفهوم الذي كان يعنيه أبو نواس ، اذن أي هوى يقصده الكاتب في وطن أكلته الحروب ومزقته الدكتاتوريات وملأ مدنه الرماد؟ بتعبير آخر ،لماذا يتمظهر ( الحمل) في مثل هذه الظروف القاهرة التي عصفت بالبلاد في (الهوى) الذاتي ، وأية تبعية قود الى انهيارات اجتماعية واخلاقية وتمنطقات روحية عاشتها شخصيات الرواية الرئيسة .
في حامل الهوى ، كل شيء واضح ومحدد على صعيد الذوات ، ولكن ليس ثمة رؤية أو موقف من تلك الذوات المأزومة في اكثر من مستوى، اصلا، تجاه كل ما حصل من خراب ودمار ، اذا ما استثنينا بعض الاشارات اللماحة والسريعة للراوي ، السارد والمسرود عنه ايضا ،فالرواية تنتظم على شكل مشاهد سردية تعتمد اسلوب السرد الوصفي والحواري، وعلى عنصر التداعيات ، وبانتقالات مفاجئة ، لم تغن الرواية فنيا في شيء.
انه من الممكن تتبع التحولات في تلك الاساليب ورصد حركة الشخصيات في حيز أمكنتها ،أو فضاء أزمنتها المحدد والمتحرك تجاه مصائرها المعلومة ، منها أو المجهولة على حد سواء ، اننا مثلا، و من الصفحات الاولى نشعر أننا تجاه شكل حوار داخلي (مونولوج)، لكنه في الحقيقة هو خطاب للراوي المسرود عنه الذي هو هو! ، كما ان محور التبئير ايضا، يرى الآخر ومحيطه الموضوعي وفق رؤيته ووجهة نظره فحسب ، وبهذا ينزاح الصوت الاخر ثم ليمثله بصوته"ان من الضروري تماما، المؤلف والناطق باسمه أن ينسحب الى الوراء من أجل نظرة شاملة للموضوع من حين لآخر ، وهو اذ يفعل هذا في أي وقت ، فأن القصة تصبح بمثابة انطباعه الخاص ،جرى تلخيصه وتصويره للقارىء ".
ان البطل/الراوي ، في حامل الهوى ومن الفصل الاول ،لايريد الحوار مع كائنات محيطه ، أوعلى الاقل ، لا يسعى اليه بقصد التواصل والاقناع داخل محيطه الاسري أو مؤسسته الاجتماعية سوى حواره وملتقياته مع الاخت"زينب"،مع أننا ،هنالانجد عرضا تفصيليا أو مباشرا لرؤيا واحلام"زينب"تجاه الرؤية الواقعية للاخ السارد، ولاتلك التي في منطقة خيالاته التأملية ،لنكتشف أن التعبيرية في المنطوق السردي ، قد تمحورت حول حالات الراوي الانعزالية والمنزوية داخل عالمها الذاتي الخاص ، ومن هنا ، تتداخل مع التداعيات أو الحورات أو مقاطع الوصف السردي ،مستويات وظيفية عدة ،منها ان الراوي عبر ضمير المتكلم ،يكشف ذاته هو ، وبأقل من ذلك جدا عن محيطه الاجتماعي والانساني "سأكتب شكرا على ورقة كبيرة أدرجها بالتسلسل والارقام كالدساتير والارقام القديمة عهدا أخذته على نفسي أن اكتب كل شيء يجري ويحدث لي كالميثاق أحمله معي أينما حللت وارتحلت في دنيا الله الواسعة ،لكي لايضيع علي أغلبها فأنا كثير النسيان والاهمال لنفسي وأشيائي التي تحيط بي ، لا اعني ذكرياتي فقط ،بل اعني وجودي القلق وسط العاصفة وهي تصنع من نفسها أعصارا تنز وتئن في الجوار ، ترى ماذا أفعل بهذه الريح العاتية وهي تأتي دائما وتحط عندي "ص 7-8 ، ".
