الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ظاهرة إنحباس الأمطار تنذر بكوارث بيئية وبشرية

محمد كريزم

2008 / 2 / 2
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


أبدى كثير من الناس خشية كبيرة من إنحباس الأمطار خلال فصل الشتاء الحالي، وظهرت مخاوف حقيقية على أرض الواقع لاسيما أن الموسم الزراعي الشتوي مهدد بالفشل في حال إستمرار الوضع على مل هو عليه، بل توجد تحذيرات من مغبة تغيرات مناخية محتملة ستؤثر على مجمل المنطقة بأسرها.
وتشير تقديرات الخبراء في هذا السياق إلى أن فصل الشتاء سيصبح أكثر دفئاً، وستشتد موجات الحر، ما يعني قلة هطول الأمطار وبالتالي إنخفاض منسوب الخزان المائي الجوفي وزيادة ملوحة المياه.
تفسير علمي للظاهرة:
أوضح المهندس حسن السردي مستشار سلطة المياه الفلسطينية بهذا الصدد أن عملية نزول المطر هي العملية التي يتحول بها بخار الماء بعد التشبع إلى الحالة السائلة بشكل جسيمات دقيقة ويتبعها الهطول وهو عبارة عن المظهر النهائي للتكاثف على سطح الأرض.
ولحدوث هطول الأمطار يجب توفر أربعة عوامل وهي وجود الهواء الرطب وتبريد الهواء من خلال إلتقاء كتلتين هوائيتين مختلفتي الحرارة ونوبات التكائف هنا عبارة عن الشوائب الموجودة في الهواء مثل الغبار وقطرات الماء العذبة الدائمة في الجو، إضافة إلى الغيوم أو السحب وهي عبارة عن تجمعات مختلفة الأشكال والحجوم لبخار الماء المتكاثف بشكل قطرات مائية أو ثلجية سابحة في الجو وتعتمد كميات السحب ومدى إنتشارها على قوة ونشاط تيارات الحمل الصاعدة ودرجة الإستقرار في الجو وكمية الرطوبة اللازمة للتكاثف.
من جانب أخر أشار السردي إلى التغير الملحوظ في العوامل الجوية في جميع أنحاء العالم الناتج من الزيادة المطردة في السكان والتوسع العمراني، إضافة إلى الإشعاعات الحرارية والنووية من المصانع وعوادم السيارات والمفاعلات الذرية كما أن ظاهرة قطع الغابات لعبت دوراً كبيراً في هذا التغير.
تلوث الغلاف الجوي:
من جهته يرى الدكتور منصور اللوح أستاذ علم الأرصاد الجوية في جامعة الأزهر أن الكرة الأرضية تشهد تغيرات دراماتيكية في المناخ وما يصحب ذلك من تأثيرات مناخية كبيرة تلحق الضرر بأنظمة بيئية متعددة حيث إرتفعت درجة الحرارة في الوقت الحالي إلى نصف درجة مئوية عن القرن الماضي، ومن المتوقع أن ترتفع إلى أكثر من 4 درجات مئوية بحلول عام 2028 معزياً أسباب هذا الإرتفاع التدريجي لدرجة الحرارة إلى الغازات الناتجة بفعل أنشطة الإنسان من صناعات ومركبات كيميائية تنجم عنها ظاهرة الإحتباس الحراري، ويعتبر غاز ثاني أوكسيد الكربون على رأس هذه الملوثات. حيث تشير الدراسات إلى أن حجم الكمية المنبعثة منه تقدر بـ 20 مليار طن سنوياً، وستزداد بحلول عام 2028 إلى 82.6 مليار طن في السنة، أي بنسبة زيادة قدرها 413% تقريباً، إضافة إلى أن غازات ثاني أوكسيد الكبريت والميثان المنبعثة من الأنشطة الزراعية والكلورفلوركيرون الذي يعتبر من المواد التخليقية وأكاسيد النيتروجين والرصاص وهي من الملوثات التي تحدث تغيرات في شفافية الغلاف الجوي للأرض فيما يتعلق بدخول وخروج الأشعة الشمسية، كما أن التغير في كمية الطاقة الشمسية التي تصل سطح الأرض بسبب ما تتعرض له الشمس من إنفجارات في الأونة الأخيرة وتحدث بالتالي تغيرات في المناخ العالمي للكرة الأرضية.
في السياق نفسه أشار اللوح إلى تلك التغيرات المناخية وعوامل أخرى تؤدي إلى نشوء ظاهرة إنحباس الأمطار التي تهدد بحدوث الجفاف وإنخفاض معدلات المياه الجوفية.
الخزان الجوفي يتناقص:
لا شك أن قضية نزول الأمطار من عدمه أمر غيبي يرد إلى الله سبحانه وتعالى ومشيئته المطلقة في تسيير شؤون خلقه وصدق الله العظيم في قوله تعالى " إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام ".
وبالرجوع إلى معدلات الأمطار في غزة أوضح المهندس السردي أن التقديرات تشير إلى إنخفاض تدريجي في معدلات سقوط الأمطار خلال السنوات الأخيرة الماضية بصورة عامة، وفي هذا العام حتى تاريخه بصورة خاصة لم تتجاوز كمية الأمطار التي هطلت سوى 10% من مجموع الأمطار عن العام السابق، علماً أن المعدل السنوي للأمطار في قطاع غزة يبلغ حوالي 350 ملم في العام في حين أن معدلات الأمطار في المنطقة الشمالية من القطاع حوالي 400- 450 ملم في العام، بينما تصل معدلات الأمطار في المنطقة الجنوبية وتحديداً محافظة رفح حوالي 150 ملم في العام.
كما قارن السردي بين معدلات الأمطار خلال العام الحالي بالعام الماضي ولوحظ أن معدل الأمطار في كامل قطاع غزة وصل حتى تاريخه حوالي 4 ملم، علماً بأن معدلات الأمطار لنفس الفترة من العام الماضي بلغت حوالي 37 ملم، وبذلك يكون معدل الأمطار هذا العام لنفس الفترة أقل بحوالي 33 ملم من العام الماضي.
من جانب أخر أشار السردي إلى أن تناول معدلات الأمطار المذكورة ككميات من المياه، فإن مجموع المياه التي تسقط على قطاع غزة تصل حوالي 120 مليون متر مكعبـ،، ويتسرب منها إلى باطن الأرض ما يقرب 46 مليون متر مكعب في حالة المعدلات الطبيعية للأمطار، أما بالنسبة لمعدلات كمية المياه الساقطة من الأمطار خلال الفترة الحالية من فصل الشتاء فتصل إلى حوالي 4 ملايين متر مكعب تسرب منها إلى باطن الأرض ما يقارب مليون متر مكعب، وهذا ما يعني نقص كبير وخطير في منسوب الخزان المائي الجوفي، وفي حالة إستمرار هذا الوضع المتردي من سقوط الأمطار حتى نهاية فصل الشتاء الحالي فمن المتوقع أن يصل العجز السنوي هذا العام أكثر من 50 مليون متر مكعب، علماً أن معدلات السحب السنوي من الخزان الجوفي في قطاع غزة حوالي 130 مليون متر مكعب، بينما تصل كميات المياه المغذية للخزان الجوفي بمختلف نوعياتها حوالي 80 مليون متر مكعب مع الأخذ بعين الإعتبار مياه الأمطار المتسربة والمياه الجوفية المنسابة طبيعياً من ناحية الشرق وكذلك المياه المتسربة من مياه الصرف الصحي وشبكات المياه، بمعنى أخر فإن هناك عجزاً سنوياً يصل إلى حوالي 50 مليون متر مكعب في العام من المياه، ما أثر سلباً بلا شك على نوعية وكمية المياه الجوفية نتيجة لإندفاع المياه الأكثر ملوحة من الطبقات السفلى وكذلك من البحر، إضافة إلى إنخفاض منسوب المياه الجوفية.
تأثير سلبي على الزراعة:
وكما هو ملاحظ على أرض الواقع فإن القطاع الزراعي هو أكثر القطاعات الحيوية تضرراً نتيجة إنحباس الأمطار، فمعظم المزروعات في فلسطين عموماً تعتمد على مياه الأمطار، وأوضح السردي بهذا الشأن أن الموسم الزراعي لهذا العام مهدد بالفشل حيث أن عدم سقوط الأمطار في موسمها المحدد وسقوطها في مواعيد أخرى قد يغير عملية التزهير والذي بدوره سيؤدي إلى خسارة كبيرة للمزارعين، كذلك إن إنحباس الأمطار يؤدي إلى التقليل من فرص توفير درجة عالية من الرطوبة الكامنة في الأرض، الأمر الذي ينعكس سلباً على معدلات الدخل والإنتاج الزراعي بشكل عام، وأيضاً قلة الأمطار مع إرتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى زيادة عمليات التبخير وتقلل من المخزون الجوفي والرطوبة، إضافة إلى ذلك فإن هناك خطر التصحر يلوح في الأفق على المستوى البعيد، في حين أن خطر التملح وزيادة الملوحة في الأرض يزداد شيئاً فشيئاً نتيجة لنقص الأمطار وقلة كميات غسيل التربة بمياه الأمطار العذبة وأيضاً هناك خطورة على الثروة الحيوانية نتيجة لنقص المراعي.
توقعات تنذر بكوارث:
من جانب أخر تشير مخاوف الخبراء في هذا المجال إلى أن الكرة الأرضية بمجملها ستتأثر نتيجة للتغيرات المناخية، وتوقع الدكتور منصور اللوح أستاذ علم الأرصاد الجوية في جامعة الأزهر بحدوث تدهور خطير بعدة أنظمة بيئية بأكملها وتغيرات في الطقس والمناخ، حيث أن إستمرار إرتفاع درجة الحرارة سيضاعف من مستوى منسوب سطح الأرض إلى متر واحد بسبب ذوبان مساحات واسعة من الثلوج، وكذلك قد تصبح فصول الشتاء أكثر دفئاً وستشتد موجات الحر والجفاف ويكثر تكرار حدوثها، ما يؤدي إلى إتساع رقعة الصحراء، أيضاً تشير توقعات الخبراء إلى أن طبقة الأوزون ستتآكل بنسبة 10% في نهاية القرن الحالي ما سيزيد دخول الأشعة الحارقة " فوق البنفسجية " إلى سطح الأرض، ما ينتج عنها من تغيرات بيئية ومناخية ستفاقم من خطورة الأوضاع على الكرة الأرضية.
على صعيد أخر حذر اللوح من خطورة الأوضاع المناخية الحالية والمستقبلية ما لم يتم تدارك الأمور بشكل واقعي، مقترحاً تبني إستراتيجية أكثر واقعية في التعامل مع ظاهرة إرتفاع درجة الحرارة وإنحباس الأمطار لمواجهة إنعكاسات الخطورة التي تسببها، وذلك من خلال خفض إنبعاث الغازات والحد من إستخدام المواد الكيماوية والنووية.
مواجهة الأزمة:
من ناحية أخرى أشار المهندس السردي إلى أن سلطة المياه الفلسطينية تدرك جيداً العجز الحالي من المياه كماً ونوعاً، نظراً لقلة الأمطار لذا وضعت من أجل ذلك الإستراتيجيات الخاصة بالمياه بهدف المحافظة على المياه الجوفية وتحسين شبكات المياه والصرف الصحي لتقليل نسبة الفاقد من المياه ومراقبة الآبار الزراعية من حيث كميات الإنتاج والعمل على تحديد كميات من المياه حسب الإحتياجات الزراعية، بل الحد من ظاهرة حفر أبار المياه بصورة عامة.
وأضاف السردي أن توجهات سلطة المياه تعمل على ترشيد إستخدام المياه بقدر المستطاع ورفع منسوب الخزان المائي الجوفي من خلال تجميع مياه الأمطار الساقطة وشحنها إلى مناطق متفرقة من القطاع والإستفادة من مياه الصرف الصحي المعالجة وعدم هدرها.










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح وما موقف القاهرة ؟| المس


.. أوكرانيا تعلن إحباط مخطط لاغتيال زيلينسكي أشرفت عليه روسيا




.. انتفاضة الطلبة ضد الحرب الإسرائيلية في غزة تتمدد في أوروبا


.. ضغوط أمريكية على إسرائيل لإعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات




.. قطع الرباط الصليبي الأمامي وعلاجه | #برنامج_التشخيص