ان العاصفة" التي يلمح اليها الراوي في هذا المقتطف ، كأنها لم تمر من تحت سماء الوطن لتبطش بالحياة والمعاني والاشياء ، ولو تتبعنا بدقة شخصيات الرواية من خلال علاقتها وأهدافها فيما بينها سنجدها عبر تنوع تلك العلاقات والاهداف ، تشترك في محور سيمانتيكي " دلالي" واحد هو: التواصل غير المشروع والسعي اليه في عالم موضوعي مشوه وزائف ن فالمكون الاجتماعي – العائلة العراقية – مفكك وغير متجانس ، منقسم ومتشظ ، واذا ما رأينا ثمة تحالفات ثنائية بين الشخصيات ، فهي مؤقتة وزائلة : الراوي + الاخت"زينب" مقابل الام + اسماعيل وزوجته ، أو تحالفات الاسرة عدا الراوي مع طاهر زنبور وتحالف الاخير مع أحمد قداحة التابع وحافظ الاسرارفي الوقت نفسه على أعمال التهريب ومفاسد أخلاقية اخرى ظلت حتى مقتل زنبور على يد الزوجة وابنة العم زينب من أسراره الشخصية ، بشكل عام ، لم ترتبط أحداث الرواية ترابطا سببيا ، بل ظلت سردية المشاهد هي العنصر المميز في بنائها الفني ، كما ظلت تتبأور حول تجارب نفسية معقدة واجتماعية أخلاقية فاسدة ومنحلة ، بدءا من تزوير اسماعيل لوثائق تثبت موت أخيه الراوي بهدف استحواذه على ارض يملكها الاخير في الديوانية ، ومرورا بخيانة الراوي لصديقه الطبيب ، القديم الجديد ، نادر ، بعد ان يدعوه لزيارة بيته ويعرفه على زوجته الفاتنة "نيران" ، حيث ما ان يجتمعا على مائدة الخمر الاحتفائية باستضافة "الصديق الصدوق" حتى تبدأ العين المضيفة – بضم الميم وفتح الضاد – بالتقاط المحفزات الجنسية المثيرة من جسد المنظور اليها والمعشوقة "نيران" حتى يستعر ، هنا ، مصنع خيال الراوي بعيدا عن "مريم " صبية الديوانية الناضجة ، ثم ليشتغل على منطقة اللذة الجسدية عبر انتاج صورللتقارب والتلامس وصولا الى التلاقي واشتباك الايدي وامتزاج الانفاس الحرى، حقيقة فيما بعد!كل ذلك يحصل في بيت الصديق الضائف والغاط أو المتناوم في ثمالته "وجدت نفسي – برغم ذلك – ابتسم لها حين جارتني في الابتسامة من الصعب عليه وهو في جلسته ان يرى بوضوح ما تفعله زوجته خلسة"ص 144 ، وعبر السرد يبرز الكاتب في هذا المشهد تحالف واصرار الاثنين على المضي في طريق الخيانة حتى النهاية وان كانت"نيران" قد ابدت عدم رضاها عن سلوك الضيف / الخائن وتمنعت في مجاراته !" رفعناه برفق واخذناه نحو غرفة نومه ، ووضعناه على الفراش،القى بجسده ،تهالك على أحد جنبيه ،تراجعت عنه خطوة واحدة ،تاركا لزوجته لتعينه ،شاهدته ينقلب على وجهه ويغطس في نوم ثقيل لاحراك فيه.. وقفت وسط الفراغ أدير نظراتي بين الغرفة النظيفة التي اعدت له خير اعداد ،كان وجهها ساطعا تحت النور لتطفئه وتستدير ورائي نحو المائدة ص 159 .
أما علاقة زينب بزوجها وابن عمها طاهر زنبور ،فلاتقل انحطاطا عن علاقة "نيران"بزوجها الطبيب "نادر"بعد ان لاقت كل مظاهر الاحتقار وهدر الكرامة من زنبور،وهي نادمة ومؤلبة نفسها على زواجها اللامتكافئ من مهرب وشريرغامض ،اصدر قرارعزلتها في بيت الزوجية،بعيدا عن أخيها الراوي المجهول الاقامة والتائقة للقائه ورؤيته والذي عبر خطاب الراوي ،تستعيد معه تحذيراته ووصاياه ونصائحه بعدم الاقتران بهكذا نموذج ، والتي لم تأخذ بها،بعد أن تركها وحيدة داخل اسرة مفككة تنصب لها شراك الزواج من زنبور، فلا رابط اجتماعي أو انساني تجتمع حوله الشخصيات سوى- مثلما ذكرت- تحالفات هشة.
تحاول "زينب"وهي في مأزقها الحياتي والمعيشي أن تسترجع الزمن الذي عبر عليها وعلى تلك اللقاءات الحميمة مع أخيها الراوي ،لكنها ، الان وحيدة مع زنبوروتابعيه ،"قداحة" اولا و"عزيز"ثانيا،فيما بعد ،واذا كان ماحصل أو ما خططت له مع الاول مألوفا وفي النهاية بمحض ارادتها ورغبتها، فانه لم يكن قطعا كذلك مع الثاني ، فمعه قضي الامر وبموافقة الزوج!!."لايمكن لطاهرأن يغطس في سبات كهذا والعراك بيني وبين عزيز قد علا الصراخ فيه ،فوجئت بقبضة عزيز والمحكمة تجرني نحو الارض لاقع بالقرب منه ، سدد لي ضربة غير متوقعة ، سقطت مغشية على وجهي وركبتي أجثو أمامه كأني أستجدي الخلاص منه ، استغيث ببقايا رجولته في ان يتركني وشأني ولكن لامحال أن يحدث شيء من هذا ، صدرت مني أنة ضعيفة اثر ضربته المستميتة القاسية لان النور أغرقني لبعض اللحظات وأعاد لي طيفا هاربا من أطياف اليقظة ،ظلا ضعيفا يهتز أمامي ،يتأرجح دون جدوى ملموسة ،اسلمت قيادي مرغمة للريح تعبث بها" ص 275 .
في العودة الى البداية نجد أن العنوان ،عتبة النص الاولى ، "حامل الهوى" يحيلنا الى اشكاليات رئيسة ، كان الراوي/ البطل ، يدور في فلكها ويعاني منها هي : الفقر ، الحرمان ،الكبت العاطفي والجنسي ، ينضاف الى ذلك الشعور بالوحدة والميل الى العزلة وهاجس الخوف من الاخر ، اذن فلا هوى بالمعنى "النواسي" او بالمعنى الوظيفي و الدلالي للكلمة، وبهذا يكون المحمول عبارة عن عقد سايكولوجية ناتجة عن الاشكاليات المذكورة . وفي سياق آخر نرى بروز شخصيتين رئيستين في الرواية هما : البطل / الراوي و زينب / الاخت ، هاتان الشخصيتان تتحركان على مستوى الرواية وتتقاسمان مساحتها الاكبر ، في حين ان الشخصيات الاخرى ، الام ، اسماعيل وزوجته ،طاهر زنبوروتابعيه قداحة وعزيز، الطبيب نادر وزوجته نيران، الام وصبية الديوانية ،مريم وعديلة وأخاها الرسام عادل ، هذه الشخصيات كلها ، اذا ما استثنينا عائلة الديوانية ، الام + مريم ، تتحرك في محيط الشخصيتين الرئيسيتين ،التأريخي والمكاني بتعدده وتنوعه الذي يصفه راو يلتقط ويصور ويتكلم أو يهندس حركة الشخصيات في صراعاتها وتمزقاتها وانحلالها في زمن شوهته الانظمة الفاسدة عبر حروبها المتصلة التي أطفأت جذوة الحياة، لتأفل النفوس وتجدب الارواح في وطن ملأه القحط والفقر واليباب ، ان هذا الزمن يوميء اليه الراوي من بعيد ، دون أن يتجرأ مقتربا منه ، الا من خلال اشارات بسيطة أورد بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر، جاء في حوار الراوي مع صديقه الطبيب نادر:" أليست امراضا وهمية قد يتخيله؟
طرد بيده دخان سيجارته:
كالحرب مثلا؟
وغير ويلات الحرب
تساءلت: مشاكل الحب والجنس؟ "ص 102 .
أو كما في حوار "نيران"مع زوجها الطبيب نادر:
"ارجوك لاتنس اني فقدت أبي في الحرب مطلع شبابي"ص154 .
أخيرا ، نكتشف من خلال سياق السرد المشهدي للرواية أن البطل/ الراوي ، هو صورة – ليست جديدة- للمثقف العراقي ألمأزوم الذي غالبا ما أدار ظهره لكل ما جري حوله ، ودون أن يكون له في كل ذلك موقف نقدي يحسب لصالحه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل